تشهد مناطق سيطرة النظام السوري، تفشي ظاهرة سرقة الموبايلات بشكل غير مسبوق، عبر طرق النشل والسرقة والاحتيال، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تجتاح مختلف المحافظات السورية.
وتعاني المدن السورية الخاضعة لسيطرة النظام من انتشار عصابات السرقة المنظمة، وحالة من الفلتان الأمني رغم وجود عشرات الأجهزة الأمنية، التي يرجح كثير ممن التقيناهم أنهم ضالعون في جرائم السرقة وهم من يمد تلك العصابات بالغطاء الأمني.
ورغم الثقل الأمني للنظام الموجود في العاصمة دمشق، فإن جرائم السرقة تشهد ازدياداً مضطرداً بالفترات الأخيرة، وسط تجاهل من أقسام الشرطة، التي تكتفي بتسجيل الضبوط، بحسب شكاوى الأهالي.
ورصد موقع "تلفزيون سوريا" العديد من حالات سرقة الهواتف المحمولة وحقائب اليد النسائية والمحفظات المالية للرجال، مع انتشار بيع أجهزة الموبايل المسروقة في الطرقات علناً وعلى مرأى من شرطة النظام السوري.
تكثر في الازدحام
وينشط نشالو الهواتف الذكية في الأماكن المزدحمة، وخصوصاً في أسواق دمشق القديمة، حيث تصبح الأزقة ضيقة ويكثر عدد الناس وترتفع أصوات الباعة، فيتمكن اللص من سرقة الهاتف بخفة وسرعة من دون أن يشعر به أحد، وكذلك الحال في الدور على الخبز أو الدور على ركوب الباصات أو في الباصات نفسها.
"أم محمد" التي تعرضت لسرقة هاتفها، قالت لموقع "تلفزيون سوريا"، "كنت في أزقة دمشق القديمة قرب الجامع الأموي، ومع الازدحام الشديد أدخلت يدي في جيبي، فإذا بي لم أجد هاتفي المحمول، كدت أفقد عقلي".
وأضافت أن ابنها اللاجئ في ألمانيا، أرسل إليها منذ 3 أشهر 250 دولاراً لشراء هاتف جديد بسبب أن "الهاتف السابق بطيء جداً وبطاريته لا تكفي لساعتين في النهار".
وأوضحت: "ما شعرت أبداً بحدا. كيف سرق الموبايل من جيبة المانطو، يعني نشله بدون ما حس أبداً، الله لا يسامحو، والله احترق قلبي".
ولفتت إلى أنها تقدمت بشكوى في مخفر الشرطة وكتبت ضبطاً، ولكن شرطياً صغيراً في العمر أخبرها وهي خارجة أن "عوضها على الله، فلا يوجد هاتف سُرق من صاحبه وعاد إليه".
تعيش "أم محمد" البالغة من العمر 55 عاماً، حسرة لفرحة لم تكتمل، مع سرقة اللص لهاتفها المحمول قائلة: "يعني ما في حدا معتر أكتر مني بالشارع أنا متأكدة، بس نصيبي شو اعمل، كتير سمعت آخر فترة عن سرقة الموبايلات بالشام، بس ما كنت متوقعة كون وحدة من الضحايا".
السرقة في الحافلات
وفي قدسيا في ضواحي دمشق، تعرض عدة أشخاص التقينا بهم لسرقة موبايلاتهم، أحدهم أحمد فؤاد طالب جامعي، سرق هاتفه المحمول في الميكرو باص.
وقال فؤاد لموقع "تلفزيون سوريا" إن سرقة الموبايلات بالباصات شائعة جداً، خصوصاً في صفوف النساء اللواتي يضعن هواتفهن في حقائب يد ينسونها مفتوحة.
وأضاف أن جامعة دمشق تشهد سرقات كثيرة لهواتف ذكية وحقائب نسائية وجزادين رجالية، لكن في الجامعة لا أعتقد أنها منظمة أو تابعة لعصابة، إلا أن الوضع في الشوارع خصوصاً تحت جسر الرئيس أو في البرامكة وفي ساحة المرجة منتشر جداً.
وتباع الهواتف المسروقة بنصف سعرها وأرخص أحياناً في محال تجارية يشترون أي موبايل يأتي إليهم مثل برج دمشق أو سوق البحصة أو سوق الحرامية في شارع الثورة.
هاني عرفات العامل في محل بيع وتصليح موبايلات، قال لموقع "تلفزيون سوريا"، لا يمكن معرفة أن الهاتف مسروق أو لا عندما يأتي الزبون إلينا لبيعه، فهو يعرض علينا هاتفه، فإن كان اللص محترفاً من الصعب كشفه بسهولة لأنه يقوم بضبط الهاتف ومسح كل شيء عليه.
وأضاف أن "هناك لصوصاً (أغبياء نوعاً ما) يأتون إلينا والهاتف مقفل ولا يعرفون كيف يفتحونه، فنقول لهم افتحه لكي نرى حالته مثلاً، فيقول نسيت كلمة السر!، وعندما نفتحه بالغالب يكون على الشاشة الرئيسية صور نساء وكذلك الحال بمخزن الصور، فمن هنا نعرف أن الموبايل مسروق".
وأكّد على أن "الوضع في سوريا لا يسمح بالتبليغ على أي أحد، يعني مو معقول يتحمل الشخص مسؤولية ويتعرض لشي حادثة بالليل كرمال موبايل يمكن يكون يلي سارقو شبيح أو رجل أمن بفرع مخابرات".
وأردف "أنا من جهتي إن حسيت أنو الموبايل مسروق ما بشتريه، بس مو كل العاملين بالمصلحة بيقدرو يعرفو إن كان الجوال مسروق أو لاء".
18 ألف حالة سرقة
الأمر لا يقتصر على دمشق وريفها، بل معظم المحافظات السورية تنشط بها عصابات سرقة الموبايلات والحقائب النسائية، في ظل تفشي كل أنواع الفساد بمناطق سيطرة النظام السوري، وتردي الأوضاع المعيشية.
وقال مصدر في الأمن الجنائي بدمشق لموقع "تلفزيون سوريا" إن سرقة الموبايلات هي رقم واحد بالضبوط المتعلقة بالسرقة في دمشق.
وأضاف أن محافظة دمشق وحدها سجلت أكثر من 18 ألف حالة سرقة موبايل منذ بداية 2023 حتى شهر أيلول الماضي.
ولفت إلى أن سرقة الهواتف الذكية خصوصاً الجديدة منها تحولت إلى ظاهرة في دمشق وريفها، والشرطة في كثير من الأحيان تلقي القبض على الجناة ولكن تقول إنها لم تجد المسروقات ولكن الحقيقة أن المسروقات تباع وتعود الأموال لجيوب الضباط.
وأكّد المصدر أن هناك شبكات كاملة لسرقة الموبايلات في سوريا، بعضها يتبع لأجهزة أمنية، ومخافر شرطة، وبعضها يسرق ثم يتورط بموضوع البيع فيضطر لطلب الحماية من أحد الضباط ويتقاسم معه الأرباح.
وشدد على أن الأمن الجنائي يلقي القبض على كثير من عصابات سرقة الموبايلات ولكن نادراً ما تتم إعادة تلك الموبايلات لأصحابها.
ولفت إلى أن كثيراً ممن يلقى القبض عليهم بتهمة سرقة موبايل يكون قد اشترى هاتفاً ذكياً مسروقاً، فهو يشتريه من دون فاتورة ومن دون علبة وأغراض لأنه أرخص ثمناً من الجديد أو المستعمل في المحال النظامية.
وفي عام 2021، سجل مكتب الشكاوى الخاصة بوقائع النشل في "عدلية دمشق" نحو 21 ألفاً و300 شكوى فقدان موبايل، وأنه تم استرداد نحو 50 في المئة من الجوالات التي تمت سرقتها عام 2022، بحسب صحيفة الوطن المقربة من النظام السوري.
"بنص حقو"
وفاء حسن، تعرضت لسرقة حقيبة يدها من الطريق، حيث جاء رجل على دراجة نارية وسحب الحقيبة من يدها.
وقالت وفاء لموقع "تلفزيون سوريا"، إن الشارع كان فارغاً تقريباً بإحدى حارات حي المهاجرين بدمشق، ولم أتوقع أن يحصل لي مثل هذا الموقف، خفت جداً، رغم أن الساعة كانت الثامنة مساءً.
وأضافت وفاء التي تعمل كمدرسة، أن الحقيبة كان بها مبلغ 350 ألف ليرة، وجوال "آيفون 13 برو ماكس"، أهداه لها خطيبها المقيم في الخليج قبل 7 أشهر فقط.
ولفتت إلى أنها لأول مرة بحياتها كانت تحمل هاتف آيفون، "بتعرفي يعني ثمن الآيفون في سوريا عشرات الملايين أو بالدولار، ما بعرف قديش لح يبيعه بالسوق بس أكيد بنص حقو".
ويبلغ سعر آيفون 13 برو ماكس بسعة 128 جيجا بايت، أكثر من 13 مليون ليرة سورية، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه رواتب الموظف الحكومي 200 ألف ليرة.
وقالت إنها تقدمت بشكوى إلى مخفر الشرطة وكتبوا ضبطاً، ولكن مر نحو شهر ولم يتصل بي أحد، ولا أظن أنهم سيتصلون بي.
ما أسباب توسع ظاهرة السرقة؟
وعن أسباب توسع ظاهرة سرقة الموبايلات في مناطق سيطرة النظام السوري، قال المحامي مجد، إن ارتفاع معدلات جرائم السرقة في محافظة دمشق والمحافظات الأخرى تعود بالدرجة الأولى إلى الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها الناس، وغياب المحاسبة.
وأضاف لموقع "تلفزيون سوريا"، أن وجود عصابات سرقة منظمة، يعني أن هناك غطاء يحميهم، لذلك يستطيعون بيع ما يسرقونه وهو ما يزيد حجم السرقة.
ولفت مجد أن "هناك بطالة كبيرة جداً في سوريا، وهناك انتشار كبير للمخدرات والإدمان، وهذا يدفع للسرقة لتأمين المال وشراء مزيد من حاجيات التعاطي".
وبحسب بيانات موقع "نمبيو" تتصدر سوريا الدول الأعلى بمعدلات الجريمة لتحل بالمرتبة الثانية بعد أفغانستان بقارة آسيا.
وتصنف بالمرتبة الثانية عالمياً بين أعلى الدول بمعدلات ارتكاب الجريمة لعام 2023، في الوقت الذي كانت فيه بالمرتبة العاشرة عام 2022.