عقب مقتل شرطي طعناً بالسكين خلال هجوم نفذه لاجئ أفغاني على تظاهرة لجماعة وُصفت بأنها "مناهضة للإسلام" في مدينة مانهايم بولاية بادن فورتمبيرغ جنوب غربي ألمانيا، أثارت قضية اللجوء والهجرة مجدداً جدلاً حاداً في البلاد، وسط دعوات إلى الترحيل واتباع سياسات أكثر صرامة تجاه مرتكبي الجرائم من الأجانب.
ومساء الأحد أعلنت السلطات الألمانية وفاة الشرطي البالغ من العمر 29 عاماً متأثراً بإصابته. وأوضحت أن "المهاجم طعن الشرطي عدة مرات في منطقة الرأس، وخضع بعد ذلك مباشرة لعملية جراحية عاجلة، لكنه توفي متأثرا بإصاباته الخطيرة"
وبحسب وكالة الأنباء الألمانية، "ما يزال دافع الجاني البالغ من العمر 25 عاماً غير واضح حتى الآن، إذ إن المهاجم الذي ولد في أفغانستان وجاء إلى ألمانيا عام 2013 عندما كان مراهقاً، غير قادر على الإدلاء بأقواله، حيث أصيب على يد الشرطة في الدقائق التي تلت هجومه على الشرطي، كما أُصيب خلال الهجوم خمسة رجال آخرين كانوا يُشاركون في التظاهرة".
إجراءات صارمة
وأعلن المستشار الاتحادي أولاف شولتز من (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) عن اتخاذ إجراءات صارمة، للدفاع عن سيادة القانون والأمن. محذراً أن "على المتطرفين من اليسار واليمين على حد سواء أن يخافوا ويتوقعوا أننا سنستخدم كل الوسائل المتاحة لنا لمواجهتهم".
وقال إن "ضابط الشرطة فقد حياته من أجل السلام والأمن، لقد كان يحمي الديمقراطية وحق كل شخص في التعبير عن رأيه الخاص، بغض النظر عما إذا كان ذلك يعجب الآخرين أم لا". مضيفاً "إذا كان المتطرفون يتدخلون الآن في حرية التنقل والتعبير عن الرأي، فيجب أن يعلموا أننا أشد خصومهم".
ودعت النائبة في البرلمان الاتحادي سارة فاغنكنيشت زعيمة "تحالف سارة فاغنكنيشت" إلى تغيير سياسة الهجرة. وقالت إن "مقتل ضابط الشرطة الشجاع في مانهايم يجعلنا حزينين وغاضبين، فالارتفاع الشديد في الجرائم التي يرتكبها غير الألمان، والتي تتجلى في مزيد من جرائم العنف والاعتداءات بالسكاكين والاغتصاب، هي مشكلة خطيرة للغاية يجب أن تسمى باسمها".
وبحسب صحيفة "راينيشه بوست"، من المقرر أن يناقش البرلمان الألماني (البوندستاغ) قضية الإساءة والعنف ضد ضباط الشرطة في نقاش لمدة ساعة بناء على طلب من المجموعة البرلمانية للاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد الاجتماعي المسيحي".
حملة لترحيل مرتكبي الجرائم من السوريين والأفغان
وبعد وفاة الشرطي في مانهايم، أعلنت ولاية هامبورغ شمالي ألمانيا، أنها ستناقش ترحيل الأجانب الذين ارتكبوا جرائم جنائية خطيرة إلى سوريا وأفغانستان خلال مؤتمر وزراء الداخلية المقبل. وجاء في قرار مقترح أصدرته وزارة الداخلية في هامبورغ يوم الإثنين أن "مؤتمر وزراء الداخلية في هامبورغ يؤكد على ضرورة إنهاء إقامة المواطنين الأفغان والسوريين الذين يشكلون تهديداً للأمن العام بسبب ارتكابهم جرائم جنائية خطيرة أو سعيهم لتحقيق أهداف معادية للدستور". وفق ما أوردت صحيفة (دي فيلت) الألمانية.
ودعا الاقتراح وزراء الولايات أن يطلبوا من وزارة الداخلية الاتحادية أن "تعمل على ضمان قيام وزارة الخارجية الاتحادية بإعادة تقييم الوضع الأمني في أفغانستان وفي المنطقة المحيطة بالعاصمة السورية دمشق، والهدف من ذلك هو التمكن من استخدام خطوط الطيران الدولية الحالية لعمليات الإعادة إلى الوطن".
وأكد عضو مجلس الشيوخ عن ولاية هامبورغ أندي غروته من (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) أن مؤتمر الوزراء سيعقد في غضون أسبوعين. ودعا غروت خلال مؤتمر صحفي إلى "تحقيق توازن جديد بين المصالح الأمنية والمصلحة في الحماية" وقال "حتى لو كان الأشخاص من دول مثل أفغانستان أو سوريا، فأي شخص يرتكب جرائم خطيرة هنا يجب أن يغادر البلاد، ويعود إلى وطنه".
ودعا غروته إلى إحداث تغيير بخصوص تعليق عمليات الترحيل إلى مناطق الحرب مثل أفغانستان وسوريا، "على الأقل في حالة وجود خطر الإرهاب أو في حالة ارتكاب جرائم جنائية خطيرة".
وبحسب قناة شمال ألمانيا (NDR) فإن "ممثلو الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الحر في الحكومة الائتلافية في برلين، قد أعربوا عن وجهات نظر مماثلة".
وزارة الداخلية تدرس سبل الترحيل
وزارة الداخلية الاتحادية ذكرت أن الوزيرة نانسي فيزر من (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) "تدرس بشكل مكثف السبل التي يمكن من خلالها إعادة ترحيل المجرمين والأشخاص الخطرين إلى أفغانستان، ومع ذلك، ونظراً لصعوبة الوضع الأمني وعدم وجود حكومة معترف بها دولياً في أفغانستان، فإن هناك مسائل صعبة تحتاج إلى توضيح".
سكرتير المجموعة البرلمانية للحزب "الديمقراطي الحر" أبدى أيضاً موافقته على ترحيل المجرمين من الأجانب، وأفاد لصحيفة (بيلد) الألمانية أن "الترحيل إلى أفغانستان لا ينبغي أن يكون من المحرمات في هذه الحالة".
بدوره، قال زعيم المجموعة البرلمانية للحزب "الاشتراكي الديمقراطي" ديرك فيزي إن "وفاة ضابط الشرطة الشاب في مانهايم يتركنا غاضبين ومذهولين، إذا ارتكب شخص ما، مثل الجاني المحتمل، أخطر الجرائم هنا، فقد فقد حقه في البقاء هنا ويجب ترحيله إلى أفغانستان".
وفي مقابلة على قناة (RTL)، دعا الأمين العام للحزب المسيحي الديمقراطي المعارض كارستن لينمان إلى "الترحيل المستمر للمجرمين الذين قدموا إلى ألمانيا كلاجئين". مطالباً بأن "ينطبق ذلك أيضاً على أفغانستان".
هل ترحل ألمانيا مرتكبي الجرائم إلى أفغانستان وسوريا؟
من ناحية أخرى، حذر رئيس حزب الخضر الألماني أوميد نوريبور من عمليات الترحيل إلى أفغانستان. وقال إن "اتفاق الترحيل مع أفغانستان يعني دفع الثمن". مضيفاً أن "دفع الأموال لطالبان سيقوي المشهد الإسلامي، وهذا ليس حلاً".
كما دان مارتن شيرديوان، زعيم حزب "اليسار"، بشدة الهجوم الذي وقع في مانهايم، لكنه أكد في الوقت نفسه أنه "لا ينبغي وضع أشخاص من مجموعة سكانية معينة تحت الشبهات العامة". وفق ما نقلت صحيفة (زود دويتشه) الألمانية.
وتقول صحيفة (بيلد) إن "مكتب وزيرة الداخلية الاتحادية نانسي فيزر يسعى أيضاً إلى اتفاق مع الحكومة الباكستانية من شأنه تمكين إعادة المواطنين الأفغان إلى وطنهم براً من داخل باكستان إلى الحدود الأفغانية". ولا تستبعد الصحيفة أن "من الممكن أيضاً أن يُنقل مرتكبو الجرائم من السوريين جواً إلى دمشق". لكن من غير الواضح ما إذا كان كل ذلك سينجح أم لا.
وفي 2021 سيطرت "حركة طالبان" على السلطة في أفغانستان، ومنذ ذلك الحين علقت ألمانيا عمليات الترحيل إلى البلاد. ووفقًا لمنظمة الإغاثة الكاثوليكية "ميسيريور"، فإن أكثر من 90 بالمئة من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية، ويرجع تعليق عمليات الترحيل إلى ارتفاع مستوى الخطر على الأرض.
وكانت وزارة الخارجية الألمانية قد حذرت في تقرير نُشر في شباط الفائت، من مخاطر كبيرة في عمليات الترحيل أو العودة "الطوعية" للاجئين السوريين من ألمانيا إلى بلادهم، مؤكدة أن الوضع ما يزال غير آمن.
وجاء تحذير الخارجية الألمانية، في ظل دراسة تجريها وزارة الداخلية الاتحادية بشأن عمليات الترحيل المحتملة للمجرمين المدانين بجرائم خطيرة والأشخاص الخطرين إلى سوريا، حيث تضغط بعض الولايات الفدرالية الألمانية من أجل عمليات ترحيلهم، وستجري مناقشة بحث وزارة الداخلية في الاجتماع المقبل لوزراء داخلية الولايات الألمانية الذي سيعقد في حزيران الجاري.
ومنذ سنوات لم تجر أي عمليات ترحيل من ألمانيا إلى سوريا، وبحسب وزارة الداخلية الألمانية، جرى ترحيل ما مجموعه 829 مواطناً سورياً، خلال العام 2023، لكن إلى دولة ثالثة وليس إلى سوريا بشكل مباشر، ومع ذلك عاد 66 سورياً طوعاً إلى وطنهم خلال هذه الفترة، بتمويل من صندوق النقد الدولي، والتي ينظمها المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في الولايات الاتحادية المعنية.