أثارت تصرفات الحجاج العراقيين الذين لا تكاد قوافلهم تتوقف إلى دمشق، خاصةً من العراق بعد التسهيلات الكثيرة التي منحها لهم النظام السوري أخيراً، موجة من الاستياء بين سكان العاصمة دمشق، وخاصةً بعد تداول السوريين لمقطع فيديو يظهر أحد الحجاج وهو يهدد ويتوعد أهالي دمشق بجمل تثير النعرات الطائفية.
وضجت وسائل التواصل الاجتماعي بتلك التصرفات وتبادل سكان دمشق مقاطع الفيديو فيما بينهم مع همسات حول ما آلت إليه الأوضاع في العاصمة نتيجة قرارات حكومة النظام، وتزامنت مع مطالبات على مواقع التواصل الاجتماعي بضرورة ضبط تصرفات الحجاج العراقيين وغيرهم من قبل الحكومة ومنع بث الفتن.
إجراءات أمنية ضد الحجاج العراقيين
الاحتقان، دفع حكومة النظام إلى اتخاذ إجراءات حازمة بهذا الصدد وخاصةً مع دخول شهر رمضان الذي تزيد فيه الروحانيات والشعائر الدينية في المسجد الأموي لما له من دلالة ورمزية لدى سكان دمشق.
وأكد شهود عيان لموقع تلفزيون سوريا، أن عناصر من الأمن على مدخل سوق الحميدية المؤدي إلى المسجد الأموي، قاموا أخيراً بمنع دخول عشرات الحجاج وطلبوا منهم الذهاب من طريق آخر جنوبي السوق إلى مقام السيدة رقية بشكل مباشر. وأشار الشهود إلى أن ملاسنات دارت بين الحجاج وعناصر الأمن انتهت بإرسال الحجاج إلى المقام لضمان عدم تسربهم إلى المسجد.
وأكد الشهود بأن العناصر منعوا الحجاج من رفع أعلامهم التي تحمل شعارات طائفية، ومنعوهم من حمل مكبرات الصوت، مضيفين أن عناصر أخرى تقوم بتحري هواتف من يصورون مشاهد فيديو في الساحة خارج المسجد وداخله، إضافةً إلى انتشار كثيف لعناصر الأمن بلباس مدني في سوق الحميدية ومحيط المسجد الأموي خلال شهر رمضان، بعد موجة المقاطع التي تسربت من هواتف الحجاج أخيراً والتي قد تثير الفتن الطائفية.
وكانت هناك تعليمات صارمة انتشرت حتى في المقامات والمزارات الخاصة بالشيعة على شكل أوراق ألصقت على الجدران، أكدت على منع التصوير بالموبايل أو بالكاميرات بشكل نهائي داخل المقامات، ومنع استخدام الميكروفونات بشكل نهائي، مع ضرورة الالتزام بأصول الزيارة والحفاظ على قدسية الأماكن المقدسة.
ومنع أيضاً إجراء المجالس داخل المقامات حتى من دون إذاعة، وكان اللافت أن الجهة المصدرة للتعليمات هي "المتولي الشرعي المدعو وائل مرتضى"، وليس وزارة أوقاف النظام التي يفترض أن تعود تبعية تلك الأماكن لها.
سبب تدخل حكومة النظام
يرى خبير أمني (فضل عدم ذكر اسمه)، أن "سبب هذا التشديد الأمني غير المسبوق، هو زيادة الاحتقان الشعبي ضد الوجود الإيراني الذي انعكس على جميع الحجاج القادمين من الخارج، حيث أدى وجود بعض الشخصيات العسكرية والأمنية الرفيعة والمهمة من الإيرانيين والعراقيين بين تجمعات المدنيين، إلى استهداف إسرائيل لتلك المناطق والتسبب بالأضرار بالأرواح والممتلكات للسوريين".
وأضاف لموقع تلفزيون سوريا أن "مقاطع الفيديو الأخيرة لا تظهر تصرفات جديدة على الحجاج الشيعة، لكنها جاءت عقب موجة احتقان شعبي تعلم به الحكومة في دمشق وإيران حتى أن السفير الإيراني بدمشق تحدث عنه أخيراً بشكل غير مباشر، ما يعني أن أي فتيل قد ينذر بصدام طائفي في العاصمة دمشق، الحكومة وإيران بغنى عنه".
وأول العام الجاري، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلاً مصوراً قالوا إنه يوثق اعتداء "حجاج" على قبر بنسب للصحابي معاوية بن أبي سفيان في العاصمة السورية دمشق.
وليست المرة الأولى التي تنتشر فيها تسجيلات مصورة لاعتداءات "الحجاج" على ما يعرف بقبر معاوية بن أبي سفيان في مقبرة الباب الصغير بدمشق، فقد وثقت الكاميرات طوال السنوات الماضية محاولات تحطيم للسياج المحيط بالضريح أو رمي أحجار وأحذية والتفوه بعبارات نابية في المكان.
حجاج من دون موافقة أمنية وبتسهيلات كبيرة
تعد حكومة النظام زيادة عدد الحجاج من العراق وإيران رافداً اقتصادياً مهماً للقطع الأجنبي، وتعمل على زيادة عددهم بطرق مختلفة أهمها ما قامت به نهاية العام الماضي، حينما أعلن القائم بالأعمال العراقي في دمشق ياسين شريف الحجيمي، أن الجهات المختصة في حكومة النظام ستسمح اعتباراً 22/11/2023 بدخول كل مواطن عراقي يرغب في زيارة سوريا بدون موافقة أمنية أو تأشيرة دخول للداخلين أول مرة في كل المنافذ الحدودية البرية والجوية، وأنه سوف يكون باستطاعة المواطن العراقي أن يحصل فور وصوله على تأشيرة الدخول من المنفذ الحدودي الذي يصل إليه وبشكل مباشر.
ليس ذلك فحسب، بل رغم الاحتقان الشعبي وانتشار مقاطع فيديو طائفية، بعد فترة وجيزة من التسهيلات المقدمة للعراقيين، لم يستطع النظام الحد من استقطابهم رغم التشديد الأمني على الحجاج، بل قام أيضاً هذا الشهر، بتخفيض رسوم الفيزا للعراقيين لغرض السياحة أو الزيارة الدينية والعلاجية من 80 إلى 50 دولاراً والإقامة لمدة شهر وبالتعليمات نفسها.
وقال وزير السياحة التابع للنظام محمد رامي مرتيني إن عدد الزائرين العراقيين ارتفع إلى 44 ألفاً في الشهر الأول من العام 2024، حيث وصل العدد في كانون الثاني الماضي إلى 11 ألفاً. وكان قد أكد سابقاً في تصريح آخر أن القطاع السياحي هو ما يحقق أكبر إيرادات للقطع الأجنبي في سوريا.
إبراهيم فواز، عضو الهيئة العامة لغرفة سياحة ريف دمشق، وصاحب منشأة سياحية في منطقة السيدة زينب بريف دمشق، أكد لموقع "قناة الميادين" المقربة من إيران، العام الماضي، أن السنوات الثلاث الماضية شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في عدد السياح الدينيين الوافدين، حيث تستقبل المنطقة ما لا يقل عن 10 آلاف سائح شهرياً.
النظام يحتكر السياحة الدينية
ويشار إلى أن الشركة السورية للنقل والسياحة التابعة للحكومة (الذراع التنفيذية لوزارة السياحة) هي من تحتكر نقل الحجاج الشيعة، وقال مدير الشركة ناصر قيدبان، في تصريح لوسائل إعلام محلية عام 2017، إن "حصرية استقدام المجموعات السياحية الدينية بمؤسّسة سياحية وطنية، سيحسّن من مستوى الخدمة المقدمة، ويساعد على توجيهها في الاتجاهات الصحيحة بعيداً عن الفوضوية".
في نهاية العام نفسه، قال وزير السياحة بشر يازجي حينئذ، إن عائدات السياحة الدينية إلى سوريا ارتفعت عام 2017، بمعدل ثلاثة أضعاف عن العام السابق، وأن الشركة السورية للنقل والسياحة حققت عائدات بقيمة 150 مليون ليرة سورية، في حين لم يتعد الرقم 50 مليون ليرة عام 2016.