فتح اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحماس الشيخ صالح العاروري مساء أمس الأمور على مصراعيها، ليصبح الإعلان الأكبر عن توجه رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو إلى إعلان الحرب على لبنان من خلال الاعتراف باستهداف سلاح الطيران لمنطقة الضاحية الجنوبية في بيروت للمرة الأولى منذ حرب تموز 2006.
والعين الآن على رد الحزب الذي يرجح ألا يكون أقل من استهداف تل أبيب بناء على معادلة بيروت مقابل تل أبيب التي وضعها الحزب ولم تنفذ حتى اللحظة.
وكانت قد توالت الأحداث في الأيّام الأخيرة، في ظل ارتفاع منسوب التصعيد على الحدود الجنوبية بين الجيش الإسرائيليّ والحزب، فيما لم يكن الحزام الناري الذي شنته طائرات الاحتلال الإسرائيليّ على كفركلا ومارون الرّاس أولها، ولن يكون آخرها.
أحداث سبقت الاغتيال
وقبيل عملية اغتيال العاروري بأيام قليلة، شهدت المنطقة حدوث أمرين بالغي الأهمية في إطار تداعيات الحرب المفتوحة في قطاع غزة، وهي الإعلان عن انسحاب حاملة الطّائرات الأميركيّة "جيرالد فورد" من البحر الأبيض المُتوسّط، إعلان طهران عن وصولَ المدمرة "البرز" المزودة بصواريخ كروز بعيدة المدى، إلى مياه البحر الأحمر واستقرارها قُربَ "باب المندب"، حيث تحشد واشنطن تحالفا دوليا لوقف عمليّات الحوثيين هُناك.
بالمقابل تتدحرَج الأحداث بسرعةٍ في ظل النقاشات الجارية في كواليس الدّبلوماسيّة المصريّة والقطريّة التي تُحاول وقف حرب قبل أن تستعرَ في المنطقة برمّتها. ولا يزال طرفا الحرب "حماس" و"إسرائيل" يتمسكان بمطالب مُتبادلة أقل ما يُمكن وصفها به هو أنّها "هزيمة مُدوّية" للطّرف الذي يقبل بها، مع فشل الجيش والمخابرات الإسرائيلية في تحقيق أي أهداف قابلة للترجمة على الأرض ترضي غرور شركاء نتنياهو في اليمين الفاشي.
وبحسب المعلومات التي حصل عليها "تلفزيون سوريا" فإن آخر فصول المفاوضات كان إرسال رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار لائحة مطالب لاقت رفضاً إسرائيليّاً، طالب السّنوار بتفاوض من 3 مراحل:
- في المرحلة الأولى، تنسحبُ القوّات الإسرائيليّة من محاور التوغّل في غزة مُقابل إطلاق الحركة سراح 40 من الأسرى الإسرائيليين (بقية النّساء ، والرّجال فوق سنّ الـ60 ممّن يُعانون من أوضاع صحّيّة دقيقة).
- في المرحلة الثّانية، إطلاق مفاوضات تبادل للأسرى العسكريين والمجندين مُقابل "تصفير السّجون الإسرائيليّة". من الأسرى وضمانة بعدم إعادة اعتقالهم مجدداً بضمانات دولية وإقليمية تشرف عليها مصر وقطر.
- وفي المرحلة الثّالثة سيكون عنوانها تثبيت وقف دائم لإطلاق النّار، والذهاب لحوار حول شكل الحكم في قطاع غزة ومشاركة القوى في الفلسطينية في حكومة وحدة الوطنية المحتملة.
وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن رئيس الموساد الإسرائيلي ديفيد برنياع ناقش عرض السّنوار الذي قدمه عبر المصريين والقطريين مع "مجلس وزراء الحرب" الذي رفضَ المطالب، وبحسب المصادر فإن المفاوض المصري والقطري يعتقد أن المُفاوضات لا تزال جارية وإن رفضَت تل أبيب هذه المطالب، ولو بحركة بطيئة وبصعوبة، وأنّ الأيّام المُقبلة ستشهد عروضاً متبادلة من تل أبيب وحماس، وقد تصل إلى أرضيّة مُشتركة يُمكن البناء عليها لوقف الحرب في أسرع وقتٍ ممكن، ومحاولة منع الحرب من التمدد في الشرق الاوسط.
اغتيال العاروري: صراع بايدن - نتنياهو
لكن ما الذي يحصلُ في الإقليم؟ وهل باتَ لبنان وسوريا في عينِ عاصفة نتنياهو، ومن هذا المنطلق لا بد من العودة إلى الاتصال الأخير بين الرّئيس الأميركيّ جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو.
حيث نقلَ موقع "أكسيوس" المُقرّب من دوائر الأمن القوميّ الأميركيّ أن الاتصال كانَ عاصفاً، وكانَ الخلاف بين الجانبيْن حول "اليوم التّالي" للحرب، وحول اعتراض بايدن على رفض نتنياهو تحويل عائدات الضّرائب للسّلطة الفلسطينيّة، لذا فإن تباعد الرّؤى بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي المأزوم بالحرب، دفعَ الأول لقطع المُكالمة قائلاً: "انتهَت المُحادثة"، في خطوة غير مسبوقة بين صانعَيْ القرار في واشنطن وتل أبيب.
لكنّ سبباً آخر لم يُعلَن كان نقطة خلاف كبيرة بين الجانبيْن، وخاصة أن لبنان كانَ حاضراً في الاتصال، وكان نتنياهو مصراً على ضرورة "توجيه ضربةٍ مشتركة أميركية - إسرائيلية لحزب الله في لبنان" - في حين كان بايدن واضحاً بأن إدارته لا تزال على موقفها الرّافض لتوسيع نطاق الحرب وجرّها نحوَ مواجهة مباشرة مع إيران.
من هذا المنطلق وأمام التشدد في الموقف الأميركي تجاه عدم توسع الحرب، يعتبر المصدر الدبلوماسي أن اغتيال العاروري إضافة إلى أنه في بنك أهداف إسرائيل لتصفية قادة حماس في الخارج وعلى رأسهم العاروري والذي يعتبر "مهندس قوة حماس" فإن أبرز الرسائل الإسرائيلية موجهة لبايدن وجره للتموضع خلف الخيارات الحربية لإسرائيل.
جهود دولية لمنع الانزلاق
وبحسب المعلومات أنه وعقب اغتيال صالح العاروري تحركت كل الاتصالات الدولية والإقليمية خوفاً من انزلاق الأمور نحو حرب مفتوحة، وتشير مصادر حكومية لبنانية إلى أن المسؤولين في لبنان تلقوا اتصالات من مسؤولين في دوائر سياسية واستخبارية في الولايات المتحدة وفرنسا ومصر، داعية لعدم السماح لنتنياهو بجر لبنان إلى حرب ستكون تكاليفها باهظة.
والاغتيال الذي جرى بعد ساعات على مغادرة وزير الجيش الفرنسي سيباستيان لوكورنو، استبق زيارات محتملة للمبعوثيْن الرّئاسيَّيْن الأميركيّ آموس هوكستين، والفرنسي جان إيف لودريان، إضافة لزيارة مرتقبة لرئيس جهاز المخابرات المصرية اللواء عباس كامل والموفد القطري جاسم آل ثاني بهدف تثبيت الهدوء ودفع العملية السياسية.
وسيحاول الموفدون الذين لم يحددوا مواعيد زيارتهم للبنان، سحب فتيل التوتّر في جنوب لبنان. ويحمل الموفد الأميركيّ في جعبته عرضاً حول ترسيم الحدود البرّيّة وانسحاب إسرائيل من القسم الشّمالي لبلدة الغجر، وتثبيت لبنان نقطة الـB1 في رأس الناقورة، وباعتقاده أنه قد يدفع "الحزب" للانسحابِ من معركة غزّة.
أمّا الموفد الفرنسيّ فمن المرجّح أن يحملَ عرضاً سياسيّاً للحزبِ، بالتنسيق مع الأميركيين، لم تتّضح ماهيّة العرض الفرنسيّ، على عكس الأميركي، ومن المتوقع أن يجري الطلب من "حزب الله" تسمية مرشح مقرب من "الحزب" خارج أسماء سليمان فرنجية وجوزيف عون والتلاقي على اسم المدير العام للأمن العام اللواء الياس بيسري.
لكنّ نائب الأمين العامّ للحزب نعيم قاسم استبق العرضيْن قبل يوميْن وقال: "إسرائيل تطرح طروحات عديدة تتعلّق بشمال فلسطين وجنوب لبنان لتقوم بأداء يساعد على عودة المستوطنين إلى الشمال بشكل آمن، وأن يبعدوا "الحزب" عن الجنوب حتى يَطمئِنّوا.
مخاوف من الانفجار؟
من هذا المنطلق يعتقد المصدر الحكومي اللبناني أن هناك مخاوف جدية من أن تكرّ سُبْحة الاغتيالات في مرحلة الفشل العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة والاندفاع الى خطوات متهورة أخرى بهدف محاولة الخروج بمكاسب عسكرية وأمنية، إن كان لجهة السعي للسيطرة على الخط الحدودي بين غزة ومصر أو تسويق مخطط تهجير القسم الأكبر من سكان غزة إلى دول عربية وأوروبية.
لكن وفقاً للمصدر فإنه من غير المرجح أن تؤدي عملية اغتيال العاروري في ذاتها إلى انعكاسات سلبية مباشرة على الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل ربما يمكن القول إنها ستؤجج روح المقاومة ضد اسرائيل، شعبياً وعسكرياً، وقد تؤدي إلى مزيد من العوائق أمام المفاوضات غير المباشرة حول تبادل الأسرى والمحتجزين.
ووفقاً للمصدر فإنه من المهم جداً أن نراقب انعكاس عملية الاغتيال على مسار الجبهة في الجنوب اللبناني، حيث سيتحفز "حزب الله" لرفع سقف الردع، بعد التجاوزات الإسرائيلية الأخيرة، عسكرياً وأمنياً. والملاحظ أن "حزب الله" أكد في بيانه أن "هذه الجريمة لن تمر من دون رد وعقاب، وأن هذا اليوم المشهود له ما بعده من أيام"، تاركاً الأمور مفتوحة على تطورات غير واضحة المعالم، لكنها وفقاً للمصدر قد تكون بوابة لتحصيل أثمان في السياسة والميدان أكبر للحزب عبر ملف الرئاسة والغاز والترسيم البري.