تشهد مدارس "حكومية" تابعة للنظام السوري شحّاً في الكادر التدريسي، بعد أسبوعين من بداية العام الدراسي، ما دفع بعض إدارات تلك المدارس بنشر إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي تطلب فيها مدرّسين، منها مجموعة مدرسة "حسان بن ثابت" للتعليم الأساسي في دمشق.
ونشر أحد الكوادر في المدرسة منشوراً جاء فيه: "يوجد لدينا نقص في مدرسين بعض المواد من اختصاصات الفيزياء والاجتماعيات والعربي والإنكليزي والفرنسي والديانة، مَن يودّ التدريس لدينا في المدرسة ضمن هذه الاختصاصات حتى لو كان طالب جامعة من نفس الاختصاص ولم يتخرج بعد فليتواصل".
المنشور أعلاه، يُشير إلى مشكلة كبيرة تعاني منها جميع مدارس دمشق "الحكومية" تقريباً، حيث تعاني المدارس من قدرتها على تأمين مدرّسين اختصاصيين.
وتقول "أم عمار" إنّ ابنتها في الصف الرابع ومنذ بدء الدوام المدرسي قبل أسبوعين إلى اليوم، مدرستها من دون معلمات إنكليزي، مضيفةً أنّ "مستوى المعلمة التي تدرّس باقي المواد سيئ أيضاً".
فضّلت "أم عمار" عدم ذكر اسم المدرسة، نتيجة كثرة شكواها حول القضية ودون جدوى، وأنّ الإجابة التي كانت تأتيها دائماً "كل مدارس سوريا نفس الشي".
كذلك ضمن مجموعة "آنسات وأساتذة خصوصي في دمشق" على "فيس بوك"، وضعت إحداهن إعلاناً تقول فيه: "إعدادية زيد بن ثابت الأنصاري بحاجة إلى مدرس/ة لغة فرنسية 22 حصة"، وهي مدرسة عامة في تنظيم كفرسوسة.
وفي منشور آخر كتبت أخرى: "مدرسة بباب مصلى تجارة اسمها شادي كريدي يوجد لديها شواغر آنسات تجاري وآنسة إنكليزي لصف العاشر يلي بحب يعمل زيارة للمدرسة"، وفي التعليقات علّقت إحداهن "يلي بدو في مدرسة حكومية بالقنوات بدها آنسة علوم تامن وتاسع".
اقرأ أيضاً.. أزمة كتب ومعلمين.. موت سريري في المدارس الحكومية السورية
وأشار مدرّس في إحدى مدارس دمشق لـ موقع تلفزيون سوريا، إلى أنّ "العمل في التدريس بات غير مجد، خاصةً للمعلمين من ذوي الخبرة القادرين على تحقيق مردود مادي عالٍ جداً من المدارس الخاصة والدروس الخصوصية بينما راتبه في القطاع الحكومي لا يكفيه إيجارات للمواصلات".
وأضاف "هناك كثير من المدرسين الذين سافروا خارج سوريا، وآخرين غيّروا مهنتهم تماماً إلى سائقي تكاسي أو بائعين ضمن محال للغذائيات، ومنهم من استمر في القطاع الخاص".
يتحدّث المدرّس عن بيئة العمل الصعبة في القطاع "الحكومي" دون أي مردود مقبول، قائلاً: "لا تدفئة في الشتاء، ولا كهرباء، وهناك صعوبة في توصيل المعلومة لأكثر من 50 طالباً في الصف، والمردود الشهري ضعيف جداً ومن المعيب تسميته براتب، يضاف إلى ذلك التشديد والتهديد ومنعنا من الاستقالة، كل ذلك يدفع المدرّس إلى ترك السلك التعليمي بغض النظر عن العواقب وأي مساءلة فالمهم هو لقمة العيش".
"عواقب على جيل بكامله"
صحيح أن المدرّس قد لا تهمّه العواقب، لكن العائلات بدأت تشعر بالمشكلة فعلاً، تقول سهام ولديها طفلة في الصف الثالث، إنّ "المعلمة التي تدرّس ابنتها اللغة العربية ومواد أخرى، تخطئ بالإملاء وبالحساب، وعندما زرت المدرسة لأشتكي التقيت بها، وإذ بها بالكاد عمرها 20 عاماً وتدرّس في كلية الإعلام، وقد اضطرت المدرسة للتعاقد معها نتيجة نقص الكوادر".
اقرأ أيضاً.. "المدارس الحكومية" تلجأ إلى التبرعات لمواصلة التعليم في السويداء
في اللغة الإنكليزية والفرنسية، أيضاً اضطرت بعض المدراس للتعاقد مع طلاب جامعات ومعاهد من اختصاصات مختلفة غير متخرّجين حتى، وهؤلاء ينقلون معلومات خاطئة للطلاب، ما يهدّد مستقبلهم، تؤكّد سهام - وهي مهندسة معلوماتية - قائلةً: "ربما لو لم أكن متعلمة ولغتي جيدة، لكانت ابنتي في خبر كان، وأنا أخشى على الجيل الذي يتربى حالياً على الخطأ، حيث سنرى جيلاً لا يستطيع الكتابة بلغته الأم بشكل سليم ويمتلك معلومات خاطئة حول كل شيء".
مدارس في #دمشق وغيرها تشتكي من نقص الكوادر التعليمية
— تلفزيون سوريا (@syr_television) September 22, 2023
تقرير: مريم محمد
ُ #تلفزيون_سوريا #لم_الشمل pic.twitter.com/yEitElEkFv
أسباب النقص باختصار
يختصر مدير إحدى المدارس أسباب النقص بمدرّسي الاختصاص، بالراتب القليل جداً غير الكافي للمواصلات، واستقطاب المعاهد والمدارس الخاصة للمدرّسين الأكفاء، ورغبة بعض المدرسين بالعمل لحسابهم الخاص عبر إعطاء دروس خصوصية، إضافةً إلى الهجرة والخدمة العسكرية الطويلة سواء إلزامية أو احتياطية.
ويضيف أنّ الاعتماد على مدرّسين صغار في السن وغير مؤهلين لتدريس مواد تخصّصية، جاء نتيجة عدم وجود رغبة من قبل المدرّسين ذوي الخبرة بالعمل في القطاع العام مقابل سعي صغار السن للبحث عن أي مورد مالي، خاصةً الإناث.
يقول المدير إنّ المدرّسين يتركون العمل نهائياً مستغنين عن راتب التقاعد والتأمين الصحي نتيجة عدم جدواها بالنسبة إليهم، بينما "الحكومة" لم تسع لحل المشكلة إلى اليوم، بل أجّلتها كما أوقفت الاستقالات إلا لِمَن لديه 30 عاماً في الخدمة.
اقرأ أيضاً.. بعد رفضها استقالات المعلمين.. تربية النظام السوري تدعو لـ"التخفيف" على الطلاب
-
واقع التعليم والمدارس في سوريا
تشهد العملية التربوية في مناطق سيطرة النظام السوري تدهوراً كبيراً في جميع مراحلها، سواء من ناحية المناهج، وتوفير متطلباتها، أو من ناحية ارتفاع معدلات التسرب من المدارس، بسبب انعدام الأمن والفقر، في ظل انهيار الليرة السورية وتدهور الأوضاع المعيشية.
كذلك أشار تقرير سابق صادر عن "يونيسيف"، إلى تعرّض نحو 40% من البنية التحتية للمدارس في سوريا للضرر أو للدمار في أثناء الحرب، وبات أكثر من ثلث الأطفال السوريين خارج المدرسة، وأن طفلاً واحداً من بين ثمانية في كل صف دراسي يحتاج إلى دعم نفسي واجتماعي مختصّ لتحقيق التعلّم الفعال.