توصل الائتلاف الوطني السوري لاتفاق مع رئاسة الهجرة التركية، لنقل عشرات السوريين المرحّلين من تركيا، حيث مكان وجودهم في مدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي، إلى مدينة اعزاز شمالي حلب، وذلك مروراً بالأراضي التركية.
وتخضع كلتا المدينتين لسيطرة الجيش الوطني السوري، إلا أن مدينة تل أبيض، أو منطقة عملية "نبع السلام" شرق الفرات، معزولة عن بقية مناطق سيطرة المعارضة غرب الفرات، ما يعني صعوبة وصول المرحّلين إلى إدلب أو ريف حلب، سوى عن طرق التهريب الخطرة ومرتفعة الثمن.
وعانى عشرات المرحّلين من تركيا إلى الأراضي السورية من مسألة حصر خيارات الترحيل بمدينة تل أبيض فقط، خاصة أن معظمهم ينحدر من إدلب ومناطق ريف حلب الشمالي، ما يزيد من معاناتهم بالوصول إلى مكان وجود أقاربهم، خاصة أنه يتعين عليهم دفع مئات الدولارات لمهربي البشر، لنقلهم من تل أبيض إلى ريف حلب مروراً بمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
نقل عشرات المرحّلين من تل أبيض
وأفاد مصدر خاص لموقع تلفزيون سوريا، أن وفداً من الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري، يترأسه عضو الائتلاف نذير الحكيم، زار مدينة تل أبيض يوم الخميس الماضي، والتقى ببعض المرحلين من تركيا، واستفسر عن ظروف وأسباب الترحيل.
وأضاف المصدر أن وفد الائتلاف وعد بإعادة أربعة من المرحّلين إلى الأراضي التركية، بعد التأكد من أن أوراقهم قانونية، ويحملون بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) من ذات الولاية التي يعيشون فيها، إضافة لأن بعضهم يعاني من أمراض ويخضع للعلاج.
واشتكى عشرات الشبان لوفد الائتلاف من ترحيلهم إلى مدينة تل أبيض حصراً، علماً أنها منطقة منفصلة جغرافياً عن المناطق التي ينحدرون منها، في محافظة إدلب وريفها، وريف حلب الشمالي والشرقي، بحكم الواقع العسكري.
ووعد الوفد بتسهيل إجراءات نقلهم إلى ريف حلب مروراً بالأراضي التركية، وعلى إثر ذلك طلب الجانب التركي من المجلس المحلي في تل أبيض تسجيل أسماء الراغبين بالانتقال إلى منطقة شمالي حلب، وتتراوح أعدادهم بين 80 و93 شخصاً.
انطلاق الدفعة الأولى
انطلقت الدفعة الأولى من المرحّلين في الساعة الثانية بعد منتصف الليلة الماضية، ومن المتوقع أن تصل إلى معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا تمهيداً للدخول إلى مدينة اعزاز.
ووفق المصادر، فإن هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH) ستتكفل بتأمين مستلزمات هؤلاء الأشخاص لمدة أسبوع بعد وصولهم إلى اعزاز، ويشمل ذلك الإقامة والطعام والشراب واللباس.
وربما يكون هناك دفعة أخرى في قادم الأيام، من دون تحديد موعد معيّن، خاصة أن الجانب التركي وعد بالسماح للمرحلين في الفترة المقبلة باختيار البوابة الحدودية التي يرغبون من خلالها بالدخول إلى سوريا.
معاناة مضاعفة
يشكّل الترحيل من تركيا بحد ذاته معاناة كبيرة للسوريين، وستكون المعاناة مضاعفة إذا كانت وجهة هؤلاء الأشخاص منطقة تل أبيض، المعزولة جغرافياً عن بقية مناطق سيطرة المعارضة، ما يعني أنهم سيضطرون لدفع المال وتحمل مخاطر طرق التهريب للوصول إلى الضفة الأخرى من مناطق سيطرة المعارضة غرب الفرات.
وفي وقت سابق أطلق المرحّلون إلى مدينة تل أبيض، نداءات استغاثة للمنظمات الإنسانية والمدنية والجمعيات الخيرية العاملة في الشمال السوري، لافتتاح مراكز لإيواء المرحّلين المشردين في شوارع المدينة، وتجهيزها بأبسط مقومات الحياة، وهو ما تم العمل عليه في وقت لاحق.
كذلك تحدث موقع "ميدل إيست آي" في تقرير مطول عن واقع المرحّلين إلى تل أبيض، وكيف أنهم يفتقدون المأوى وظروف المعيشة، كون الوجهة التي نقلتهم إليها السلطات التركية محاصرة وبعيدة عن موطنهم الأصلي.
وذكر التقرير أن المرحلين عالقون داخل "منطقة آمنة" مغلقة تمتد عبر محافظتي الرقة والحسكة، ويسيطر عليها الجيش الوطني السوري، حيث إن جميع طرق الخروج من المنطقة مغلقة، إلا عبر المهربين.
وفي السياق، أوضح مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، أن الشبكة تلقت أيضاً تقارير عن أشخاص في تل أبيض دفعوا ما بين 400 و500 دولار للمهربين من أجل الوصول إلى مناطق أخرى في شمالي سوريا.
ولفت عبد الغني للموقع نفسه، إلى أن هناك خطرا جسيما يتمثل في تعريض حياة الأشخاص للخطر، سواء حاولوا الذهاب إلى مناطق أخرى في شمالي سوريا، أو إذا حاولوا دخول تركيا مرة أخرى عبر طرق غير نظامية.
وخلال شهر تموز الماضي، رحّلت السلطات التركية 1838 شخصاً من تركيا إلى منطقة تل أبيض، فضلاً عن آلاف آخرين تم ترحيلهم عبر المعابر الحدودية الأخرى.
الترحيل من تركيا
تصاعدت عمليات ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا إلى مناطق الشمال السوري خلال الأسابيع الماضية، ليبلغ عدد المرحّلين يومياً عبر المنافذ الحدودية نحو 100 شخص.
ويأتي ذلك في وقت يؤكد فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده ستتخذ خطوات إضافية لمنع الهجرة غير النظامية، وأن المواطنين الأتراك سيشعرون بالتغييرات الواضحة في قضية المهاجرين غير الشرعيين خلال وقت قصير.
وسبق أن ذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش'' أن السلطات التركية رحلت بشكل تعسفي مئات الرجال والفتيان السوريين اللاجئين إلى سوريا، وهذا يمثّل "نقيضاً صارخاً لسجل تركيا السخي كدولة استضافت عدداً من اللاجئين أكثر من أي دولة أخرى في العالم وقرابة أربعة أضعاف ما استضافه الاتحاد الأوروبي، والذي قدم مقابله الاتحاد الأوروبي مليارات الدولارات لتمويل الدعم الإنساني وإدارة الهجرة".
من جانبها نفت رئاسة الهجرة التركية ما نشرته المنظمة حول اعتقال واحتجاز وترحيل مئات اللاجئين السوريين إلى سوريا تعسفياً، حيث قالت إن ما ورد في تقرير المنظمة من ادعاءات بأن "السلطات التركية اعتقلت واحتجزت تعسفياً ورحّلت مئات الرجال والفتيان السوريين اللاجئين إلى سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية، عارٍ عن الصحة".
الجدير بالذكر أن تركيا شهدت خلال الأسابيع الماضية حملة أمنية واسعة خصوصاً في ولايتي إسطنبول وأنقرة، تم خلالها اعتقال المخالفين من حملة الكيملك من اللاجئين السوريين أو الذين ليس لديهم بطاقة الحماية المؤقتة، وترحيلهم إلى مناطق شمالي سوريا، وهذا ما أثار ردود فعل سلبية من المنظمات الدولية والحقوقية، التي حذرت من خطورة إعادة اللاجئين إلى بلد غير آمن.