icon
التغطية الحية

بأساليب وحيل مختلفة.. التسول يواصل انتشاره في دمشق

2023.09.24 | 12:01 دمشق

آخر تحديث: 24.09.2023 | 12:47 دمشق

متسولة قرب شارع الثورة بدمشق ـ فيس بوك (عدسة شاب دمشقي)
متسولة قرب شارع الثورة بدمشق ـ فيس بوك (عدسة شاب دمشقي)
دمشق ـ فتحي أبو سهيل
+A
حجم الخط
-A

"في الباص أو السرفيس، ماشياً على الأقدام أو راكباً سيارتك، تقود دراجة نارية أو هوائية، لا فرق فقد يظهر لك المتسولون في أي مكان لا تتوقعه، حتى في حمامات المولات"، هكذا يصف مرهف الطالب الجامعي في كلية الآداب بدمشق، انتشار التسول بدمشق، مشيراً إلى أن المتسولين يقتحمون حتى مدرجات الكلية.

لا تنفك الأمم المتحدة عن التحذير من التدني المعيشي الذي وصلت إليه أحوال السوريين، إذ أكدت مؤخراً مرة أخرى على لسان منسق الشؤون الإنسانية فيها مارتن غريفيث أن "الأزمة في سوريا دفعت نحو 90% من سكانها إلى ما دون خط الفقر"، وأشارت قبلها إلى أن 15.3 مليون شخص (ما يقرب من 70٪ من السكان) بحاجة إلى مساعدات إنسانية.

تسول مقنّع في دمشق

نتيجة تدني الرواتب، وقلة فرص العمل، والتضخم الحاصل بالأسعار، تتجه نسبة كبيرة من السوريين للتسول، وليس بالضرورة أن يكون التسول علنياً، بل يمكن أن يكون مقنعاً، وفقاً لخبير اجتماعي (طلب عدم ذكر هويته) قال لموقع تلفزيون سوريا إن "هناك أشخاصاً يعملون صباحاً في أعمالهم المعتادة كالوظائف الرسمية، ومساء يمتهنون التسول المقنع الذي يدر عليهم مالاً في اليوم يساوي راتبهم الشهري في الوظيفة".

وعن التسول المقنع، أضاف "يمكن أن ترى رجلاً يتجول ويبيع نوعاً واحداً رخيصاً من البسكويت، ويلحق بك طالباً منك أن تجابره بعبارة (جابرنا الله يجبر عنك) مثلاً، ولو حاولت أن تشتري وسألت ما سعر البسكويتة سيقول لك: شو بيطلع من خاطرك. هنا يحاول هذا الشخص أن يحفظ ماء وجهه بتغيير جمل وأسلوب التسول التقليدي لكنه في النهاية يطلب المال كشفقة"، ويتابع "يمكن أن ترى بائع ورد يتبعك ويطلب منك أن تجبر عنه أيضاً، أو بائع علكة أو بائع معه علبتا محارم".

يجزم الخبير أن ما يقوم به هؤلاء هو تسول، لأن مربح علبة البسكويت كاملةً أو علبتي المحارم التي يحملها الشاب، كلها لا تصل إلى سعر سندويشة فلافل". بعيداً عن التسول ببيع السلع، هناك التسول بتقديم الخدمات، كأن تكون ماشياً في السوق فينكب عليك أحدهم ليحمل عنك الأغراض إلى وجهتك، أو أن تكون متوقفاً عند إشارة المرور فيرمي طفل الماء والصابون على الزجاج ويبدأ بالمسح. تلك التصرفات تندرج أيضاً تحت بند التسول المقنع وفقاً للخبير الذي لا ينكر بنفس الوقت حاجة هؤلاء الماسة للمال وأن الظروف هي من جبرتهم على ذلك، ويؤكد على أن هذا التصرف هو ملجؤهم الأخير لكسب الرزق.

لا تزال طرق التسول التقليدية موجودة، وهي الأكثر انتشاراً وغالباً الممتهنين يندرجون تحتها، إذ يكاد الشخص غير قادر على الوقوف بعض الوقت في مكان عام من دون أن يصادف عدداً منهم كأن ترى مجموعة من الأطفال القصّر بحالة مزرية ينتشرون بين الناس ويشدونهم من ملابسهم طالبين العون، أو امرأة على الرصيف مع رضيع تصرخ وتطلب الرحمة، أو يظهر لك شخص قطعت به السبل فجأة وهو بحاجة إلى 5 آلاف ليرجع إلى بيته البعيد.

تجارب مع المتسولين

يقص وائل 37 عاماً إحدى القصص التي حدثت معه ويراها طريفة ومؤلمة في ذات الوقت مع أحد الممتهنين، إذ كان يشتري فروج بروستد من أحد المحال المعروفة بدمشق، وهنا بادره متسول طالباً بعض المال ليستطيع أن يؤمن طعاماً لابنه الصغير وزوجته الحامل، يقول وائل "شعرت أني مذنب في حال لم أعطه بعض المال كوني أقف لأشتري طعاماً قد يعجز عنه كثير من الناس، فأعطيته 5 آلاف ليرة".

بقي المتسول يطلب من الواقفين على دور الانتظار منهم من أعطاه ومنهم من لم يعره اهتماماً، ثم ذهب. يضيف وائل "بعد أن اشتريت وجبة الغداء، اتجهت لشراء بعض الحاجيات الأخرى في حي آخر، ووقفت عند بائع الألبان والأجبان، فنكزني شخص تبين أنه المتسول ذاته الذي طلب منذ نحو نصف ساعة بعض المال ليؤمن طعاماً لعائلته، وجمع حينذاك من الواقفين أكثر من 40 ألف ليرة، لكنه تبين أنه يتعمد من يشترون الطعام ليثير شفقتهم."

يضيف "طلب مني مجدداً المال لنفس السبب واضطررت لإعطائه ألفي ليرة وأنا أعلم أنه جمع ثمن الفروج خلال أقل من ساعة وأنا لا أستطيع شراءه إلا في الشهر مرة".

أفضل المصادر تأميناً لقوت اليوم

نسبة التسول باتت ملحوظة ومنتشرة جداً وهي حالياً أكثر المصادر التي يمكن أن تؤمن ما يكفي قوت اليوم لأي عائلة، بحسب غفران وهي ربة منزل زوجها متقاعد وتعيش معه بـ150 دولارا يرسلها ابنها شهرياً من ألمانيا، وتقول "شاهدت بأم عيني متسولة تجلس من الصباح إلى المساء على الرصيف في شارع الثورة، وهي تركب سرفيساً نحو برزة ومعها كميات من الخضر والفواكه والمعلبات لا أستطيع أن أشتريها لمنزلي".

وتابعت "لا أنكر أن هناك من هو محتاج لكن هناك من اتخذها مهنة. في إحدى المرات مثلاً تسولت إحدى النساء رغيف خبز مني قرب الأفران، وهذا يثبت أنها محتاجة فعلاً، فمن يتسول رغيف الخبز؟ ثم  شاهدتها تجمع أرغفة الخبز من الناس لتبيعها ربطات جاهزة للمارة، لكن بالتأكيد هذه المرأة لا تملك رأس مال كافياً لتشتري من الفرن 10 ربطات مثلاً وتعمل على بيعها، فهي محتاجة وتطلب المستطاع فقط".

 قال قاضي التحقيق الثاني بدمشق محمد خربوطلي لمجلة المجلة مؤخراً، إن "99% من المتسولين غير محتاجين، وأي متسول يتم القبض عليه ويستطيع تحصيل قوت يومه بنفسه، يتم حبسه لمدة تتراوح بين 3 أشهر وسنة، بالإضافة إلى دفع غرامة مالية تتراوح بين 10 و25 ألف ليرة سورية، إلا أن القانون رقم (15) عام 2022 شدد الغرامات على المتسولين حيث ارتفعت بشكل ملحوظ لتبدأ من 100 ألف وتصل إلى 500 ألف ليرة سورية، وفي حال لجأ المتسول للتهديد، أو الشتم، أو الضرب، أو تظاهر بوجود عاهة لديه، تشدد العقوبة وقد تصل للحبس 3 سنوات"، وتابع "نسبة المتسولين من الموقوفين يومياً تبلغ 10%".