استؤنفت اليوم الأحد جلسات اليوم الثاني من الدورة الثالثة لـ "مؤتمر الباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية"، الذي ينظّمه مركز حرمون للدراسات المعاصرة والجمعية السورية للعلوم الاجتماعية بالاشتراك مع مجلة قلمون "المجلة السورية للعلوم الإنسانية" في مدينة إسطنبول، بين الـ29 من نيسان والأول من أيار .
الجلسة الأولى
أولى جلسات اليوم الثاني من المؤتمر أدارتها ماسة الموصلي، وناقشت محور: "أفق التسوية السياسية وفق مضامين القانون الدولي" عبر 4 ورقات بحثية. الورقة الأولى قدمها نائل جرجس، بعنوان: "العدالة الانتقالية والتسوية السياسية في سوريا وضع اسس لمعالجة قضية المفقودين".
وأكّد جرجس في ورقته على ضرورة تطبيق أركان العدالة الانتقالية في سوريا لتجاوز الانقسامات المجتمعية والتأسيس لدولة القانون ولسلام مستدام لا تتكرر فيه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتي من بينها فقدان الأشخاص. فقد شهدت سوريا تفشي ظاهرة الاختفاء القسري في ظلّ استمرار حكم الاستبداد، والانفلات الأمني والانتهاكات الممنهجة التي ارتكبتها أطراف النزاع.
وعالجت ورقة جرجس قضية مفقودي ومختفي سوريا في إطار التسوية السياسية للملف السوري والتي لا بدّ من تركيزها على أركان العدالة الانتقالية، مستندة بشكل خاص على عملية مراجعة ومسح لاتفاقات السلام والتسويات السياسية وكيفية أخذهم لقضية المفقودين بعين الاعتبار في محاولة لإسقاط ذلك على الوضع السوري مع إظهار أبرز التحديات والأمثلة الواجب الاحتذاء بها أو تجنبها.
أما الورقة البحثية الثانية فكانت من نصيب مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، وحملت عنوان: "الحرية الدينية والتعصب الديني في القانون الدولي".
سلطت ورقة عبد الغني الضوء على الأسباب الجذرية للتعصب الديني، وانعكاس ذلك على تقييد الحريات الدينية، وبالتالي انتشار النزاع والعنف والتطرف، ووضحت عدم فعالية آليات القانون الدولي الحالية في حماية الحرية الدينية وإيقاف أو تخفيف ظاهرة التعصب الديني، وأثر ذلك على انتشار الانتهاكات والجرائم باسم الدين. وطرحت الورقة حالة ميانمار كنموذج شاهد معاصر، لتقدّم في الختام توصيات علَّها تساهم في الخروج من هذه الحلقة المعقدة.
وبحسب عبد الغني، فإن هناك عوامل عديدة معقدة ومتداخلة مسؤولة عن انتشار ظاهرة التعصب الديني، من بينها خمسة عوامل هي المتسبب الأبرز: هشاشة النظام السياسي، التأويلات المتعصبة للأديان، التمييز على أساس الدين، زيادة القيود على الحرية الدينية وتداخلها مع مفهوم حرية الرأي والتعبير ومفهوم ازدراء الأديان، عدم فعالية آليات القانون الدولي في حماية حرية الاعتقاد.
وأدت العوامل الجوهرية السابقة، وفق البحث، إلى انتشار التعصب الديني بشكل واسع، وهو ما تسبب لاحقاً في ارتكاب أنواع مختلفة من انتهاكات حرية المعتقد، بل وتبرير الجرائم الفظيعة على أنها ترتكب دفاعاً عن الدين.
وقدّم عمر إدلبي الورقة البحثية الثالثة: "دور الولاية القضائية العالمية في مقاضاة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في سوريا"، التي طرح من خلالها موضوعاً لم يلق القدر الكافي من اهتمام الباحثين القانونيين العرب، وما استدعته ضرورات قيام الثورات العربية وما تبعها من ارتكاب انتهاكات وجرائم وحشية وأعمال إخفاء قسري من قبل أنظمة حاكمة وجماعات متطرفة أو مجموعات مسلحة، بحق المدنيين، كما حصل في سوريا، وسهولة إفلات المجرمين من العقاب أو عدم انعقاد الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية بسبب أن شروط انعقادها رهينة إرادة الدول التي غالباً ما تتسلح بذريعة عدم انضمامها إلى ميثاق روما، أو بحق الفيتو لتقويض الجهود الدولية المبذولة لإحالة المجرمين للمحاسبة والمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وأشارت الدراسة إلى أهمية ممارسة مبدأ الولاية القضائية العالمية في ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في سوريا وتحقيق لو جزء بسيط من العدالة للضحايا السوريين، عبر بحث الحلول والمقترحات التي يمكن من خلالها معالجة التحديات على نحو يقود إلى قيام نظام عدالة جنائية دولية فعال ويضع حل لإفلات مرتكبي الجرائم الدولية من العقاب. كما بيّنت الدور الهام للمنظمات الحقوقية السورية في هذا المجال مع ذكر بعض القضايا التي صدرت بها أحكام أو التي مازالت قائمة أمام المحاكم الوطنية في الدول الأوروبية.
وطرحت الورقة البحثية مجموعة من التوصيات الهادفة إلى تفعيل مبدأ الولاية القضائية العالمية وتكريسها لمبدأ العدالة المفقود في سوريا.
أما الورقة الرابعة، فكانت بعنوان: "الأضرار البيئية الناجمة عن النزاع المسلّح في ضوء القانون الدولي الإنساني: مقاربة تحليلية"، وقدمها فراس حاج يحيى الذي قال: قد يبدو للبعض أنه من الغريب البحث في القضايا البيئية الكارثية في سوريا بينما البلد ما تزال في طور الحرب والتشظي الاجتماعي، كذلك إشكاليات اللاجئين في الخارج والنازحين داخل سوريا ومئات آلاف المعتقلين والمفقودين والمدن المدمرة بأكملها تحت الأنقاض، وربما يكاد يكون من غير المناسب البحث عن البيئة حيث يوجد العديد من الأولويات الإنسانية الأكثر الحاحاً وضرورة للمدنيين السوريين.
وأوضح حاج يحيى أن سنوات الصراع في سوريا خلفت آثاراً بيئية خطيرة بسبب كثرة استخدام الأسلحة المتفجرة، والأضرار التي لحقت بمصافي تكرير النفط (وما ترتب على ذلك من تلوث التربة، وتلوث البيئة بصورة عامة، وما أعقب ذلك من الاعتماد على مصافي تكرير النفط المؤقتة التي تُسبب درجة عالية من التلوث)، وبسبب سوء إدارة النفايات والمياه، وخاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية.
فجاءت الدراسة للإجابة عن أسئلة من بينها: كيف يبدو الواقع البئي في سورية بعد سنوات من الحرب التدميرية المادية والمعنوية؟ وماهي الأضرار المباشرة على البيئة في سوريا التي نتجت عن الصراع المسلح؟ ولماذا يتوجب على جميع الجهات الفاعلة السورية والدولية أن يأخذوا البيئة كقضية محورية وخطيرة في الوقت الراهن وفي أي عملية للحل السياسي وإحلال السلام في المستقبل القريب والبعيد؟ وما موقع التشريعات السورية بين منظومة القوانين الدولية المعنية بالبيئة؟
استمرار فعاليات المؤتمر الثالث للباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية بـ #إسطنبول
— تلفزيون سوريا (@syr_television) April 30, 2023
تقرير: بهاء الحلبي @jabalybaraa#تلفزيون_سوريا pic.twitter.com/hmPVBow80c
المحاضرة العامة الأولى
عقب انتهاء الجلسة الأولى، أدار يوسف سلامة محاضرة اليوم الثاني من المؤتمر، والتي تحدّث فيها الكاتب ياسين الحاج الصالح عن حالة الإبادة الجماعية في سوريا، تحت عنوان: "سوريا ومفهوم الجينوسايد".
يرى الحاج الصالح أن مفهوم الإبادة أخذ يُدرج في كتابات سورية في السنوات الأخيرة دون أن يكون واضحاً كفاية ما المقصود به. فالمفردة العربية تعطي انطباعاً باستئصال تام أو واسع النطاق لمجموعة من البشر. وكان تعبير "أبيدوا عن بكرة أبيهم" قد أشيع في أطوار سابقة من الكتابة العربية.
وقال إن المرء يخشى اليوم من أن يكون الشيوع النسبي لدلالة "الإبادة" مجرد إدخال كلمة أخرى تفيد في الهجاء السياسي، دون أن تكون لها دلالة محددة تتجاوز إغلاظ القول في حق بنى سياسية نعارضها أو نكرهها، وهذا مسلك منتشر في تداولنا لكلمات كثيرة مثل: الدكتاتورية والشمولية والتسلطية، أو حتى الاستبداد والطغيان، دون اهتمام بدلالات محددة لهذه الدلالات. يتواتر اليوم وصف النظام الأسدي بالإبادي، والتعبير جديد لم يكن في التداول قبل ثلاث سنوات أو أربعة، دون أن يشرح مستخدموه ماذا يعنون به.
وجاءت المحاضرة لتسلّط الضوء على مفهوم (الجينوسايد)، الذي يرى الحاج صالح بأن ترجمته إلى العربية بعبارة: الإبادة الجماعية، "غير موفقة وهي مجرد حشو"، لأن مفردة الإبادة العربية تتضمن دلالة جمعية، وأهم من ذلك أن المقصود بالجينوسايد ليس تدمير مجموعة من البشر لا على التعيين، بل جماعة معرفة بهوية تميزها، فتكون الترجمة الأنسب الإبادة على الهوية، أو القتل الجمعي على الهوية، على حدّ وصفه.
الجلسة الثانية
وضمن محور "النسوية بين السرد والتمثيل في السياق السوري"، دارت أبحاث الجلسة الثانية بإدارة عزام القصير.
وقدمت نوال الحلح حرب ورقتها التي حملت عنوان "المرأة والحرب في السرد النسوي.. رواية الذين مسّهم السحر لروزا ياسين حسن نموذجاً"، أشارت فيه إلى أن كتابة الحرب وتمثيلها روائياً موضوع دقيق ومعقد، حيث أن التوفيق بين شغف القارئ بالحقيقة ورغبته بالغوص في المُتخَيَّل، يضع أمام الروائي تحديات شائكة.
بالإضافة لرواية روزا ياسين حسن، استعرضت الورقة تحليلاً لروايات سورية مكتوبة بالعربية أو بالفرنسية حول الموضوع السوري، مثل رواية مها حسن (Femmes d'Alep ) وروايتها (مترو حلب) ورواية عمر يوسف سليمان (Le Dernier Syrien )، ورواية (سرير على الجبهة) لمازن عرفة، ورواية (أيام في باب عمرو) لـ عبد الله مكسور.
وبيّنت الباحثة أن المظلومية التي يشعر بها السوريون تجعل المؤلفين يتمزقون بين محاولة الكشف عن حجم المجازر التي ارتكبت بحق السوريين، وبين ضرورة الاكتمال الفني لنصوصهم. ومن هنا يضطر عدد من المؤلفين إلى عنونة نصوصهم بعناوين مراوغة، مثل سردية، أو سيرة روائية أو شهادة، أو غيرها.
وحاولت الورقة البحثية الإجابة عن أسئلة، من بينها: كيف صوّر الروائيات والروائيون السوريون موضوع الحرب والثورة في نصوصهم السردية؟ ما هي التقنيات السردية التي تم توظيفها لتفعيل الحامل الفني في الرواية (التناص، التبئير، الفانتاستيك)؟ وكيف تم تقديم العلاقة بين المكان المرجعي والمكان الروائي في النصوص المدروسة؟ وكيف يمكن إيجاد تصالح ما بين الحقيقة والفن ضمن نص روائي يتناول الحرب؟
بعد ذلك، قدّمت سماح حكواتي ورقتها البحثية التي حملت عنوان: "استقبال النسوية في سوريا: اصطلاحاً"، لتحاول من خلالها الإضاءة على باكورة ظهور مصطلح "النسوية" في سوريا، ويركّز على استقبال هذا المصطلح، وتجليات هذا الاستقبال ممارسة وإجراء وتطبيقاً.
وافترضت الباحثة أن النسوية دخلت –كمصطلح- إلى ميدان الدرس السوري بطريق الترجمة في مضمار النقد النفسي للأدب، بوصف (النسوي) إحدى سمات الأدب وأدوات نقده، وليست الحركات النسائية السورية والنسوية الأولى إلا تطبيقات عفوية لمضمون اصطلاح النسوية العالمي سابقة لاستقبال الاصطلاح في سورية تاريخياً.
وحاولت الدراسة الإجابة عن تساؤلات من بينها: متى استقبلت سوريا مصطلح النسوية للمرة الأولى؟ وما طريق استقبال هذا المصطلح؟ ومن نقل هذا المصطلح إلى ميدان الدرس السوري؟ وما الحركات النسائية والنسوية السورية السابقة لاستقبال المصطلح؟ وهل يمكن أن نطلق على هذه الحركات اسم (نسوية)؟ وغيرها من التساؤلات.
وقدّمت هدى أبو نبّوت وهبة عز الدين الحجي، بحثاً مشتركاً بعنوان: "الصورة التمييزية في التراث الشفوي السوري"، ركّزتا فيه على معاناة المرأة السورية خلال مراحل مختلفة من حياتها، من الصور النمطية في المجتمع السوري الذي تحكمه الثقافة القيمية التقليدية.
ولفت البحث إلى أن التراث الشفوي في الثقافة الشعبية، له دور كبير في رسم الأدوار الجندرية لفئات المجتمع المختلفة ومن بينها النساء، وذلك لما للتراث من تقاطع وتمازج والتصاق بهوية الشعب ويعكس طريقة تفكيره وخلاصة تجاربه، وتتجسد من خلال الأمثال شعبية والقصص المروية والأغاني والأهازيج التراثية التي يستحضرها أفراده في كل مناسبة، لإثبات أو نفي أو تعزيز فكرة أو حادثة مماثلة في التاريخ للقياس عليها والاستئناس بها، ولا يكاد يمر يوم دون التدليل على حدث أو نفيه بالرجوع إليها.
وبالنظر للمثل القائل: "أهل أول ما تركوا شي ما قالوه"، تأخذ تلك الأمثال الشعبية شرعية ملزمة للجماعة بدون التفكير بمدى صحتها من خطئها أو إن كانت ما تزال قابلة للقياس على مجتمعنا الحالي، متجاهلين حركة الزمن وتطور العلاقات الإنسانية ومن ضمنها تغير دور المرأة ووعي النساء لحقوقها.
وبحسب البحث، فإن حصة الأمثال الشعبية الخاصة بالنساء في التراث الشفهي السوري غزيرة بالعدد، ولكنها متخمة بالرسائل السلبية التي تضع النساء في مرتبة أقل من الرجل في تكريس واضح للتمييز الجندري.
الجلسة الثالثة
وأدارت نور الهدى مراد الجلسة الثالثة التي تتطرق أبحاثها إلى "إشكالية الهوية في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي".
وقدّمت ماريانا الطباع بحثاً بعنوان: "واقع الصحافة السورية المستقلة في المرحلة 2000- 2010 ما بين معضلة شعارات الانفتاح وقمع الحريات"، قالت فيها إنه في عام 2000 عُقدت آمال كبيرة في سوريا على المستوى الشعبي وعلى مستوى النخب السياسية، على رئيس النظام السوري الجديد آنذاك (بشار الأسد)، والتي تجلى أبرزها في ربيع دمشق عام 2000 وإعلان دمشق عام 2005.
وأضافت أن المؤسسات الصحفية الناشئة، والأفراد، تطلّعوا لمناخ سياسي ومدني أكثر حرية وديمقراطية. وبالفعل، نشأت صحف ووسائط صحفية إعلامية تناولت موضوعات لم يكن من المتاح تناولها في الفترات السابقة، واتّسع هامش حرية الصحافة والإعلام إلى تغطية الموضوعات الاقتصادية والثقافية وحتى السياسية، إلى أن بدأت النخبة السياسية الجديدة (مع عناصر من الحرس القديم) بتأطير عمل المؤسسات الصحفية والإعلامية وإعادة رسم الحدود من جديد. تمثل ذلك التغيير والتحول في إغلاق جريدة "الدومري" وفرض رقابة أشد على مجلات شبابية وإنذارات، وجاء الأمر متسقاً مع الاعتقالات لسياسيين بارزين.
وحاول البحث فهم نشأة وتطور الكيانات الإعلامية في سوريا خلال تلك الفترة بشكل محدد وضمن شعارات الانفتاح والتطوير والتحديث. وفشل محاولة هذه الكيانات في التحوّل إلى كيانات إعلامية حرّة مستقلة تقوم بدورها كسلطة رابعة.
أما الورقة البحثية الثانية، فقدمها محمد عتيق وكانت بعنوان: "تبديل الشفرة وتحويل النص والهوية في وسائل التواصل الاجتماعي: اللاجئون على (facebook)". في حين استعرض محمد طاهر أوغلو بحثه المعنون بـ "السوريون في الإعلام التركي (صحيفتا جمهوريت ويني شفق نموذجاً)".
وركز طاهر أوغلو في بحثه على طبيعة التناول الإعلامي لقضايا السوريين اللاجئين في تركيا، وكيفية نقل خطاب السياسيين الأتراك حول هذا الموضوع، وطبيعة الخطاب الإعلامي الذي قد تنجم عنه مؤثرات تنعكس على أرض الواقع.
وبيّن أنه حين تركز بعض وسائل الإعلام على الجوانب السلبية في ملف السوريين في تركيا بطريقة أقرب للعنصرية؛ فإنها ستكون سبباً من جملة الأسباب التي تقف وراء أحداث الكراهية والتحريض ضد السوريين في تركيا، وفي المقابل حينما تعتمد بعض وسائل الإعلام في تركيا خطاباً معتدلاً أو متعاطفاً مع اللاجئين والسوريين بشكل خاص ويركز على الجوانب الإيجابية في هذا الخضم، فإنها ستكون عاملاً كذلك في تخفيف حدة الخطاب العنصري، ومواجهة الشائعات والمغالطات التي تتعمد بعض الأحزاب السياسية ترويجها.
ولشرح تلك الحالتين، طرح البحث نموذجين بارزين من بين عشرات الصحف والمواقع الإخبارية الإلكترونية في تركيا: صحيفة "جمهوريت" التي تمثل الإعلام المعارض لوجود السوريين، والذي يتبنى إلى حد كبير خطاب "حزب الشعب الجمهوري" ومن يسير معه على نفس النسق العنصري مثل حزب الجيد والنصر المعارضين. وصحيفة "يني شفق" كنموذج للإعلام الموالي لحكومة حزب "العدالة والتنمية"، والمتعاطف مع مسألة اللاجئين والسوريين بشكل خاص.
الجلسة الرابعة والأخيرة
واختُتمت جلسات اليوم الثاني من المؤتمر بجلسة غلب عليها الطابعين الفلسفي والأدبي، أدارها حسام السعد، وناقش فيها الباحثون المشاركون "إشكاليات التحليل في الفلسفة وعلم النفس واللغة".
أولى أبحاث الجلسة الأخيرة كانت لـ فايز القنطار الذي جاء بحثه تحت عنوان: "آفاق جديدة للعلوم الإنسانية: البيولوجيا وعلم النفس". تبعه ماهر مسعود الذي قدّم ورقة بعنوان: "الفلسفة ومفهوم اليسار.. نحو فلسفة أنتي- ماركسية لليسار"، ناقش من خلالها فكرة أنه لا يمكن خلق يسار جديد بدون خلق فلسفة جديدة لليسار؛ فلسفة سمّاها (آنتي- ماركسية)، تقوّض الفهم الماركسي للاقتصادي السياسي للرأسمالية، وللتاريخ والمجتمع. إذ يرى الباحث بأنه لا بد من الخروج من عباءة ماركس بشكل نهائي، ولا يمكن الخروج من عباءة ماركس دون تفنيد الأسس النظرية والفلسفية التي أقام عليها فهمه للاقتصاد السياسي للرأسمالية.
البحث الثالث لـ سليمان الطعان بعنوان "الأنا والآخر في الرواية العربية المهاجرة"، أفاد بأن الرواية العربية قد مرت بمراحل متعددة في عملية تمثيل الآخر وتصوير العلاقة به. وقال بأنها بقيت حتى نهاية ستينيات القرن المنصرم -تحديدًا حتى هزيمة حزيران- منغلقة على الهوية الثقافية، وتنظر إلى الآخر بمنظار العادات والتقاليد الموروثة في المجتمع العربي، وتحكم عليه انطلاقًا من منظومة القيم التي تؤطر الوعي العام.
ورأى الطعان أن التحول في الرواية العربية بدأ منذ مطلع السبعينيات، حين شرعت في مغادرة هذه الرؤية الأحادية، يحدوها أمل في فهم العالم واستيعابه بعيدًا من الرؤية السابقة المنغلقة على الذات.
وبحسب الباحث، فقد ترافق هذا التحول مع تغير آخر في صورة البطل الروائي؛ فمرحلة البطل المغترب مرت هي أيضاً بمراحل، كان البطل في أولاها طالباً يسعى للدراسة في الغرب، وقد استمرت هذه المرحلة حتى نهاية السبعينيات، حين بدأ البطل يتخذ شكلًا جديدًا، هو المثقف أو المناضل الهارب من بطش السلطة القمعية وإرهابها، ثم جاءت المرحلة الأخيرة لنرى فيها جيلًا جديدًا من الأبطال الذين ينتمون إلى مختلف المشارب الاجتماعية والفكرية، يمثل طيفاً واسعاً من المهاجرين العرب إلى أوروبا وأميركا.
وختم عقيل المرعي فعاليات اليوم الثاني لمؤتمر الباحثين السوريين للعلوم الاجتماعية، بورقة بحثية تحت عنوان: "فصل المقال فيما بين علوم الشرع وعلوم اللغة من الاتصال".
"حرمون" يعقد المؤتمر الثالث للباحثين السوريين
وصباح أمس الأحد، انطلقت أعمال النسخة الثالثة من "مؤتمر الباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية" في إسطنبول، بكلمة افتتاحية ألقاها مدير مركز حرمون، سمير سعيفان، رحّب فيها بالمشاركين الذين يجتمعون فيزيائياً للمرة الأولى، بخلاف المؤتمرين الأول والثاني (2021- 2022) اللَذين عُقدا عبر تقنية (الزوم).
كما وجه سعيفان الشكر للجنة العلمية للمؤتمر "التي بذلت جهوداً كبيرة ومضنية في اختيار وتنسيق الأبحاث والدراسات المشاركة". وأوضح بأن الغاية من الحضور الفيزيائي للمؤتمر "إتاحة التلاقي بين الباحثين السوريين وتبادل الخبرات فيما بينهم، وتحقيق استفادة أكبر من الأبحاث المطروحة"، مشيراً إلى أنه ابتداءً من المؤتمر القادم، سيتم تحديد المحاور، وسيُفتَح باب المشاركة للباحثين الأجانب المهتمين بالشأن السوري.
وأشار إلى أن سوريا المقسّمة اليوم "لم يكن فيها ثمة بحث، ويصعب فيها إعداد الأبحاث"، واصفاً بأنها غدت أشبه بـ "مملكة صمت". وأعرب سعيفان في ختام كلمته عن أمله في أن تعقد دورات المؤتمر القادمة "في دمشق أو حلب أو أي مكان آخر في سوريا" عقب رحيل نظام الأسد.