يتهافت أهالي الضاحية الجنوبية على الخروج بخطط للطوارئ منذ أن ضربت غارة جوية إسرائيلية مبنى سكنياً في حي مزدحم فقتلت أحد قياديي حزب الله وهذا ما أثار الخوف في النفوس من اندلاع حرب شاملة في هذا البلد.
بالنسبة لكثيرين، فإن ذلك يعني الانتقال للعيش لدى بعض الأقرباء أو استئجار بيوت في مناطق ذات أغلبية مسيحية أو درزية أو سنية بلبنان بما أن هذه المناطق أصبحت أكثر أماناً من المناطق ذات الغالبية الشيعية حيث ينفذ حزب الله أهم عملياته، وتوجد فيها حاضنة تدعمه بشكل كبير.
الوضع في سوريا أفضل!
ولكن بالنسبة لعدد ضئيل من أهالي المنطقة أصبحت الخطة البديلة تتمثل بالانتقال إلى الجارة سوريا.
على الرغم من دخول سوريا سنتها الرابعة عشرة مع الحرب، فقد جرى تجميد القتال فعلياً في معظم أنحاء البلد، ولهذا أصبح المواطنون اللبنانيون يزورون دمشق بين الفينة والأخرى بما أنهم لا يحتاجون لتأشيرة حتى يقطعوا الحدود ويصلوا إلى سوريا. كما أن استئجار شقة في سوريا أرخص بكثير مما هي الحال عليه في لبنان.
تخبرنا زهرة غدار بأنها صدمت هي وأسرتها عندما رأوا بناء سكنياً قد استحال إلى ركام في 30 تموز الماضي إثر غارة نفذتها مسيرة في منطقتهم التي تعرف باسم الضاحية الجنوبية، فإلى جانب مقتل القيادي في حزب الله فؤاد شكر، قتل طفلان وثلاث نسوة فضلاً عن عشرات الجرحى الذين أصيبوا بتلك الغارة الإسرائيلية الموجهة.
وقبل ذلك، لم يطل العاصمة اللبنانية أي شيء من الاشتباكات التي تدور بشكل يومي على الحدود والتي تشرد بسببها نحو عشرة آلاف إنسان من جنوبي لبنان وغيرهم الآلاف في إسرائيل منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، وذلك عندما بدأ حزب الله يطلق صواريخه على شمالي إسرائيل دعماً لحليفته حماس التي شنت قبل ذلك بيوم غارة مريعة على إسرائيل قتل بسببها نحو 1200 شخصاً وأسر 250 آخرون. فردت إسرائيل على ذلك بقصف جوي وعدوان بري على غزة قتل بسببه أكثر من 40 ألف فلسطيني.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، وصل النزاع في لبنان لمرحلة كاد معها يخرج عن السيطرة.
بدلات إيجار فلكية
تخبرنا غدار بأنها هي وأسرتها فكروا في البداية بالانتقال داخل لبنان، إلا أن ما ثناهم عن ذلك هو المنشورات التي ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي والتي أخذت تنحي باللائمة على المدنيين النازحين، إلى جانب إلقاء اللوم على حزب الله وذلك بسبب التلويح بحرب شاملة في البلد، كما أن زيادة الطلب على إيجار البيوت رفعت بدلات الإيجار لمستويات قياسية، وتعلق زهرة على ذلك بقولها: "اكتشفنا بأن الإيجارات أصبحت تبدأ بـ700 دولاراً، وذلك بالنسبة لبيت لن نحس فيه بالراحة بشكل كامل"، ثم إن هذا المبلغ يزيد عن أي مبلغ يتقاضاه معظم أبناء الشعب اللبناني في الشهر، ولذلك أخذت زهرة وأسرتها يفكرون بعبور الحدود، إذ عثرت أسرتها على شقة مؤلفة من أربعة غرف في حلب بشمال غربي سوريا، مقابل 150 دولاراً بالشهر، ولهذا دفعوا الإيجار لمدة ستة أشهر مقدماً وعادوا أدراجهم إلى لبنان.
بين الفينة والأخرى، تشن إسرائيل غارات جوية على سوريا، لتستهدف مواقع عسكرية أو مقاتلين تابعين لإيران، بيد أن نظام بشار الأسد بقي في معظم الوقت على هامش الصراع الإقليمي الحالي.
خاض حزب الله مع إسرائيل حرباً استمرت شهراً في عام 2006 وفي ذلك الحين لجأ نحو 180 ألف لبناني إلى سوريا، حيث آوتهم المدارس والمساجد والمصانع الخاوية، فيما استأجر من يستطيع دفع بدل الإيجار بيوتاً وشققاً، وقد حط بعض اللبنانيين الرحال في سوريا واستقروا فيها بشكل دائم.
فر رواد عيسى الذي كان مراهقاً أيام تلك الحرب إلى سوريا برفقة والديه، ثم عادوا إلى لبنان عندما وضعت الحرب أوزارها، لكن والد عيسى استثمر بعض مدخراته في شراء بيت بمدينة حمص السورية خوفاً مما ستخبئه الأيام مستقبلاً.
يعلق عيسى على ذلك بقوله: "في حال وقعت حرب أخرى، فسيكون لدينا بيت جاهز لاستقبالنا عندئذ".
لم تطل الحرب السورية ذلك البيت والمنطقة المحيطة به كما أخبرنا عيسى، وقبل بضعة أسابيع، سافرت شقيقته برفقة زوجها إلى سوريا لتجهيز البيت في حال قدوم بقية العائلة إن تدهورت الأمور في لبنان.
يقول عيسى الذي يعمل في مجال إنتاج الفيديوهات بأنه خطط في البداية لاستئجار شقة في لبنان في حال توسع النزاع بدلاً من اللحاق بأهله في سوريا.
ولكن في المناطق التي تعتبر "آمنة" ببيروت، يطلبون أسعاراً فلكية حسب قوله، إذ طلب أحد مالكي الشقق 900 دولاراً بدلاً لإيجار غرفة في شقة مشتركة، ويعلق عيسى على هذا بقوله: "والوضع ليس بأفضل خارج بيروت".
أعداد ضئيلة من النازحين اللبنانيين
تحدث الصحفي السوري عزام علي لأسوشيتد برس فقال بإنه خلال الأيام الأولى التي تلت الغارة على الضاحية، شاهد تدفقاً كبيراً للبنانيين الذين استأجروا غرفاً في الفنادق وبيوتاً في مدينته دمشق، ولهذا استضاف في بيته عائلة لبنانية يعتبر أفرادها أصدقاء لصديق له وذلك لمدة استمرت لبضعة أيام.
وفي منشور ظهر على فيس بوك، رحب الرجل باللبنانيين ووصفهم بأنهم جعلوا مدينة دمشق القديمة أجمل.
وبعد أن همدت الأوضاع على ما يبدو، عاد بعض اللبنانيين إلى وطنهم وبقي بعضهم، إلا أن غالبيتهم ظلوا في سوريا حسب قول عزام.
ولكن لم توثق أي وكالة أو جهة رسمية عدد من انتقلوا من لبنان إلى سوريا خلال الشهور القليلة الماضية، فقد توزعوا في مختلف أنحاء البلد من دون أن يسجلوا كلاجئين، وهذا ما يصعب معالجة قضية الهجرة، بيد أن الدلائل تفيد بأن الأعداد ما تزال ضئيلة.
إذ من بين 80 شخصاً نزحوا من الجنوبي اللبناني وأصبحوا يعيشون في بيروت، هنالك لبنانيون ولاجئون سوريون وفلسطينيون، وذكر 20 منهم على الأقل بأنهم فكروا باللجوء إلى سوريا في حال تصعيد الحرب بلبنان، وذلك بحسب مقابلات أجراها معهم باحثون أشرفت عليهم ياسمين ليليان دياب مديرة معهد درسات الهجرة لدى الجامعة الأميركية اللبنانية.
وذكرت دياب أن اللبنانيين الذين يفكرون بسلوك هذا الطريق يمثلون فئة محددة لديها معارف موجودين في سوريا سواء عبر علاقات العمل أو الأهل أو الأصدقاء.
لا هجرة عكسية للسوريين
غير أن التلويح بنشوب حرب أخرى لم يدفع السوريين على القيام بهجرة جماعية عكسية من لبنان إلى سوريا، إذ هنالك نحو 7750 ألف سوري مسجلين لدى مفوضية اللاجئين الأممية بلبنان، ويعتقد بأن هنالك آلاف مؤلفة من السوريين غير المسجلين هناك.
ومع تراجع القتال في سوريا، أصبح أغلب اللاجئين السوريين يخشون من فكرة تعرضهم للاعتقال إثر عودتهم إلى بلدهم بسبب وجود أي شيء حقيقي أو مفترض يربطهم بالمعارضة المناهضة للأسد، أو بسبب خوفهم من التجنيد الإجباري في جيشه. لذا فإنهم في حال مغادرتهم لبنان هرباً من أي حرب فيها، فإنهم قد يخسرون وضع اللجوء، على الرغم من أن بعضهم عاد أدراجه عبر الحدود من خلال طرق التهريب من دون أن ترصد تحركاتهم.
تنفس معظم أهالي الضاحية الصعداء عندما تبين لهم بأن عملية تبادل الغارات المكثفة بين حزب الله وإسرائيل في 25 تموز لم تكن إلا مرحلة مؤقتة، ولكن غدار تخبرنا بأنها ما تزال تحس بالقلق من تدهور الوضع فجأة، مما قد يجبرها هي وأهلها على الرحيل، ولهذا تقول: "من الضروري أن يكون لدينا خطة بديلة تحسباً لأي خطر".
المصدر: The Associated Press