النسوي السوري، و"النسونجي"!

2024.10.12 | 06:15 دمشق

5
+A
حجم الخط
-A

تُعرَّف النسوية بأنها مجموعة من الحركات الاجتماعية والفكرية والسياسية التي تسعى لتحقيق سلطة متساوية بين الرجل والمرأة من ضمن الحرص على تحقيق فكرة العدالة للإنسان عامة. غير أن تحقيق هذه الفكرة الأخلاقية يحتاج إلى ظروف موضوعية تختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر.

تفسير النسوية في جوانب من المشهد السوري الذكوري المعارض مختلف كلياً، وهو في أحد وجوهه يعني الركض من ندوة نسوية إلى ندوة عبر فضاء "الأونلاين"، بخاصة تلك الندوات أو البث المفتوح الذي لا توجد فيه سوى سيدات لديهن قصة شخصية مؤلمة التقطها أحد ممن يعتاشون على القصص الشخصية للمظلومين والمظلومات، وما أكثرهم في المشهد السوري! النسوي السوري هذا نشيط إعلامياً، له قصص طويلة في "كسر قلب" عشرات الفتيات، لكنه اليوم نسوي، يريد أن يكفر عن تاريخه البائس. وتقول مصادر مطلعة إنه سرق أموال المنظمة التي يديرها ليقدمها لطليقته حتى يثبت لها أنه نسوي يؤمن بالمساواة. لنقل بطريقة أكثر مهنية: هو لم يسرق بشكل مباشر (حاشا) بل رفع مكافآته وإشرافه ليستطيع من خلالها نهب الميزانية، يعني ممن صعد على أكتاف الثورة السورية!

إن دخلت إلى عالمه السري، ستجد أن لديه عنفاً رقمياً بأسماء مجهولة تهتز له الجبال. ولم تكن تسلم فتاة من شره ذات يوم، لكنه صحا اليوم ووجد أن سوق النسوية يحقق له مآرب ما؛ فركب الموجة! حرم أخواته من الميراث، ولا يرسل لشقيقاته أي مساعدة لكنه اليوم نسوي حتى النخاع الشوكي!

لا يتردّد بأن يضع صورة "نوال السعداوي" خلفية لموبايله، وانضم إلى أكثر من "لوبي نسوي سوري" أو إلى فِرق مساندة للمرأة، بل إنه لا يتوانى عن التصريح بضرورة إلغاء مصطلح "أختي" بين الرجل والمرأة، فالمصطلح مسيء لها وذو مرجعية دينية، يستعيض عنه بمصطلح "صديقتي". ولا يستعمل لقب سيدة بل أستاذة.

إنْ لم يتح لك أن تدخل إلى عالمه السري ستجد أنه أشهر نسوي، وتكاد تقر بضرورة أن تسلمه قيادة أكبر الحملات تعاطفاً مع المرأة، تقول عنه هذا الرجل من زمان "كاري تشابمان" وأنه كان قائد حملة "مي توو" على المستوى السوري!

أول من يدين أي تصرف في مناطق "المحرر السوري"، كي يسد كل الأبواب شعاره الرئيس: أنا مع الضحية حتى لو كانت مدعية. لكنه يتغافل عن "بيت المقاطيع" و"النظر إلى المرأة كشخص غير كامل" أو جرائم "الشرف" في محافظته ويكتفي بأن تدمع عيناه أمام صديقته المراهقة الثلاثينية!

هو ضد ترامب في فكرة منع الإجهاض "كل واحد حر بجسمه" وهو ضد طارق البنا "وزواجاته الكثيرة"، وأفضل الأنظمة المشرقية في خطاباته هما النظام التركي والتونسي لأنهما منعا تعدد الزوجات.

قال للمحقق إبان تقديم طلب اللجوء: إن أحد أسباب حبه لألمانيا أن الرجل والمرأة فيها متساويان وتمنع قوانينها تثبيت الزواج الثاني، متناسياً أنه يوزع عواطفه "المشلخة" على عديدات في وقت واحد ويقسم لكل منهن: أنت الوحيدة في حياتي، ودائماً لديه ضحايا على الطريق، ذلك أن إلقاء الشباك والصيد مهنة ذكورية لا يريد مفارقتها!

لا يتردد أن يخرب الكثير من البيوت كي تنجح شعاراته النسوية، تضيع الحدود عند ذلك النسوي السوري بين النسوي والنسونجي في السلوك العام، لا يحترم حرمات الآخرين أو شعاراتهم. يمكن أن نقول عنه دون تردد "نسونجي" لكن من درجة مثقف، مدخله للتودد إلى امرأة ما ليس لغة "شوارعية"، بل لغة التعاطف، وتكبير المشكلات الحالية التي تمر بها مطلقة ما، وحفظ أسماء قادة الحركات النسوية في العالم، حيث بذل وقتاً طويلاً كي يبهر من يلتقيهن من المريضات نفسياً ليحدثهن عن سير: "فريدا كاهلو، وإيدا ويلز، وسيمون دي بوفوار، وروكسان غاي ...".

يسفِّه كل ما يمر معه من حالات إنسانية، قام بها رجال تجاه زوجاتهم، ولا يشيد بأي منها. يقول عن الرجل الذي سجل شقته الوحيدة التي يملكها باسم زوجته إنه يدخل في "باب العادي"، فأن تحمي زوجتك من عثرات الزمان والظروف والمجتمعات لا يدخل في باب الفضائل، بل "عادي". كل شيء عادي إلا ما وافق هواها! وحق الانتفاع الذي أقره أبٌ لبناته في حال مات فجأة حماية لهن من وعثاء السفر وسوء المنقلب عادي، فالأب الذي يستحق الأبوة هو الذي يحارب طواحين المجتمع دفعة واحدة ويثور عليه ويقسم الأموال بين أولاده وبناته بالتساوي!

يشارككِ صناعة الوهم، لا يقاطعكِ بل يقركِ ويقول لكِ: "المشكلة ليست فيكِ، ما حدث معكِ أن الآخرين في مجتمع اللجوء الجديد لا يعرفون عنكِ شيئاً!". هو في مجموعة "قلبي قلبك" أقرب ما يكون إلى طبيب نفسي!

تجده مرة مثقفاً من زمن "قنديل الكاز"، ومرة من زمن "اللوكس" والجراب والضغط الهوائي، إذ عليك ألا تحركه كي لا يهرّ فجأة، وما في البيت قمصان احتياطية "للوكس"، وقتها ستذهب عليك الدراسة وكتابة الواجبات. هل تذكر تلك الصفحة من حياتك، وكيف تحولت إلى لوكس؟ صاحبنا مع صاحبتنا في المواقف "لوكس"، يهر كل فترة تبعاً للظروف والحاضرين والحاضرات، والابتزازات وسوق السرديات!

النسوية لديه أو لدى صديقته الجديدة حالة ابتزاز وفقاً للمصالح الشخصية، -الابتزاز بالقضايا مهنة يجيدها الكثير من المثقفين والمثقفات- أكثر منها حركة تحرر ودعوة للمساواة. فالتمويل لا يأتي إن لم يكن عنوان البرنامج النفسي المقترح: معاً؛ ضد العنف الموجه للمرأة في الشمال السوري! مع أن أكثر المشاركين في الدراسات هم ممن شجعوا آباءهم يوماً على الزواج الثاني، وهم ممن تألمت شقيقاتهم إبان دورتها الشهرية فقالوا عنهن: "أعرفتم لماذا الرجال مفضلون على النساء؟".

الفرق بين هذا النسوي السوري الشعاراتي المنطوط أو "العَجِي"، والنسوي السوري الآخر الإنساني أن الأخير لا يهوى عالم الشعارات ولا يريد أن يسوق نفسه أو يحقق مصالح. هذا صار وراء ظهره. هو يعتقد أن واجبه الإنساني أن يكون عادلاً مع زوجته وأولاده وشقيقاته إناثاً وذكوراً! لذلك حين تذكر شخصية مرت في حياته يوماً، يذكرها بالخير، ويقول: "هي شريكة عشر سنوات أو أكثر أو أقل"، ويتحدث عن منجزها، مع أنها كانت تركض ليلاً نهاراً ليكون رجلاً بلا أثر. لكنه زمان النسيان والتطرف، مرحباً بالمتطرفين!

النسونجي/ النسوي المنطوط يعدّد ماذا قدم لطليقته، وما دامت الضحية غير موجودة، فالقائمة تطول حتى أنك تتساءل: "رجلٌ بهذه الفضائل كيف يمكن لغبية أن تتركه!!!". لديه خطابات عدة؛ فهو ذكوري حين يكون في المقهى مع الذكور، لكنه ناعم أملس في الندوات النسائية. لا يريد أن يتعرف إلى أشخاص يعرفونه، يكره التاريخ ويهوى التنقل من حارة إلى حارة، وهو الخبير والمرجع بالحارات والأشخاص، والمؤرخ الوحيد للحراك السوري في محافظته وأمين أسرار التاريخ والناشط الوحيد!!! تبحث عنه في واقع مآثر الرجال الإنسانيين فلا تجده، لأنه رجل دون وهج، بل أقرب ما يكون إلى رجل "مخصي من الأثر"!

النسوية لديه خطوة نحو "تطبيق الفتيات" ويبدو أقرب لـ "المثلي" من شدة إظهار نسويته، ويفقد كل قيم الرجولة الأصيلة مثل الغيرة على العرض أو الكرامة أو الشرف بحجة المساواة!

يلبي النداء بأقصى سرعة في حال الحاجة إليه، ويمكن أن يترك مكان سكنه ليكون إلى جانب صديقته الجديدة المعتزة بطلاقها في المدينة الكبيرة، الساردة والمشوهة للآخر، ريثما "تستوي الطبخة"، والضحية الغشيمة لا تعرف شيئاً!

الحديث عن الموجة الثالثة في تاريخ النسوية مدخله للاقتراب من نساء على تخوم سن اليأس: "هذا زمان المرأة القوية المعتمدة على نفسها، ولا يمكن أن تطالبي بما طالبت به النساء قبل سبعين عاماً. لكل زمان نسوياته، وموجاته، وحركاته!".

الإشارة إلى سياق أو ظروف أو معطيات لا يخطر بباله، فالرجال -كما يقول- لديهم حججهم للتهرب من الالتزامات، ويتجاهل أن العديد من الرجال كتبوا ما يملكون لنسائهم يوم كانت المرأة مرأة، والرجل رجلاً، وقبل أن يبيع كثيرون تاريخهم وتاريخ أمواتهم لهواء الشعارات الفضفاضة والبحث المرضي عن "ذات" لا تشبع!

واقعياً، لا يمنع أن يبحث الإنسان عن مناصرين أو مناصرات لما يؤمن به، لكن عليه أن يحسن الاختيار كي لا يقال عنه غبي أو مريض نفسياً، وأن ينبش بهدوء ولغة علمية عن مناصريه وموقفهم وتاريخهم الطويل، وكيف يغسلون ماضيهم بتقربٍ في غير موضعه!

بعيداً عن هذا النسوي المريض نفسياً أو النسونجي المنطوط، نجد في المشهد السوري المعارض من يجد أن "النطوطة" لا تليق به، ويبني مواقفه على قراءات تاريخية وظروف موضوعية. يمكنه القول: لا يمكن أن يكون الإنسان إنساناً سوياً ثورياً مطالباً بالحرية لشعبه والديمقراطية، دون أن يكون منصفاً وعادلاً ومدافعاً عن حقوق المظلومات. وإلا، بم سيختلف عن السياسي المتاجر أو صاحب المنظمة الهباش؟ فكيف تكون إنساناً وأنت تؤمن بظلم شريكتك؟ وكيف تكون إنساناً وأنت تأكل حق الآخرين، وتتغذى على الإساءة لهم، وتأليف السرديات، وادعاء أكاذيب كثيرة؟

مرحباً بالنسوي السوري المعارض، بشرط ألا يكون فهمه للنسوية قاصراً ومحدوداً ومرتبطاً بصديقة جديدة مشغولة بالشعارات، وألا تكون أغنيته المفضلة: "اللي مابيحب النسوان// الله بيبعت له حمى"!