زواج القاصرات السوريات بعيون هولندية

2024.09.29 | 06:25 دمشق

آخر تحديث: 29.09.2024 | 06:25 دمشق

اللاجئة السورية أميمية حوشان
+A
حجم الخط
-A

اختلف مفهوم الطفل القاصر/القاصرة من مرحلة إلى مرحلة تاريخية أخرى، بل إننا على الكوكب نفسه، وفي الزمان نفسه نعيش مفاهيم مختلفة بين الشرق والغرب تحركها محركات مختلفة.

تربوياً يختلف الأمر جذرياً، ففي الوقت الذي تدعو فيه الثقافة الغربية نتيجة: الاكتفاء والاستقرار والتنظيم وأخلاقيات دولة الرعاية الاجتماعية الأطفال إلى أن يستمتعوا بطفولتهم دون أن يتجاوزوا عمرهم، وأن تعطى كل مرحلة عمرية حقها من الإشباع.

لكن في الدول غير المستقرة أو التي تنظمها ثقافة عشائرية أو استبدادية أو دينية، يهيأ الأطفال بأسرع وقت ممكن لتجاوز طفولتهم نحو مسؤوليات الكبار، وكلما كان الطفل سريعاً في تجاوز مرحلة البطولة يسجل له على أنه منجز يمكنه أن يفتخر به، فالكثير من مهام الرجال/النساء تنتظرهما، وما الطفولة إلا مرحلة عابرة عليه أن يتخلص منها بسرعة تحمل المسؤولية بأسرع وقت ممكن.

أحد جوانب التخلص من عبء الطفولة لدى الأهل والأطفال ذاتهم هو الزواج، وبناء عليه كلما تزوج الطفل أو الفتاة بعمر أصغر يعني أنهما تخلصا من مرحلة الاعتماد على الآخر، وعبرا نحو المشاركة بالمسؤولية العائلية والاجتماعية، وأفسحا المجال لطفل جديد سيولد قريباً!

بعيداً عن الأسباب والمعطيات الاجتماعية والدينية والظروف وسوى ذلك لزواج القاصرين والقاصرات، كيف يمكن لثقافة أخرى لا تعي كل ذلك ولا تتفهمه ولا تحترمه أن توافق على أن يصبح أولئك القاصرون والقاصرات مواطنين يعيشون جنباً إلى جنب مع مواطنين آخرين لديهم مفاهيم مختلفة كلياً!

هنا تبدأ المشكلة بجوانبها الشخصية والاجتماعية والنفسية والقانونية والتربوية، وتزداد تلك الجوانب في حال غدا لدى أولئك الأطفال القصر المتزوجين أطفال!

القانون الهولندي يمنع تثبيت زواج القصر، والكثير من الحالات يكون فيها "لم شمل"، كيف سيسمح القانون الهولندي بلم شمل طفلة إلى زوجها؟ كيف يخون القانون ذاته؟ وهل الحل بإبقاء الطفلة الزوجة في بلدها الأم مع أطفالها؟

القانون الهولندي يمنع تثبيت زواج القصر، والكثير من الحالات يكون فيها "لم شمل"، كيف سيسمح القانون الهولندي بلم شمل طفلة إلى زوجها؟ كيف يخون القانون ذاته؟ وهل الحل بإبقاء الطفلة الزوجة في بلدها الأم مع أطفالها؟

هناك جانب آخر في المشكلة هو الفوارق العمرية، حيث إن الثقافة العمرية هاهنا في هولندا،  نتيجة تقاليد ثقافية راسخة، تحبذ أن يكون المتزوجان بعمر أقرب إلى التطابق لقناعات متكرسة تتمثل في كون العمر أحد العوامل الرئيسية في التشابه بين الرجل والمرأة على مستوى الهرمونات والوعي والتواصل، ويحبذ التقارب الشديد عمرياً حتى في علاقات الحب وانطبق ذلك على التطبيقات التي تكون مفتاحاً للمواعدة والعلاقات الغرامية.

 الاختلافات في المفاهيم تجعل كلاً من الهولندي والسوري ينظران إلى بعضهما البعض بعيون مشدوهة وأفواه فاغرة، ويدركان في لحظة صدق، أنهما ينتميان إلى عالمين مختلفين كلياً من حيث المفاهيم والقيم، وأن المسافة بينهما كبيرة فقد تستغرق جيلاً أو جيلين أو أكثر!

هناك رحلة قانونية يبدؤها كلا الطفلين حيث تعين الدولة لهما محامياً يوجههما، وبعد جلسات وأخذ ورد، لا بد من مخرج قانوني يتم فيه تثبيت الحالة الراهنة بخاصة إن أقر الطرفان أنهما في وئام، وربما قد أنجبا طفلاً أو أكثر!

في الجانب الاجتماعي والنفسي هناك الكثير من المنظمات التي تعتاش على هذه الحالات وتحرص على أن تقوم بعملها وتقدم خدماتها من رؤية هولندية، ولعله من الملاحظ في الثقافة الهولندية الثقة العالية بالخيارات والطرائق بحيث لا يتم إشراك سوريين من خلفيات فكرية متميزة في عمل تلك المنظمات، انسجاماً مع قناعات استشراقية راسخة، (لو كان فيكم أمل لما أشعلتم الحروب في بلدانكم الأم وغدوتم لاجئين!!!)

زواج القاصرات مرآة تكشف جوانب الاختلاف بين الشرق والغرب وأن الشرق شرق والغرب غرب، ولن يلتقيا وفقاً لمقولة الشاعر الإنكليزي رودياردو كبلينغ قبل أكثر من مئة عام، مع أن العبارة تنتمي إلى مرحلة استعمارية سابقة، إلا أن تلك المراحل الاستعمارية والظروف غير المتشابهة للشرق والغرب والاختلافات الدينية والاجتماعية والفكرية والمرجعية تؤكد ثانية وثالثة أن الشرق شرق والغرب غرب!

قد يسهل على كثيرين من "النشطاء الباحثين" سهولة لوم الأهل وكيف يسمحون بهذا الفعل، بخاصة في مخيمات اللجوء!!!

بل قد يسهل على كثيرين في المقلب الآخر القول: كيف يتحدث الهولنديون عن الزواج وهم يسمحون لبناتهم وأولادهم بالقيام بعلاقات جنسية ابتداء من سن السادسة عشرة وأقل من ذلك ربما، وأحياناً يحدث حمل كذلك!

كلا المسوغيْن لا يأخذان بعين النظر السياقات الثقافية والمفاهيم الاجتماعية والفردانية وسواها من مفاهيم تتحكم في تشكيل الوعي وصنع ثقافة الفرد في كل دولة، بل قد يكشفان مرات كثيرة أن الشرق شرق والغرب غرب ليس على مستوى الدول، بل داخل الدولة نفسها حيث إن هناك شرقياً وغربياً، كل منهما يعتقد أنه يملك الحقيقة المعرفية والمفاهيمية، وربما تفوته فكرة السياقات واختلاف الوعي والمرجعيات الفكرية.

القاصرات المتزوجات وفقاً للقانون الهولندي ضحايا، وهذا ينطبق على اللاجئات القاصرات المتزوجات حيث إنهن ضحايا مرتين: ضحايا فكرة زواج الأطفال، وضحايا بصفتهن لاجئات، لأن اللاجئ وفقاً للقانون الهولندي ضحية لذلك له امتيازات في جوانب ما لا تقدم للمواطن الهولندي من مثل موضوع السكن والحق بالحصول عليه، فالشاب أو الفتاة الهولندي/ة اليوم ينتظر حتى يحصل على سكن اجتماعي نحو عقد من الزمن في الكثير من البلديات في حين أن اللاجئ تكون له أولوية خلال سنة أو سنتين!

لا يمكن تبسيط موضوع زواج القُصَّر عبر ثقافة لوم الأهل، أو الإدانة، أو التبرؤ أو البكاء أو إعادة الأمر لأسباب دينية أو اجتماعية فحسب!!!!

الموضوع أعقد من ذلك بكثير، خلفه مئات من السنين المفاهيمية والاجتماعية التي تسنده، بخاصة أن هذا النوع من حالات الخلل الاجتماعي يجد بيئة مريحة جداً في مراحل النزاعات، بل ويجد تشجيعاً له تحت فكرة "الستر" وعدم الوقوع في المحرم الجنسي، والتغيرات الهرمونية والخوف على السمعة وستر الفضيحة والتخلص من المسؤولية، ولا يأخذ بعين النظر التغيرات المفاهيمية والاقتصادية والتربوية ومفاهيم الشعور بالمسؤولية.

ليست مراحل النزاعات هي الوقت الأمثل للتخلص من تلك المفاهيم والأخطاء المتراكمة اجتماعياً وعلى مستوى الدولة، قد يكون إيجاد تشريع قانوني ملزم هو أحد جوانبه، لكن بالـتأكيد التوعية بمخاطره، ومساعدة الأطفال في حال حدوثه أحد الجوانب المهمة، لكن علينا ألا ننتظر حلولاً سريعة في مراحل النزاع، ويمكننا أن ننظر إلى حالة العراق مثلاً التي تريد أن تسن قانوناً الآن يسمح بزواج القاصرات اعتماداً على تفسيرات دينية، وكل ذلك يكشف عن مآزق تمر فيها الدول التي حدثت فيها نزاعات أو حروب داخلية أو أهلية أو ثورات أو حكمتها أنظمة مستبدة لم يكن يعني القائد من شؤونها الاجتماعية والقانونية والفكرية إلا التسبيح بحمد "القائد الخالد" ليل نهار بصفته الواحد الأحد الذي يحق له البقاء على الكرسي وأولاده من بعده، لأنه هو الغربي في البلد الشرقي!!!