علاقات سامّة في المشهد السوري

2024.10.06 | 07:16 دمشق

هكذا، فجأة! يغدو مصطلح "علاقة سامة" هو الأبرز للتعبير عن العلاقة بين صديقين أو زوجين أو حبيبين أو زميلين أو جارين بحيث نسي كل منهما تلك اللحظات أو السنوات الجميلة التي مرت معاً، وأنجزا فيها الكثير من الإيجابي
+A
حجم الخط
-A

تتسرّب إلى المشهد الحكائي السوري مصطلحات جديدة نتيجة الاحتكاك بالعالم، أو بسبب قراءات في علم النفس أو التنمية الذاتية أو تردّد على عيادات أو مراكز علاج نفسية أو نتيجة انكسارات كبيرة مروا بها، لتوجه أشخاصاً يمرون بلحظات مفصلية حياتية أو فكرية أو عمرية هرمونية كونها "تنيّمهم على الوسادة التي يرتاحون عليها" مسلحين بأنانيتهم، أو البحث عن إشباع عقد نفسية متراكمة، أو فرصة للهروب من التزامات مع الآخر، أو الظهور بوجههم الحقيقي بعيداً عن سلوفان "الخديعة الطويلة".

هكذا، فجأة! يغدو مصطلح "علاقة سامة" هو الأبرز للتعبير عن العلاقة بين صديقين أو زوجين أو حبيبين أو زميلين أو جارين بحيث نسي كل منهما تلك اللحظات أو السنوات الجميلة التي مرت معاً، وأنجزا فيها الكثير من الإيجابي، واتفقا على الكثير من الأفكار أو الطرائق أو المفاهيم وتاركا أجمل اللحظات، بعيداً عن لحظة العدم الحالية.

ويغدو سر عدم تحقيق أغلى الأمنيات فيما مضى تلك "العلاقة السامة" التي ربطتنا بالآخر، فهي شماعة كل الخيبات، التي تسنح للشخص تناسي أن كل ما ينعم به حالياً هو نتيجة ما أنجزه إبان تلك "العلاقة السامة" التي يزعم أنه ضحيتها، بل يتناسى أنه كان "غراً" لا يميز بين "الخمير والفطير" أو "التين والعجين" أو "لا يعرف كوعه من بوعه" قبل تلك العلاقة السامة المزعومة، التي جعلت منه كائناً له هوية وشخصية، وأنه تربى وتميز في تلك الأجواء التي بات يحلو له أن يصفها بالسامة بعد أن قضى "وطره النفسي والوجودي" منها.

هكذا، فجأة! يغدو مصطلح "علاقة سامة" هو الأبرز للتعبير عن العلاقة بين صديقين أو زوجين أو حبيبين أو زميلين أو جارين بحيث نسي كل منهما تلك اللحظات أو السنوات الجميلة التي مرت معاً، وأنجزا فيها الكثير من الإيجابي

هنا محاولة لاستيراد أنماط جديدة على السلوك وردّات فعل تخلو من ذلك الجانب الإنساني المتمثل في الصبر والتضحية والإيثار والعطاء بحجة ضرورة وجود لحظة: "اللهم أسألك نفسي"، و"أنا ومن بعدي الطوفان" متخذة من قيم الفردانية محركاً لها، و"مادام وجودك مع هذا الشخص يؤذيك نفسياً" اتركه وانصرف إلى ما تحبه.

قد يكون في جوانب مما سبق "كلام حق" لكن المراد منه باطل أو أقرب للباطل، لأن المعيار الأخلاقي والقيمي الذي تحتكم إليه قد لا يعبر عنك أو عن تاريخك النبيل أو أخلاقك أو تربيتك ومنظومتك القيمية، التي لا يعني تطورها أو تقدمها أو تغير المفاهيم حولها أن تتخلى عن الثوابت فيها، فلكل ثقافة ثوابتها ومعاييرها وأنظمتها وأخلاقيتها.

حالةٌ من التعميم، والهروب والبحث عن طواحين الهواء واستهلاك الذات، كسرٌ للقيم والقدوة، وتخريب وتهشيم يرتع فيه مجموعة من المتطرفين حولك. نبتوا كالفطر فجأة، يسرقون مشاعرك ممن لهم حقوق عليك من أفراد عائلتك بحجة الدعم النفسي أو أنهم يريدون لك الخير. لم يعيشوا معك لحظة من تلك اللحظان المرة في سنوات عمرك التي امتدت أربعين أو خمسين أو ثلاثين عاماً، ولم يكونوا إلى جانبك عبر تطوراتك وتغيراتك ونجاحاتك وانكساراتك. هكذا هم اليوم الأولى بك والأقرب إليك ومن يساعدونك ويقفون فجأة إلى جانبك؟ من أين نبت هؤلاء؟ وأين كانوا يوم كنت؟ ومن أين هطلت عليهم الإنسانية فجأة؟ إن كانوا يحبونك لِمَ يكتفون بالطبطبة على سلوكك ولا ينبهونك إلى التوازن؟ أم أنهم ينظرون إليك بصفتك مريضاً نفسياً "اخْطَيْ" يجب أن نساعده ونقف إلى جانبه في محنته، إذاً: كيف هم ينعمون بحياة عائلية واجتماعية فيها الكثير من المشكلات في حين يشجعونك على خسارات التطرف والهروب من المسؤولية!

غدا مصطلح "العلاقات السامة" فرصة لهدم الكثير من العلاقات الإنسانية الجميلة بين البشر أحبة وأزواجاً بل كذلك وصل إلى علاقات لم يكن يخطر ببال أحد ان يصل إليها كعلاقة الأب مع أولاده، أو الأم مع أولادها وغدا حجة لمزيد من الأنانية والهروب من المسؤوليات التي أقرتها الأعراف والأديان والتقاليد الاجتماعية والإنسانية.

صحيحٌ أن السم قد يتسرب إلى الكثير من العلاقات بين البشر، لكنْ للسم علاج، ومن المهم أن ننتبه إلى أدوارنا في صناعة السم، وهل إنْ انتقلنا لإقامة علاقة مع شخص آخر ستكون بلا "سم" أم أنه لدينا فرصة لنقدم أنفسنا بوجه آخر يخلو من "سمنا المعنوي القديم المعتق" وألا يغدو بحثنا عن الأمان نتيجة هلع قديم متأصل في نفوسنا نتيجة عقد نفسية متراكمة مساراً لإيذاء أقرب الناس إلينا وهو ما نقوم به بين فترة وأخرى!

انتبه! مرات كثيرة تكون فيها أنت "السم" في العلاقات السامة فتهرب من الاعتراف نحو الاتهام، ومن الالتزام نحو اللامبالاة، انظر في المرآة، ضع ورقة وقلماً وقائمة من حقلين وعدّدْ ماذا أخذت وماذا أعطيت؟ عبر تلك التجربة مع من تصفه بـ "السمية" احتكم إلى معيار ما، وطبقه عليك وعلى الآخر! أم أنه يعجبك دور الضحية فتستكين له، وتحاول أن تطهر نفسك على حساب الإساءة للآخر؟

على المقلب الآخر وفي الشأن العام السوري يصلح "مصطلح العلاقة السامة" لتوصيف الكثير من الحالات بين المنظمات والأشخاص، تفرض على كثيرين الاستمرار فيها نتيجة الحاجة أو المصلحة أو العمل الوظيفي و"الزمالاتي".

تفقدُ نفسك وهويتك ورأيك وشخصيتك وخصوصيتك كي ترضي مديرك في مؤسسة لا يوجد فيها نظام داخلي، النظام الداخلي الوحيد فيها هو رغبات المدير وإرادته على مستوى الراتب والمهام الوظيفية والمناصب الإدارية.

اسأل نفسك: إنْ احترمتُ نفسي وتربيتي وأهلي وصورتي في المرآة وتخليت عن "الحكحكة" والنفاق والتقرب، وتصرفتَ بشكل طبيعي دون "ماسك" المجاملة الزائدة وعبرت عن رأيي ما الذي سيحصل؟

ستجد في حالات كثيرة أن الفرق ليس كبيراً، وأن كل ذلك السيل من النفاق الاجتماعي لا يؤثر في المشهد كثيراً، فكنْ كما أنت كي لا تبصق على نفسك في الخفاء أو يبصق عليك في ظهرك!

لستَ الطرف الفاعل في العلاقات السامة على مستوى العمل دائماً، في مرات كثيرة، ابتليتَ بزميل أو شريك طاولة أو شريك برنامج يمكن تسميته "ملك الطاقة السلبية في العالم" أو "أمير السمّ في العالم"!

هنا لا بد من أن تكون حذراً، حاول أن تكون كمية السم المتسربة إليك أقل كمية ممكنة منه، طبعاً لا يمكنك أن تتجاوزه كلياً أو أن تحصن نفسك نهائياً ما دمت تراه يومياً ساعات كثيرة، حتى لو هربتَ منه لتدخن سيجارتك كل ربع ساعة! أو تكثر من زيارة زملاء الطاولات المجاورة هو "وراك وراك"!

عزيزتي المتأذية من "علاقة سامة" غير موجودة إلا في أفكار من حولك ممن يدعون حباً مفاجئاً!

تذكري، قبل أن تقرئي كتاب "مارك مانسون العلاقات السامة" كم من لحظة سعادة وفرح وأمل وإنجاز عشتها مع ذلك الحبيب الذي قضيت معه شطراً جميلاً من الحياة، وأن أولئك الذين يعتاشون على لحظات ألمك حالياً يكذبون، ويعيشون حياتهم مع من يحبون ويخبؤون عنك الكثير من مشكلاتهم ليجعلوك تغرقين أكثر وأكثر في وهمك "السمي" الذي هو غالباً ينبع منهم لأنهم يساعدونك في "طبخ السم" ولا بد أن يتذوقوا طعمه يوماً!

صديقي المدير، أو رئيس القسم أو المنسق أو المشرف أو المنتج..

نعم! في فريقك الكثير من "السمّيين والسم والعلاقات السامة" تجنبْها برؤية "نصف الكأس المليان" وتجنب إن استطعت أولئك الذين يركزون على السلبي في العمل أو ينقلون إليك كل ما "يغث" قلبك، احرص على نبضات قلبك من هؤلاء لأنهم يقصِّرون العمر، واترك نبضاته لحبيبة هناك تنتظر أن ترسل إليها وردة أو تشرب معها فنجان قهوة، قد يحتاج طاقتك الإيجابية طفلاً ينتظر "ضمة" منك؛ ترد الروح!

احذر صديقي المتسمم من العلاقات السامة؛ من عقرب يدس لك السم في الدسم أو العسل، وهو يقول لك: أريد أن أحميك! ربما دافعه أنه حاول أن يدخل في علاقة غير سمية مع من يسمه بـ "السام" وقارن بين الخسائر والأرباح، ربما لست بارعاً في الحسابات، وتترك الأمور مرات كثيرة على "التياسير"  لكن انتبه، من أن تنفث سماً ضاراً مؤذياً، بلا ضمير أو أخلاق وتخسر نفسك وعائلتك ومن رافقك تحت حجة أنك ضحية!

السؤال: ما الذي يجعل الثقافة المعاصرة، ثقافة التنمية الذاتية والخيارات المفتوحة تستعير مصطلحاً يعبر عن أقدم أنواع السلاح في العالم؟ ويَسِمُ أحد أنواع العلاقة الصراعاتية الفطرية بين الإنسان والحيوان؟ إضافة إلى كونه سلاحاً يقوم على الغدر؟ والسرية؟ وأحياناً وسيلة صيد؟

لكن مهلاً، قد يستعمل السم مرات كوسيلة للعلاج، ويدخل في تركيب الكثير من الأدوية، وفق فكرة: وداوني بالتي كانت هي الداء: دع عنك سمّي! فإن السمّ في حالات كثيرة إغراء وحب وغزل ووسيلة تواصل!