منذ الرد الباهت لحزب الله على اغتيال رئيس أركانه فؤاد شكر، والحديث في كواليس دبلوماسية عن تأجيل إيران لردها على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب طهران، بدا أن الأشهر المقبلة المتبقية من عمر الفترة الرئاسية لجو بايدن قد تشهد تفاهمات إيرانية-أميركية على ملفات الشرق الأوسط، ومنها الحروب وجبهات الإسناد بين غزة والضفة الغربية ولبنان والبحر الأحمر.
ولم يكن مفاجئاً إبلاغ المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي إدارة الرئيس الجديد مسعود بزشكيان أن بلاده لا تمانع في التعاطي مع ما سمّاه "العدو"، أي الولايات المتحدة الأميركية، والدخول معها في مفاوضات نووية لرفع الحصار الاقتصادي المفروض على بلاده.
ولكن في العمق، فإن الجانبين يقومان منذ أشهر بجولات تفاوضية سرية على مستوى الخبراء والدبلوماسيين في مسقط، بعد أن كانت مجمدة بعد جولات فاشلة في فيينا والدوحة.
وثمة اعتقاد لدى أطراف دولية أن كلا الجانبين لديه مصلحة في إطلاق هذه المفاوضات قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل، وخاصة أن إدارة بايدن يهمها تحقيق خرق ينعكس على أزمات الشرق الأوسط، ويمكن استثماره كإنجاز سياسي في صناديق الاقتراع، لمصلحة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس.
في المقابل، تسعى إيران إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، قبل أي انتخابات قد تعيد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وعلى الرغم من كل المواقف العدائية المعلنة لطهران، إلا أن قيادة الحرس الثوري، ومن خلفهم المرشد، يتخوفون خصوصاً من فوز ترامب، لأن العلاقة معه ستكون صدامية بالتأكيد.
والضوء الأخضر الذي أعطاه خامنئي للرئيس الجديد مسعود بزشكيان للحوار حول الملف النووي يهدف لتحريك عجلة النقاش وتخفيف حدة التوتر داخل الإدارة باتجاه طهران كي لا يستفيد من هذه المواقف نتنياهو.
من هنا أتى إعلان الرئيس الإيراني أنه سيشارك في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الحالي، وأنه سيلتقي في نيويورك مغتربين إيرانيين لحثهم على الاستثمار في إيران. لكن الهدف الأبرز يكمن في تحريضهم على الذهاب باتجاه انتخاب هاريس، خاصة أن الجالية الإيرانية باتت تتجاوز المليونين.
وسيحاول الإيرانيون المأزومون في سوريا ولبنان والعراق الاستفادة من زيارة الرئيس الإيراني لتكثيف عروضهم التفاوضية للجانب الغربي، وتحديداً واشنطن. لكن العودة إلى طاولة التفاوض تبقى رهناً بالرغبة الأميركية التي تدرك أن طهران تندفع باتجاه التفاوض لأنها تحت ضغوط ميدانية وعسكرية، والأهم من ذلك، أنها تحت ضغوط مالية قاسية، خاصة أن طهران كانت قد جمدت التفاوض في أهم مرحلة بالنسبة لبايدن، وهي عقب اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية وانخراط طهران فيها لصالح موسكو.
ورغم تقليل أطراف إقليمية من إمكانية العودة إلى المفاوضات في هذه المرحلة الانتخابية الحاسمة للديمقراطيين، إلا أن حصولها سيؤثر على مسار التصعيد الجاري في المنطقة، على الرغم من تعنت بنيامين نتنياهو وإصراره على استكمال حروبه في غزة والضفة والتلويح بضرب لبنان وسوريا، حتى ولو تم التفاهم بين واشنطن وطهران. فهو يحبذ الاستمرار في المواجهة حتى النهاية، وسيستغل الفرصة لتصفية الملف الفلسطيني بتهجير سكان غزة والضفة.
الرئيس الأميركي جو بايدن وفريقه، فيحتاجون إلى صفقة بأسرع وقتٍ ممكن لكي يتمكنوا من استثمارها سياسياً في الحملة الانتخابية لنائبته كامالا هاريس، التي تنافس دونالد ترامب في الولايات المتأرجحة التي يلعب الصوت العربي والمسلم دوراً أساسياً فيها.
من هذا المنطلق، بات من الممكن القول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحتى معارضيه في الحكومة أو خارجها، يتسابقون مع الانتخابات في الولايات المتحدة. فنتنياهو يريد المماطلة قدر الإمكان إلى حين جلاء غبار المعركة الرئاسية على أعتاب البيت الأبيض ليقرر كيف يمضي بقراراته ويحصل ما استطاع إليه سبيلاً من أراضي غزة والضفة الغربية إلى ذلك الحين.
أما معارضوه، الذين ينتمي أغلبهم إلى الجيش والمؤسسة الأمنية والأحزاب العلمانية مثل يائير لابيد والجنرالات بيني غانتس وغادي آيزنكوت وغابي أشكينازي، فيفضلون التعاطي مع إدارة ديمقراطية تتعامل مع إسرائيل على أساس مؤسساتي ومن منطلق "الصهيونية الليبرالية"، التي تتقاطع مع رؤيتهم لإسرائيل، على عكس رئيس مثل دونالد ترامب يفضل التعامل من المنطلق الشخصي والأعمال ومن خلفية "صهيونية مسيحانية" تتقاطع مع اليمين الإسرائيلي الذي يرفض الشراكة مع باقي المكونات الإسرائيلية الأخرى.
أما الرئيس الأميركي جو بايدن وفريقه، فيحتاجون إلى صفقة بأسرع وقتٍ ممكن لكي يتمكنوا من استثمارها سياسياً في الحملة الانتخابية لنائبته كامالا هاريس، التي تنافس دونالد ترامب في الولايات المتأرجحة التي يلعب الصوت العربي والمسلم دوراً أساسياً فيها.
يبقى قرار الحرب والسلم بيد نتنياهو. وهذه التجربة هي امتحان لقوة واشنطن والإدارة الديمقراطية في الأشهر المتبقية من ولايتهم.
وإلى ذلك الحين، يبقى رهان معارضي نتنياهو على انقلابٍ أبيض قد يكون عرّابه حزب "شاس" وبعض أعضاء الليكود مثل وزير الدفاع يوآف غالانت. وإن إجازة الكنيست الإسرائيلي تنتهي في شهر تشرين الأول المقبل، أي قبل شهرٍ من موعد الانتخابات، يبقى السؤال العالق في رأس الإيرانيين والأميركيين هو: كيف يمكن قلب الطاولة وتغيير موازين القوى في إسرائيل وإزاحة نتنياهو بأسرع وقت ممكن؟
وإلى ذلك الحين، في وقت قريب يقاس بدنو الاستحقاق الرئاسي الأميركي، يمكن الحكم على قدرة الأميركيين في محاصرة رغبات نتنياهو. فالرهان صعب، والمخارج والحلول المنطقية القابلة للتنفيذ ليست بيد الأطراف الإقليمية بالتأكيد، ولا بيد إدارة بايدن حتى اليوم، ولا في استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي. ليبقى قرار الحرب والسلم بيد نتنياهو. وهذه التجربة هي امتحان لقوة واشنطن والإدارة الديمقراطية في الأشهر المتبقية من ولايتهم.