حمل اللاجئون السوريون إلى مصر عاداتهم وتقاليدهم والكثير من تراثهم معهم، وأحسن البعض منهم استخدام ما حملوه وحوّلوه إلى مشاريع صغيرة فتحت لهم الكثير من أبواب الرزق، ومنها أكلة "الكشك" السوريّة.
وتعدّ أكلة "الكشك" واحدة من المأكولات التي لم يستطع السوري التخلّي عنها في بلاد اللجوء، إذ تشتهر بها العاصمة دمشق وريفها، كما تعدّ من الأطعمة التراثية التي يحبّها أبناء المنطقة.
في البداية كانت العائلات السوريّة تجلب "الكشك"من سوريا، ومع ازدياد الطلب عليه، باتت بعض السيّدات السوريات تعمل في إعداده والترويج له على مواقع التواصل الاجتماعي لبيعه للسوريين في مصر.
يُحاولن بيعها عبر مواقع التواصل الاجتماعي..
— تلفزيون سوريا (@syr_television) November 3, 2023
سوريات ينقلن أكلة "الكشك" التراثية إلى #مصر #تلفزيون_سوريا #نيو_ميديا_سوريا pic.twitter.com/E1P8c1OjQG
"الكشك"
تعتبر عملية صنع "الكشك" معقّدة وتحتاج إلى جهد ووقت كبير، بحسب الكمية المّراد إعدادها، حيث تبدأ بشراء البرغل (الخشن) وغسله جيداً وإخراج الشوائب منه إلى أن تصبح المياه الموجودة عليه نقية، بعد ذلك يوضع في مياه ساخنة جداً ويُترك لساعات حتّى يصبح قوامه طرياً، ثم تجري عملية تصفيته من المياه.
وبعد ذلك يوضع في وعاء كبير مصنوع من البلاستيك الصَّحي أو ستانلس ستيل حصراً (منعاً لتفاعل المادّة مع اللبن)، ويضاف عليه الزبادي (اللبن) والملح ويُترك لأيام، حتى تتفاعل المكوّنات مع بعضها البعض، ويتخلّل الأمر عمليات تحريك مستمرة، والتخلّص من المياه التي ترشح منه، فضلاً عن تنظيف المكان باستمرار حيث يحتاج إلى عناية ونظافة كبيرة.
إيمان الباشا - من ريف دمشق الغربي - قالت لـ موقع تلفزيون سوريا بشأن إعداد "الكشك"، إنّ العملية التالية تكون عبر تقسيم الكمية وتوزيعها على قطع قماشية رقيقة نوعاً ما مصنوعة من القطن يطلق عليها اسم "ملاحف"، ويجب أن تجري العملية تحت أشعة الشمس التي يُعتمد عليها من أجل تجفيف البرغل واللبن.
ويُترك "الكشك" على الملاحف فترة من الزمن (نصف ساعة) حتى يمتص حرارة الشمس، ثم تبدأ "إيمان" ومَن يساعدها -العملية تحتاج لأيدٍ عاملة كثيرة- بعملية تقليبه بما يشبه إعداد العجين، وثم تعرّضه للشمس مرة أخرى، مع تكرار كل العمليات السابقة أكثر من مرّة، لحين الوصول إلى مرحلة يبدأ فيها اللبن بالانفصال عن البرغل على شكل حبيبات كبيرة نوعاً ما.
وعند الوصول إلى مرحلة فصل اللبن عن البرغل، تبدأ السيدات بعملية تدعى "النخل"، وذلك عبر أداة تسمى "المُنخل"، حيث يُفصل اللبن ويُطلق عليه "كشك"، ثم تُهدر بقايا البرغل، الذي يكون على شكل قشور تتطاير في النهاية.
ولا يؤكل "الكشك" فوراً بل يوضع لأيام في الشمس إلى أن تخرج كل الرطوبة منه، ثم تتم تعبئته بأوعية محكمة الإغلاق ووضعه في ثلاجات لاستخدامه في الشتاء، باعتباره طبقاً رئيسياً على مائدة الإفطار بعد وضع قليل من المياه الساخنة عليه، أو على الغداء بعد إعداده بطرق مختلفة.
تقول "إيمان" إنّ هذا الطعام يعتبر تراثاً تشتهر به دمشق وريفها، ومؤونة أساسية في المنازل قديماً، وتؤكّد أنه لا يمكن إعدادها إلا في أشهر تموز وآب وأيلول من كلّ عام، لأن الاعتماد في إعداده على أشعة الشمس.
"الكشك" يفتح أبواب الرزق لـ عائلات سوريّة في مصر
بسبب الطلب على "الكشك"، بدأت بعض اللاجئات السوريات في مصر بإعداده وبيعه، مثل "أم محمود" -ربة منزل ثلاثينية من ريف دمشق- التي فتحت مع جارتها مشروعاً لإعداده في منطقة دمياط، حيث لا يقتصر البيع في مدينتهم فقط، بل يصل إلى باقي المحافظات مثل الإسكندرية والقاهرة وغيرها.
وفتحت "أم محمود" المشروع لتحسين دخلها ومساعدة زوجها، ورأت نتائج جيدة له مع ازدياد الطلب، حيث يُباع الكيلو من "الكشك" بـ200 جنيه مصري (ما يعادل 6.5 دولارات أميركية).
وليست "أم محمود" فقط، بل هناك الكثير من السيدات السوريّات يعملن في إعداد "الكشك" وبيعه سواء في القاهرة أو الإسكندرية، على الرغم من أنّه موسمي، لكن يحتفظن بكميات كبيرة منه، ثم يبعنه على مدار العام.
ويُعرف عن السوريين حبّهم لـ"المؤونة" وتجهيزها في الصيف من أجل وضعها على الموائد في فصل الشتاء، أبرزها المكدوس والزيتون والجبنة و"الكشك" أيضاً.
يشار إلى أنّ مصر تعدّ واحدة من الدول التي فتحت أبوابها أمام استثمارات السوريين، وباتت بعض المناطق كبلدات سورية مصغرة، بسبب كثافة اللاجئين السوريين فيها، الذين افتتحوا محال تضم مختلف الأصناف التي كانت في بلدهم، كما انتشرت الأسواق المليئة بكل احتياجاتهم تقريباً.