ارتفعت وتيرة الهجمات الروسية سواء الجوية أو البرية على المنشآت الحيوية والاقتصادية في منطقة شمال غربي سوريا، منذ بداية شهر شباط الفائت، ترافق ذلك مع تعرّض المنطقة لهجمات عبر سيارات مفخخة انفجرت إحداها في المدينة الصناعية بمدينة الباب شرقي حلب.
الهجمات المتزامنة لـ روسيا ونظام الأسد و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) أسفرت عن وقوع ضحايا وجرحى مدنيين، لكن طبيعة الهجمات تشير إلى أن الهدف منها ليس القتل بالدرجة الأولى، إنما عرقلة عجلة الاقتصاد التي تسير بخطى ثابتة نوعاً ما في مناطق سيطرة المعارضة السورية.
سلسلة هجمات ضد المنشآت الحيوية والاقتصادية
في الثاني من شهر شباط، انفجرت شاحنة ملغّمة داخل المدينة الصناعية في الباب، ما أدّى إلى مقتل شخص ووقوع أضرار مادية، كما انفجرت، منتصف الشهر ذاته، سيارة ملغّمة في بلدة الراعي أودت بحياة مدني.
وأثار توقيت الهجوم حينذاك جملة من التساؤلات لكونه جاء بعد 7 أيام مِن إصدار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قراراً بافتتاح كلية طب ومعهد عالٍ للعلوم الصحية في بلدة الراعي، وبعد 5 أيام من إدانة نظام الأسد للقرار الصادر عن "أردوغان".
مطلع شهر آذار الحالي، تعرض معبر الحمران الواقع في منطقة جرابلس شمال شرقي حلب، للقصف بواسطة صواريخ باليستية روسية، وأسفر القصف عن اندلاع حرائق واسعة في ساحة المعبر واحتراق أكثر من 200 صهريج محروقات، إضافةً لـ مقتل 4 أشخاص وإصابة 38 آخرين، تزامناً مع قصف مشابه ضرب حراقات تكرير النفط في بلدة ترحين قرب مدينة الباب.
من النقاط الأساسية التي يجب التوقف عندها، عندما نستعرض الهجمات الأخيرة، أن مختلف المناطق المستهدفة تقع ضمن منطقة عملية "درع الفرات" الخاضعة -من المفترض- للحماية التركية، وهو ما يثير التساؤل عن الهدف الروسي، والرسالة المراد توجيهها لأنقرة بلغة الصواريخ.
توسعت دائرة القصف في 21 آذار الجاري، حيث تعرض مشفى الأتارب الجراحي غربي حلب لقصف صاروخي من جانب قوات النظام، ما أدى إلى خروجه عن الخدمة ووقوع 7 ضحايا بينهم طفل وامرأة.
ومساء اليوم ذاته، شنت طائرات حربية روسية غارات على محيط معبر باب الهوى - الحدودي مع تركيا - شمالي إدلب، وهو ما اعتُبر تصعيداً روسياً لافتاً.
عضو المكتب الإعلامي في الدفاع المدني السوري فراس الخليفة قال لموقع تلفزيون سوريا إنّ الطائرات الروسيّة استهدفت بـ 4 غارات معملاً للإسمنت ومحطتي وقود وكراجاً للشاحنات قرب معبر باب الهوى.
ما الهدف من تركّز القصف على المنشآت الحيوية؟
ربط محللون الهجمات ضد المنشآت الحيوية شمال غربي سوريا بالانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه نظام الأسد، وكذلك "الانزعاج" الروسي مِن حالة الاستقرار النسبية في المنطقة، وتوفّر معظم المواد الأساسية فيه، على عكس المناطق الخاضعة لسيطرة "النظام"، والتي تفتقر للمحروقات، وتعاني من نقص المواد الرئيسية، وعلى رأسها مادة الخبز.
ويتفق مع ذلك، غياث أحمد دك - مدير مركز فكر للدراسات والتطوير - إذ اعتبر أن روسيا تحاول عن طريق هجماتها المباشرة على المنشآت الاقتصادية والمدن الصناعية والأسواق؛ زعزعة أمن "المنطقة الآمنة"، وضرب استقرارها الاقتصادي، مِن خلال عرقلة إمدادها بالوقود، ما يعني لاحقاً رفع الأسعار وتصدير الأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرة النظام، نحو مناطق سيطرة المعارضة.
ويعتقد الأمين العام للائتلاف الوطني السوري عبد الباسط عبد اللطيف أنّ استهداف المناطق الصناعية شمال غربي سوريا له أهداف اقتصادية غير آنية، تتمثل بتهديد الفرص المستقبلية للتنمية في المناطق الشمالية لسوريا.
وقال "عبد اللطيف" لموقع تلفزيون سوريا إنّ كلا من روسيا ونظام الأسد و"قسد" متورطون في مشروع ضرب عجلة التنمية شمالي البلاد، كونهم يعملون بشكل متواز لأهداف مشتركة، كما أوضح أن "روسيا هي مَن تحرك الدمى في المشهد، بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء كانت هي من تقصف، أو هي من يدفع أطرافا أخرى لإرسال للمفخخات أو لقصف هذه المنطقة أو تلك".
منع ازدهار الشمال السوري.. واستقطاب المدنيين
ترافقت الهجمات الروسية الأخيرة في ريفي إدلب وحلب مع دعوة أطلقتها وزارة الدفاع الروسية لأنقرة، تمثلت بفتح 3 ممرات إنسانية لخروج المدنيين مِن شمال غربي سوريا باتجاه مناطق سيطرة "النظام".
ووضع مراقبون الدعوة الروسية في سياق "البروبوغندا" الإعلامية للضغط على أنقرة، وفي إطار مساعي موسكو لاستقطاب المدنيين في المنطقة، قبيل الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها من قبل النظام، منتصف العام الجاري.
ويشير غياث دك - خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا - إلى أن استهداف منطقة الشمال السوري، والتي ينطبق عليها صفة "المنطقة الآمنة"، يأتي في إطار مخطط يجري تنفيذه لمحاولة إجبار النازحين الفارين من مناطق سيطرة "النظام"، على العودة إليها.
واعتبر أن الهجمات أتت أيضاً رداً على المحاولات التركية لدعم الاستقرار والتنمية في المنطقة من خلال افتتاح الجامعات وتحويل أنظار الشباب تجاه العلم، وفي سياق الجهود لـ"تدمير الثقة بأمن المنطقة في قلوب سكانها".
وأضاف "ما ينطبق على ريف حلب الشمالي ينطبق على إدلب وباب الهوى، لأن الهدف عند النظام وروسيا واحد، وهو إجبار النازحين وسكان المخيمات على العودة لمناطق سيطرة النظام، ولكن ما نشهده مع ازدياد الضربات والقصف، هو ازدياد تمسك المدنيين بموقفهم، ورفضهم العودة لحكم النظام الذي هجرهم وهدم مدنهم وقراهم فوق رؤوسهم".
العودة للعمليات العسكرية وعرقلة الحل السياسي
تندرج الهجمات الأخيرة، في إطار سياسات النظام وحلفائه لفرض الحل العسكري، حسب عبد الباسط عبد اللطيف، الذي ذكر أن روسيا والنظام ينظران إلى كل فرصة لفتح مؤسسات جديدة أو تأمين فرص جديدة للعمل أو تحريك الاقتصاد في مناطق سيطرة المعارضة وكأنها هزيمة لهم، لذلك يسعون بكل وسيلة إلى مواجهتها وتعطيلها وتخريبها واستهدافها.
وأشار إلى أن جميع عمليات القصف التي يستهدف خلالها النظام وحلفاؤه، المناطق المدنية أو المناطق الاقتصادية أو العسكرية، تأتي في إطار استراتيجية شاملة لإسقاط الحل السياسي.
وتابع "أحياناً تكون هناك أهداف تكتيكية من قبل النظام لدعم خروقاته والتقدم من جبهات معينة، وهذا أيضاً خرق للتفاهمات في الشمال، وانتهاك لمبادئ القانون الدولي واتفاقيات جنيف المتعلقة بجرائم الحرب".
رسالة مبطنة للغرب
رأى المحلل العسكري العميد أسعد الزعبي أنّ لروسيا أهدافاً عديدة من التصعيد، مِن ضمنها الضغط على تركيا والفصائل وأيضاً على الدول الأوروبية، خاصة بعد فشل جولة سيرغي لافروف الأخيرة في دول الخليج بإنهاء عزلة النظام.
وجزم "الزعبي" - خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا - بأن الهجمات الروسية تهدف لإجبار تركيا والفصائل على فتح المعابر مع مناطق سيطرة "النظام"، لتخفيف حدة الحصار المفروض عليه.
وكذلك الصحفي ماجد عبد النور ربط التصعيد الروسي بفشل "لافروف" في الحصول على تمويل لدعم النظام أثناء جولته الخليجية، ولذلك لجأت موسكو للخطة البديلة، وهي التهديد بخلق أزمة إنسانية.
وأفاد "عبد النور" لموقع تلفزيون سوريا بأن تركز الهجمات على المرافق الحيوية هو رسالة ضغط روسية على الغرب لتحقيق معادلة: إما رفع الحصار عن النظام أو خلق أزمة إنسانية جديدة تتمثل بموجة لجوء جديدة.
ويعد الانهيار الاقتصادي في مناطق سيطرة النظام، هو الدافع الرئيسي لهذه الهجمات من قبل روسيا، وكأنها تقول للعالم: "يجوع الجميع أو لا أحد"، حسب "عبد النور".
رهان فاشل
أشار الأمين العام للائتلاف إلى فشل المحاولات الروسية مؤخراً في استجلاب واستجداء الدعم من بلدان أخرى، حيث وجد وزير الخارجية الروسي موقفاً حازماً ضد إعادة تعويم النظام، من قبل دول الخليج.
ولعب الرفض الإقليمي للتطبيع مع نظام الأسد أو المساهمة في إنعاشه اقتصادياً، دوراً في دفع روسيا للبحث عن خيارات أخرى من ضمنها تصدير الأزمة التي يشهدها النظام نحو الشمال السوري، لكن "عبد اللطيف" ذكر أن ضرب المناطق الاقتصادية في الشمال لن ينجح في إنهاء الكوارث المتراكمة التي تسبب بها النظام وجرها على الشعب السوري.
ويرى أن الأزمة التي يشهدها النظام ليست أزمة خارجية، إنما أزمة فساد بنيوي مستشري، حيث إن النظام "تحول إلى مؤسسة إجرامية استنزفت كل موارد البلاد خلال عقود من الزمن، وكان انفلاتها استثنائياً خلال السنوات العشر الماضية، ما تسبب في وصول الأمور إلى ما وصلت إليه".
وتابع "يجب أن تفهم روسيا بأن رهانها على النظام فشل، وبأن المجرمين لا مكان لهم في مستقبل سوريا، ولا يمكن تعويمهم بأي شكل من الأشكال".