توسعت زراعة الفستق الحلبي في أرياف حلب الشمالية والشرقية، خلال السنوات الماضية، وأصبحت بديلاً لدى العديد من المزراعين عن مواسمهم التقليدية كـ “القمح والشعير والبقوليات"، على الرغم من ارتفاع تكاليف زراعتها وتأخر سنوات إنتاجها التي تزيد على ثماني سنوات على أقل تقدير.
ويطلق المزارعون على هذه الزراعة اسم "الذهب الأحمر" أو "رزق الملوك"، كنايةً على إيراداتها العالية ودخلها المرتفع، ما أغرى المزارعين بتوسيع زراعتها في شمالي حلب منذ ما يزيد على تسع سنوات.
حصاد الذهب
موقع تلفزيون سوريا التقى بـ المزارع كنان المحمد، أحد الذين قاموا بتجربة زراعة الفستق الحلبي في أرضه بريف مدينة الباب شرقي حلب منذ سنوات وحصد موسمه الأول هذا العام.
ويقول كنان، إن بستاني اليوم يحوي 277 شجرة فستق مثمرة، موزّعة على 15 دونما (هكتار ونصف) في قرية الغندورية، زرعتها منذ تسع سنوات.
ويضيف المزارع، أن هذا العام كان أول موسم أقطف فيه ثمار السنوات التي مضت.
وأوضح أنه في مطلع آب/أغسطس الماضي حصد الموسم وبلغت الكمية طناً ونصف الطن من الفستق الحلبي درت عليه 4.500 دولار أميركي، مشيراً إلى أن سعر الكيلو غرام الواحد من الفستق "ثابت" منذ سنوات وهو ثلاثة دولارات.
وبحسب المزارع، فإن موسمه الأول كان "ممتازاً" مقارنةً بتكاليف الإنتاج والانتظار لسنوات طويلة، لا سيما أن أشجاره لا تزال صغيرة بالعمر فهذا أول قطاف لها.
يقول كنان إن هذا الموسم غطى جميع التكاليف الزراعية منذ بدء زراعة الأشجار مطلع عام 2014.
تكاليف الموسم
تحتاج أشجار الفستق الحلبي إلى عناية فائقة، ويوضح ـكنان أن أرضه تحتاج سنوياً إلى سبع سقايات وست حراثات، وما يزيد على خمسة أنواع من السماد أبرزها "أوريا وفوسفات أسود، والعضوي ومتوازن"، وفق جدول زمني معين.
وأشار المزارع إلى أن الشجرة الواحدة تحتاج كل سنتين تقريباً من 60 إلى 75 كيلو غرام من السماد، إذ يتم وضع هذا السماد على سطح التربة قبل الحراثة ثم يقلب، مشيرا إلى أن بعض البساتين لا يحتاج لسماد عضوي بسبب خصوبتها وغناها بالمواد العضوية والحديد.
وعن التكاليف السنوية التي يضعها مزراعو الفستق سنوياً، أوضح كنان أن سعر طن سماد "اليوريا" وصل اليوم إلى 890 دولارا أميركيا، وهذه الكمية المذكورة تكفي لـ 50 دونما (5 هكتارات)، في حين تبلغ أجرة عامل الحصاد 5 ليرات تركية في الساعة الواحدة.
لكن كنان يقول متفائلاً، مهما ارتفعت كلفة الإنتاج فإن مردود سنة واحدة يغطيها في أسوأ الحالات.
مقاومة الجفاف
يؤكد مدير الزراعة والثروة الحيوانية في صوران شمالي حلب التابعة لوزارة الزراعة في الحكومة السورية المؤقتة، المهندس فاروق حميدي، انتشار زراعة الفستق الحلبي بكثافة في المنطقة نظراً للمردود المادي المرتفع مقارنة بالمحاصيل الأخرى.
وعن أسباب انتشار هذه الظاهرة، يقول المهندس إن ظروف الجفاف التي تضرب المنطقة دفع كثيرا من المزارعين لزراعة أشجار الفستق لأنها قادرة على تحمل الجفاف وذات احتياجات مائية قليلة مقارنة بغيرها من المحاصيل ويكفيها ري تكميلي فقط لتعطي إنتاجاً جيداً.
كما يستفيد المزارعون من أراضيهم، حيث يمكنهم زراعة محاصيل بقولية وخضار ضمن حقول الفستق إلى حين تبدأ الأشجار بالإنتاج نظراً للمدة الزمنية الطويلة التي تحتاجها أشجار الفستق إلى أن تثمر.
وبحسب مدير الزراعة في المنطقة، فإن المناخ الموجود في شمال وشرق حلب ملائم تماماً لزراعة الفستق الحلبي، وخاصّة أن هذه الأشجار تتحمل 50 درجةً مئويةً في فصل الصيف، ودرجات منخفضةً تصل إلى 15 درجةً تحت الصفر في الشتاء، فضلاً عن حاجتها الماسة إلى ساعات صقيعية ورياح معتدلة من أجل الإزهار، كما تعتبر كمية الهطول الأمثل لهذه الشجرة هو 500 إلى 600 مم في السنة.
كما يمكن زراعتها في المناطق ذات الهطول المطري السنوي بين 150-450 مم، ولكن المحصول سيكون قليلا.
الرعاية والصعوبات
تحظى زراعة أشجار الفستق باهتمام ورعاية واسعة، بالرغم من تأخّر إنتاجه إلى ما بعد عشر سنوات، حيث تبدأ الأشجار بالإنتاج بعمر ست سنوات، ولكنها لا تصل إلى الإنتاج الاقتصادي المطلوب عادة حتى عشر سنوات وذلك حسب الظروف البيئية والصنف، إلا أن غلّته ذات مدخول عالٍ، وفقاً لمدير الزراعة المهندس فاروق حميدي.
وعن أهم الصعوبات التي تواجه مزارعي الفستق، يلخصها المهندس بالجفاف وقلة الأمطار واستخدام أدوية من مصادر غير موثوقة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها، فضلاً عن ارتفاع أسعار المحروقات وأجور النقل والتقليم والحراثة والسقاية والأنواع الأخرى للسماد.
المساحات المزروعة
بلغت المساحة المزروعة بالفستق الحلبي 19.149 شجرة في مناطق ريف حلب "المحررة" وفقاً لإحصائية كشفها مدير الزراعة لموقع "تلفزيون سوريا".
كما بلغت تقديرات الإنتاج 18.700 ألف طن، أمّا عدد الأشجار في الدونم الواحد فتتراوح بين 15 إلى 25 شجرةً.
وأوضح المهندس حميدي، أن زراعة الفستق تبدأ أولاً بغرس البذور لإنتاج النصب البذرية، ومن ثم تطعيمها ورعايتها بريِّها وتعشيبها وتسميدها وتقليمها، إذ يجري تطعيم الغراس بنسبة 85% من طعوم الأشجار المؤنثة و15% من طعوم الأشجار المذكرة ومن ثم تخديم الأشجار من تسميد وفلاحة وسقاية وتقليم".
وتتركز زراعة الفستق في شمال حلب في مدن جرابلس والباب واعزاز وصوران، وشرقها في منبج وعين العرب.
قلة الأمطار
بدوره، المزارع أحمد جيجو (56 عاماً)، من مدينة صوران، يملك بستانا للفستق الحلبي يزيد عمره على خمس سنوات، لجأ إلى زراعة الفستق كنوع من تعويض خسارات المواسم السابقة من الشعير والعدس والقمح.
ويوضح المزارع، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، أن سعر طن الشعير هذا العام بلغ 230 دولارا أميركيا، ما يعني أنه لم يُغط كلفة زراعته أساساً.
كما أشار إلى أن قلة الأمطار والجفاف كانا سببين رئيسيين وراء التوجه لزراعة الأشجار له وللعديد من المزارعين في شمال حلب.
وأشار إلى أنه يعتزم مطلع العام القادم زراعة عشرات الأشجار الإضافية من الفستق الحلبي.
وبحسب أحمد جيجو، فإن سعر الشتلة الواحدة يبلغ اليوم دولاراً أميركياً واحداً، وأن أنواعه تنحصر في ثلاثة وهي "العاشوري والورديني والباتوري".
وأوضح أن زراعة شتل الفستق الحلبي شبيهة تماماً بزراعة شجرة الزيتون، ولكن شجرة الفستق تحتاج إلى تغذية باستمرار وخاصّة بالحديد.
ويقول المزارع نلجأ إلى وضع قطع حديد في حوض الشجرة لتغذية التربة وحماية الشجرة من الأمراض والحشرات والحفاظ على قشرتها الخارجية في سنة الحمل وذلك لتتاح الفرصة للشجرة بتخزين أكبر كمية من العناصر فيبدأ الحمل بقوة.
التصدير إلى أوروبا والخليج
التاجر أبو محمود من مدينة الباب شرقي حلب يقول لـ تلفزيون سوريا إن سعر كيلو الفستق الحلبي (المقشر) يتراوح بين 10 إلى 12 دولارا أميركيا، في حين لا يتجاوز سعر الفستق (بقشره) ثلاثة دولارات على حسب جودته ونوعه، والتي تنحصر في نوعين "ورديني وعاشوري".
وأوضح أن هذا العام زاد الطلب خارجياً على الفستق الحلبي السوري، وخاصّة إلى ألمانيا ودول الخليج وتركيا، الأمر الذي انعكس إيجاباً على المزارعين.
وأشار إلى أن الدول الأوروبية تحصر طلباتها في استيراد الفستق الحلبي (المقشر)، ولذلك نقوم بشراء الفستق من المزارع، ومن ثم نقوم بتقشيره ونُزيل الشوائب ونجففه عبر آليات خاصّة.
وبحسب التاجر، تصل كلفة تقشير الطن الواحد لقرابة 35 دولاراً، بينما تصل كلفة تكسير القشور الداخلية وإخراج القلوب إلى 35 دولاراً للطن الواحد أيضاً، وكل ثمانية كيلوغرامات من الفستق بدمه تنتج كيلوغراماً واحداً من قلوب الفستق، إذ يتراوح سعره بين 24 إلى 27 دولاراً وفقاً لجودة الفستق وحجمه والنوع الذي يمتاز به.
وتحتل سوريا المرتبة الثانية آسيوياً، بعد إيران في إنتاج الفستق الحلبي والرابعة عالمياً قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011.
وبلغ إنتاج سوريا من الفستق الحلبي في عام 2011، 56،833 ألف طن، بقيمة بلغت 292 مليون دولار.
يحتل الفستق الحلبي المرتبة الخامسة بين المحافظات السورية لجهة المساحة المزروعة بمساحة تصل إلى 58،953 ألف هكتار وإنتاج يقدَّر بأكثر من 65 ألف طن حسب المجموعة الإحصائية التابعة للنظام السوري لعام 2020.
كما تشير إحصائية الناظم للعام 2022، إلى أن عدد أشجار الفستق الحلبي تقدر بـ9 ملايين و500 ألف شجرة، منها 3 ملايين و250 ألف شجرة في حماة، التي تحتل المركز الأول إنتاجياً بأكثر من 31 ألف طن، ثم إدلب بأكثر من 16 ألف طن، تليهما حلب بأكثر من 15 ألف طن، وأخيراً حمص والسويداء بـ1،495 طنا.