بعد أربع سنوات من التهجير القسري والذي كان في عام 2017 لأهالي القابون الذين رفضوا التسوية مع النظام نحو الشمال السوري ومنع أهلها الذين بقوا بالمنطقة من العودة لزيارة بيوتهم، بدأ النظام بالتصريح لأهالي القابون بالعودة وسمح بإصدار تراخيص لإعادة بناء البيوت المهدمة بشرط حمل وثائق تثبت ملكية المنزل وأن يكون المنزل موجودا وغير مهدم بالكامل والدخول إلى القابون مشيا على الأقدام من دون سيارات.
وقالت السيدة سميرة (50 سنة) في حديثها لـ موقع تلفزيون سوريا إنها توجهت إلى آمرية الطيران (فرع تابع للمخابرات الجوية) بمنطقة البرامكة بدمشق لاستصدار ترخيص من أجل تصليح منزلها المقصوف جزئيا بمنطقة القابون والذي يقع على أطراف المدينة وهذه المنطقة سمح النظام لأهلها بالعودة، فدفعت رشاوى مالية للموظفين لتحصل على الرخصة بسرعة وتتمكن من البدء بتصليح المنزل.
وأضافت "سميرة" أنها عندما ذهبت إلى منزلها في القابون فوجئت بعدم السماح للأهالي بالدخول إلا مشيا على الأقدام وفقط من يمتلك علاقات مع الأجهزة الأمنية باستطاعته الدخول بالسيارة وكما قالت إن المنطقة المسموح بالإعمار فيها هي فقط أطراف القابون التي تعرضت لتدمير جزئي، أما منطقة وسط القابون التي تدمرت بشكل كامل فلم يسمح النظام لأصحابها بإعادة إعمارها.
وبحسب مصادر خاصة لـ موقع تلفزيون سوريا، تعتبر منطقة حي برزة من المناطق التي لم تدمر بشكل كبير على عكس حي القابون، فكانت عودة الأهالي إلى منازلهم أسهل، لعدة أسباب من أهمها أن حي برزة لم يتعرض لتهجير قسري بحجم تهجير حي القابون.
إعادة تأهيل المنازل المدمرة على يد أصحابها
وعلى جانب آخر، تشهد الغوطة الشرقية حركة إعادة إعمار للمنازل المهدمة على يد أصحابها لتأهيلها لتصبح صالحة للسكن، ولم يلاحظ أي تدخل من حكومة النظام بإعادة الإعمار، إلا أن ارتفاع أسعار مواد البناء تزامناً مع هبوط سعر صرف الليرة السورية كان العائق الأبرز في وجه إعادة تأهيل المنازل.
ويحتاج صاحب المنزل لاستصدار رخصة بإعادة إصلاح المنزل إلى أوراق ملكية للعقار يتوجه بها إلى المجلس المحلي في منطقته لمنحه هذه الرخصة، إضافة إلى دفع رشوة مالية للموظفين على الرغم من اكتمال أوراقه بحسب ما أكدته عدة مصادر من الغوطة الشرقية.
وقال أحد سكان مدينة دوما، لقب نفسه "أحمد"، إنه ذهب إلى المجلس المحلي لمدينة دوما لاستصدار أوراق بدل ضائع لإثبات ملكيته فأخبره موظف في المجلس بدائرة النفوس أن يعود بعد شهرين أو ثلاثة لأن أوراقه من الصعب جدا استخرجها، فخرج من المكتب ليوقفه موظف آخر طالبا منه رشوة مالية لإعطائه أوراقه بسرعة، وبالفعل بعد أن دفع له مبلغا ماليا أعطاه الثبوتيات بشكل سريع وتوجه إلى مكتب رئيس المجلس المحلي السابق نبيل طه الذي رفض أيضا توقيع الأوراق الثبوتية حتى دفع مبلغا ماليا له، والجدير بالذكر أنه وبسبب الدعاوى المقدمة من الأهالي وتهم الفساد التي لحقت برئيس المجلس المحلي نبيل طه تم توقيفه وهناك أنباء متضاربة بشأن مصيرة.
حركة عمرانية ضعيفة في مدينة دوما
وفي مدينة دوما (المنطقة المنظمة إدارياً) لا يسمح بإعادة الترميم من دون استخراج الرخص اللازمة، أما في المزارع ومناطق المخالفات فمعظم الأهالي أعادوا تصليح منازلهم من دون رخص للبناء، بل بدفع رشاوى مالية صغيرة للدوريات التابعة للنظام والتي تقوم بجولات كشف في تلك المنطقة بحسب ما أكدته مصادر من مدينة دوما لـ موقع تلفزيون سوريا.
ولم تشهد المدينة حركة عمران لأبنية جديدة باستثناء بناءين فقط منذ عودة سيطرة النظام إليها عام 2018، أما فيما يتعلق بالمرافق الرسمية كالمحكمة والبلدية والمدارس فقد قام بعض رجال الأعمال من أبناء المدينة بالتبرع وإعادة إعمارها ومن أشهر الشخصيات التي قامت بذلك عامر خيتي الذي تم إدراج اسمه في آخر لائحة عقوبات صدرت عن وزارة الخزانة الأميركية حيث تم الحديث عن علاقته بالعمل مع أسماء الأسد وتشكيله واجهة لها في الغوطة الشرقية فقد قام بالتبرع لإعادة بناء شعبة التجنيد في دوما والمحكمة وبعدها ترشح لمنصب عضو مجلس الشعب عن محافظة ريف دمشق ونجح في الانتخابات الأخيرة.
ويتحدث الحاج "أبو محمد"، المقيم في مدينة دوما، بأن منزله المكون من ثلاثة طوابق تعرض للقصف بشكل كبير وتهدم جزء كبير منه وهو آيل للسقوط، ولم يتخذ المجلس المحلي أي إجراء من إجراءات الحماية لإزالة الأجزاء الآيلة للسقوط في أي لحظة، فقام بتصليح غرفة فقط في الطابق الأرضي مع منافعها وعاد للسكن بها على الرغم من الخطر المتوقع بهبوط البناء، ولكنه لا يملك المال لإعادة بناء المنزل فضلا عن استخراج ترخيص.
وبحسب المصادر تشهد المحال التجارية المدمرة إعادة إعمار جزئية، حيث يقوم بعض أصحاب العقارات بترميمها للعمل بها أو بيعها، وتفتقر المدينة إلى أي شكل من إصلاحات البنية التحتية حيث ما زال الأهالي في المدينة يعتمدون على المولدات الكهربائية الخاصة لاستخراج المياه وشحن البطاريات للإنارة.
المقار العسكرية تمنع أهالي المليحة من ترميم منازلهم
وفي مدينة المليحة بريف دمشق ومنذ سيطرة قوات النظام بشكل كامل على المدينة، إلا أن شوارعها تشهد حالة دمار جزئية رغم عودة بعض الأهالي إليها، وتقول السيدة "أم ياسر" (اسم غير حقيقي) إن بيتها مؤلف من طابقين، والطابق الثاني مهدم بشكل كبير وأما الأول فلا يصلح للسكن، فاحتاج منها الأمر إلى استصدار ترخيص لهدم الطابق الثاني ثم ترخيص منفصل لهدم الطابق الأول وإعادة إصدار تراخيص جديدة لإعادة إعمار كل طابق على حدة، واضطرت للحصول على هذه التراخيص إلى دفع رشاوى قدرتها بمبلغ 2000 دولار أميركي، لتسهيل حصولها على الأوراق المطلوبة.
بدوره، قال الشاب نور الدين، من سكان المليحة إنه عاد مع أهله إلى منزلهم على الرغم من دماره وعدم قدرتهم المالية على ترميمه وذلك بسبب ارتفاع إيجارات المنازل في دمشق والمناطق المحيطة بها، وأجبرتهم الظروف على العودة رغم انعدام شبه كامل للخدمات في المدينة.
ويضيف نور الدين أن هناك مشكلات وعوائق تواجه الأهالي في إعادة ترميم منازلهم، والتي تشرف بشكل أو بآخر على قطع عسكرية أو مناطق يعتبرها النظام مناطق عسكرية، خاصةً تلك التي تقع بالقرب من إدارة الدفاع في المليحة وفي عربين وحرستا القريبة من إدارة المركبات.
استحواذ شركات إيرانية على إعادة إعمار مدن الغوطة
منذ سيطرة النظام على مدن الغوطة الشرقية الكبرى (حرستا وعربين ودوما) عام 2018، تناقل الأهالي في هذه المدن إشاعات عن نية مستثمرين إيرانيين ببناء أبراج سكنية في مناطق القابون وحرستا وعين ترما وجوبر إلا أن العقوبات الاقتصادية التي استهدفت الشركات الإيرانية منعتهم من البدء بهذه المشاريع، بحسب أحد تجار البناء من المنطقة.
بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية، فإن غلاء المواد الأساسية للبناء، منعت الأهالي في حرستا من إعادة ترميم منازلهم، ولا تشهد المنطقة حركة إعادة إعمار، إلا أن بعض أصحاب المنازل يرممون على حسابهم الشخصي.
وتقول سيدة من سكان حرستا لقبت نفسها "أم فراس" إن زوجها قتل في بداية الثورة السورية تاركاً خلفه أربعة أطفال، وتهدم منزلها بسبب القصف على مزارع حرستا، ولكنها عادت إليه رغم دماره للعيش فيه والتخلص من دفع الإيجارات الشهرية، فكيف لترميم منزل بأكمله؟ تتساءل.
ويقول أحد سكان مدينة سقبا، فضل عدم الكشف عن هويته لـ موقع تلفزيون سوريا، إن الأنقاض موجودة في الشوارع ومعظم الأبنية المتضررة لم يتم إصلاحها بشكل كامل فعن أية إعادة إعمار يتم الحديث؟
في حين يبقى سكان مدينة جوبر التي شهدت حملات قصف مكثفة من طائرات قوات النظام، ممنوعين من الدخول إليها أو إعادة ترميم منازلهم في ظل تخوف الأهالي من السؤال عن منازلهم أو إمكانية الدخول إليها.