تسلمت فرقة "السلطان سليمان شاه" بقيادة محمد الجاسم، المعروف بـ"أبي عمشة"، أحد أكبر الفصائل المُقاتلة في "الجيش الوطني السوري"، خلال الأيام الماضية، نقاطاً عسكريةً ساخنة على جبهات ريف حلب الغربي المقابلة لجبهات النظام السوري وإيران، في حين عزّزت تلك النقاط بأسلحة وعتاد متطور وسط عزمها لإنشاء غرفة عمليات مشتركة مع هيئة تحرير الشام العاملة في المنطقة.
وبحسب معلومات حصل عليها موقع "تلفزيون سوريا" عن مصدر مطلع على شؤون الفصيل فإن "فرقة السلطان سليمان شاه" تسلمت خمس نقاط من "هيئة تحرير الشام" في ريف حلب الغربي، ودعمتها بالعناصر والأسلحة المتطورة والعتاد الكامل.
ووفقاً للمعلومات فإن كل نقطة تحوي على 50 عنصراً يتناوبون على أربع مجموعات؛ كل مجموعة تتألف من 12 عنصراً على مدار 7 أيام متواصلة في الشهر، مقابل أجر شهري يبلغ 1000 ليرة تركية (ما يعادل 40 دولاراً أميركياً) للعنصر، في حين يتقاضى قائد المجموعة 1500 ليرة تركية (ما يعادل 60 دولاراً أميركياً).
ولفت إلى أن فرقة "سليمان شاه" دعمت النقاط التي تسلمتها بـ300 دراجة نارية جبلية حديثة من نوع "R.Rex" مُحمّلة برشاشات من عيار 12.5، وسيارات دفع رباعي من نوع "تويوتا" تعدادها 50، بالإضافة إلى سيارات "شاص"، وراجمات صواريخ ومدافع ثقيلة من عيارات "60 – 80 – 120 – 180"، وقناصات أميركية ومناظير حرارية متطورة، وأسلحة روسية وأميركية فردية لكل عنصر من نوع "AK – M16"، ولباس عسكري متطور يُميز به عناصر اللواء عن باقي العناصر الأخرى.
وذكرت المصادر ذاتها لـ"تلفزيون سوريا" أن القائد العام لهذه النقاط والذي يُطلق عليه صفه أمير القطاع يدعى "أبا بكر" ويقطن مدينة حارم بريف إدلب الشمالي الغربي.
وأشار المصدر إلى أن عناصر فرقة السلطان سليمان شاه تعمل في الريف الغربي تحت مسمى "لواء جند الرحمن" والذي يُعرف في منطقة إدلب بـ"جيش عمر"، وأن جميع المهام الصادرة لعناصر سليمان شاه مختومة من اللواء آنف الذكر.
يقول المصدر إن فرقة سليمان شاه تعتزم خلال الأسبوع القادم إنشاء غرفة عمليات مركزية في الريف الغربي مهامها تنسيق عمليات الرباط والرصد ضد النظام السوري وإيران، دون معرفته مكان غرفة العمليات على وجه التحديد.
جبهات ريف حلب الغربي
وتمتد خطوط التماس بين فصائل المعارضة السورية والنظام السوري في ريف حلب الغربي بدءاً من جبهات مدينة دارة عزّة حتى جبهة كفر نوران في مسافة تُقدر بـ30 كم، إذ يُعتبر الفوج 46 أحد أكبر النقاط العسكرية للنظام غربي حلب والتي تقابله نقاط رباط "كفر عمة" و"المداجن" و"الوساطة"، لإطلالتهم المباشرة على الفوج 46 وقربهم منه مسافة 100 متر تقريباً عن أقرب نقطة للنظام.
وتعتبر أكثر النقاط سخونة هي جبهات "الوساطة" و"كفرنوران" بسبب قرب بعضها مسافة 25 متراً فقط عن نقاط النظام السوري، والتي يفصلها ألغام أرضية وأشجار زيتون بين الطرفين، من شأنها أن تمنع تقدم الطرفين.
ويتمركز من جهة مواقع النظام عناصر من جنسيات مختلفة في معظمها تتبع لميليشيات إيرانية ولبنانية وأفغانية، في حين تغيب المواقع العسكرية التابعة لروسيا عن تلك الجبهات.
تطبيع أبي عمشة لـ"الجولاني"
بدأت أولى مراحل التطبيع بين الفصيلين في صيف 2021 وتحديداً في شهر أيلول، عندما أعلن أبو عمشة استعداده للتفاهم مع "هيئة تحرير الشام".
ونقلت صحيفة "القدس العربي" في ذاك الوقت عن أبي عمشة قوله "لا ننكر عمل تحرير الشام في القتال ضد النظام، وهم أبناء هذا البلد، وقد صدوا هجمات النظام كثيرا، ونحن مستعدون للتفاهم معهم، ونؤيد الاندماج الكامل لمناطق المعارضة".
وجاءت تصريحات أبي عمشة وقتها بعد تداول أنباء عن محاولات تشكيل مجلس عسكري موحّد يجمع جميع الفصائل العسكرية في مناطق سيطرة المعارضة بالشمال الغربي من سوريا.
وعقب تلك التصريحات، ظهر الجولاني في تصريحات أشار فيها إلى أن السكان في المناطق الواقعة في مناطق "درع الفرات وغصن الزيتون" يرغبون بدخول "هيئة تحرير الشام" إلى مناطقهم للخلاص من حالة الفوضى والانتهاكات والفلتان الأمني هناك.
ما وراء الانتشار
اعتبر المحلل العسكري والضابط المنشق عن النظام السوري العقيد أحمد رحال، في تصريح لموقع "تلفزيون سوريا"، أن تحركات أبي عمشة في الريف الغربي ما هي إلا مصالح مشتركة بينه وبين زعيم تحرير الشام "أبي محمد الجولاني" ولحماية بعضهما.
ولكن الباحث في مركز "جسور للدراسات"، عبد الوهاب عاصي، لم يرجح في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أن تكون النقاط العسكرية المنشأة لفرقة "السلطان سليمان شاه" غربي حلب بتوجه تركية، بقدر ما هي خطوة استباقية من قبل "هيئة تحرير الشام" التي تسعى لتعزيز قدرتها على الوصول لمناطق شمال حلب، خصوصاً في حال أصرّت أنقرة على عدم بقائها في المنطقة، وهذا يتطلّب تعزيز الشراكة والعلاقة مع بعض فصائل "الجيش الوطني"، التي اختبرت سابقاً التعامل معهم مثل فرقة "السلطان سليمان شاه" وفرقة "الحمزة" و"حركة أحرار الشام - القاطع الشرقي"، وآخرين، وفق قوله.
وأضاف العاصي أنه "ربّما تأمل الهيئة من هذه الخطوة أن تقلل من حدّة أي تشدّد محتمل ضدها خلال الفترة المقبلة من قبل تركيا بعد الحديث عن تغييرات قد تطول الفريق المسؤول عن إدارة الملف السوري في جهاز الاستخبارات".
وأشار إلى أنه "في إطار تعزيز الشراكة بين هيئة تحرير الشام مع هذا الفصيل أو غيره قد لا تكتفي الهيئة بمنحه نقاطاً في مناطق غرب حلب التي تقع على خطوط التماس مع قوات النظام السوري، إنما إشراكه في أي عمليات قتالية خلف الخطوط أو على الخطوط في هذه المنطقة أو حتى الانخراط في هجمات أوسع محتملة، وهو ما يُمكن أن توظّفه الهيئة في دعايتها ضد الفصائل المنافسة لها في الجيش الوطني وكذلك أمام الحواضن الشعبية في عموم مناطق المعارضة".
من هم "العمشات" وقائدهم
يُطلق على اسم الفصيل "فرقة السلطان سليمان شاه" ولكنه يعرف محلياً بـ"العمشات" وهو أحد أكبر الفصائل المدعومة في "الجيش الوطني السوري" من حيث العتاد العسكري (عناصر وعتاد)، إذ يُنظم الفصيل عشرات الدورات العسكرية بشكل دوري، والتي تتميز عن غيرها بمهام القتال والتعلم على الأسلحة الحديثة، وكان أكبر دورة نظّمها الفصيل هي دورة "ذئاب الشمال" التي أضيف بموجبها 2000 مقاتل إلى الفصيل.
وتسوّق فرقة سليمان شاه على أنها فصيل تركماني يتبع لـ "الجيش الوطني"، باعتبار أن قائدها وغالبية عناصرها ينحدرون من القومية التركمانية في سوريا، ولكن مصادر "تلفزيون سوريا" تؤكد أن غالبية عناصر الفصيل ينحدرون من ريف حلب الشمالي وريف حماة الشمالي، وغالبيتهم من أبناء العشائر.
وأمّا قائد الفصيل محمد الجاسم، المدعو "أبو عمشة"، فيبلغ من العمر 36 عاماً فقط (من مواليد 1987)، وولد في قرية جوصة التابعة لمنطقة حيالين بريف حماة الشمالي، وهو من قبائل البدو العربية، إذ كان عمله قبل اندلاع الثورة السورية سائق حصادة زراعية.