في العام 2022 ساد الاعتقاد بأن العام التالي والذي أنهينا شهره الأول هو عام الحلول بعد التعقيدات التي عاشها الكوكب في السنة الماضية وما سبقها، وذلك لمجموعة اعتبارات أولها: أن الصراع الروسي الأوروبي وصل إلى طريق عسكري شائك يجب أن يوصل طرفي النزاع إلى الاقتناع بضرورة الحل السياسي وهو ما سيفتح باب التهدئة وبالتالي الأمن والانفتاح الاقتصادي، وكذلك يفتح الباب أمام القوى الكبرى للتفكير في قضايا أقل أهمية بالنسبة لها كقضايا الشرق الأوسط وهو ما سيسهم في حلحلتها.
بالمقابل ساد اعتقاد بأن انفتاح تركيا على نظام الأسد سيوصل إلى حل قريب في سوريا، لكن مع انطلاق العام تبدو الأمور أعقد من ذلك.
صحيح أن تركيا تسعى للتقارب مع "الأسد" ولكن ذلك لا يعني تطبيعاً مع النظام، فقد سارع وزير خارجية تركيا إلى زيارة واشنطن لتبرير الموقف، وأكّد للجانب الأميركي أن تركيا لا تسعى للتطبيع مع "الأسد" بل لتركيا مصالح في سوريا وخاصة في الجانب الشمالي، وهي تحاول الاستعاضة عن العملية العسكرية بأدوات أقل كلفة كما أن الموضوع متعلق بالواقع التركي السياسي الداخلي.
طمأن وزير الخارجية أيضاً بخصوص موضوع اللاجئين وبأنهم لن يجبروا على العودة ولكن تركيا ستحاول تأمين بيئة آمنة لهم في الشمال السوري، كذلك، التقى الوزير بممثلي المعارضة السورية في أثناء زيارته ليؤكد على دعم بلده للمعارضة. إذاً، فمن غير المتوقع أن يحدث تطبيع تركي مع "الأسد" أو حتى الوصول إلى حل للوضع في سوريا عامة.
"الأسد" يفهم ما تصبو إليه تركيا ولذلك لم يتشجع للطرح التركي، أما لو كان الأمر تطبيعاً وسعياً لتثبيت "الأسد" لكان سارع في إنجاز الأمر ولكن الأمر لا يعدو كونه تحريك حجر في اللعبة السياسية التركية أكثر منها السورية..
على الطرف الآخر، فإن "الأسد" يفهم ما تصبو إليه تركيا ولذلك لم يتشجع للطرح التركي، أما لو كان الأمر تطبيعاً وسعياً لتثبيت "الأسد" لكان سارع في إنجاز الأمر ولكن الأمر لا يعدو كونه تحريك حجر في اللعبة السياسية التركية أكثر منها السورية، لذلك، تبدو سوريا معقدة بدرجة أكبر من حلحلة أزماتها أو جزء منها هذا العام وهو ما ينعكس بشكل حاد على المواطن السوري الذي تتفاقم معاناته الاقتصادية يوما بعد يوم.
على صعيد متصل، في منتصف الشهر وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، اندفع لإجراء جولة من لبنان إلى سوريا ليؤكد إمساك بلاده بأوراق أساسية في اللعبة السياسية السورية وبأن تركيا لا يمكنها الاكتفاء بالمرور عبر روسيا إلى سوريا، بل إن إيران لاعب رئيس تجب مراعاته في أي اتفاق يعقد مع "الأسد". ساعد إيران في هذا الطرح نظرة "الأسد" لمصلحته خارج نطاق المسعى التركي الروسي المطروح وهو ما أفاد إيران وقدمها كممسك بعدد مهم من خيوط "الأسد".
جولة "عبد اللهيان" وقفت كذلك على استعراض واقع المحور داخلياً وهو الذي يمر بفترة صعبة، فسمعة إيران أصبحت مرتبطة بالانهيارات الاقتصادية والفقر والميليشياوية. فإضافة إلى ما تعانيه إيران من ضائقة اقتصادية وقمع للحريات بلغ ذروة لم يبلغها من قبل، يتعقّد يومياً واقع العراق الاقتصادي والاجتماعي مع انهيار سعر صرف الدينار.
إن تشكيل حكومة عراقية موالية لإيران وتمريرها أميركياً في البداية أوحى بأن اتفاقاً حدث بين الطرفين، إلا أنّ أميركا عادت لتشدد الخناق على الحكومة العراقية - وهي التي تعتمد على النفط بشكل كلي وهو القطاع الذي ينخره الفساد الإيراني- متسببة بآثار سلبية بالغة على واقع العراق النقدي والاقتصادي وبالتالي الاجتماعي والسياسي الذي ينعكس يومياً في الشارع العراقي الذي يعود إلى الغليان.
أما بالنسبة إلى إيران فتعول على إنجاز الاتفاق النووي للخروج من مأزقها الاقتصادي على الرغم من محاولة إيجاد بدائل مالية كفتح خط مهم مع الصين، هذا الاتفاق المنتظر يتعقّد مع القيادة الإسرائيلية الجديدة التي كثّفت ضرباتها لإيران وأذرعها كان آخرها ضرب شرقي دير الزور، وارتفاع درجة الاحتقان في الضفة الغربية بين المقاومين وإسرائيل، وهو ما يؤثر بشكل غير مباشر على إيران التي تتبنى المقاومة وتعتبر فلسطين أهم ساحاتها الاستراتيجية.
أما بالنسبة لجولة المفاوضات الجديدة المتوقعة بين إيران والسعودية فإن الملفات فيها شائكة ومن الصعب اختلاف هذه الجولة عن سابقاتها والتي يمكن أن تصل في أحسن أحوالها إلى تهدئة مرحلية في اليمن ولا يمكن أن تحل أزمة أقلها في المدى القريب.
أما بالنسبة للبنان الذي تتسلح فيه إيران بأقوى أذرعها، حزب الله، فقد تراجع الحزب سياسياً وهو عاجز اليوم عن الإعلان عن مرشحه وفرضه على حلفائه، ناهيك عن الطرف المقابل من دون أن ننسى تحميل حزب الله مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع المعيشية في لبنان، كونها سمة السيطرة الإيرانية. إذاً، فالمحور الإيراني يختنق وهو ينقل هذا الاختناق إلى الشعوب العربية بدلاً من تحمل أي مسؤولية أو التخلي عن مجالات معينة بهدف التخفيف عن الشعوب.
في المحصلة، لا يبدو أن مشهد العام 2023 في الشرق الأوسط وردياً مع انطلاقته، فالحل في سوريا بعيد والسلام في اليمن متعثر، والنزيف المصري والأردني متواصل، والعقم السياسي في لبنان خانق، والانعزال السعودي يتصاعد، والانفجار في العراق غير مستبعد، ولا يُعرف اليوم في كل الملفات مَن يسبق: الانفجار أم الحلحلة السياسية.