"عندما ينام السجناء ويغادر الكل المستشفى
يطير قلبي ليحط على بيت مهدم في اسطنبول
كل ليلة أيها الطبيب
ومنذ عشر سنوات
ليس لدي ما أقدمه لشعبي الفقير
سوى هذه التفاحة التي في يدي
تفاحة واحدة حمراء؛ هي قلبي
هذا هو سبب الذبحة الصدرية أيها الطبيب".
قد يكون المقطع أعلاه من قصيدة الشاعر التركي (ناظم حكمت) عتبة مناسبة للدخول إلى محور نجد فيه من الأهمية ما يمكن أن يجعلنا نكرس بقية حياتنا في الكتابة عنه والبحث فيه، وهو شعر الاغتراب والمهجر أو ما بات يسمى بـ "شعر الشتات" في حالته الحديثة، وفي حالته السورية على وجه الخصوص، وإننا إذ نختار مقطعاً من قصيدة غير عربية بداية لحوار مع شاعريين عربيين، فهذا لأن الشعر قضية كونية في بعض جوانبه، مشاعر وهواجس مشتركة بين الشعراء مهما اختلفت جنسياتهم ولغاتهم.
وبالعودة قليلاً إلى الشعر العربي في المهجر ومنذ بداية ظهور هذه التسمية فلا بد أن نذكر كما بات معروفاً الخصائص الموضوعية التي يرتكز عليها مثل: الحنين، الامتزاج مع الطبيعة، تأمل النفس البشرية، نشر المبادئ الأخلاقية، الابتعاد عن المباشرة.
والخصائص الفنية التي تتمثل بــ: بساطة اللفظ، الوحدة الموضوعية، الاهتمام بالصورة، التمرد على شكل القصيدة، استخدام القصة.
بين شعر المهجر والشتات السوري
ويخطر لنا أن نأخذ هذه الخصائص ونقارنها مع نتاج شعراء الشتات حاليًا، ونقف على مدى التقارب والاختلاف بين الحالة -تلك البِكر- للشعر المهجري مع ما يُكتب اليوم ويُنشر بمختلف الوسائل ويُترجم من نتاج شعراء اليوم؛ لاسيما على مستوى القصيدة الحرة أو قصيدة النثر. وكثيراً ما نقف أمام أسئلة مباشرة، ربما يكون أكثرها إلحاحاً:
- هل يتبع نتاج شعراء هذه المرحلة (الشتات) إلى أدب المهجر أم إن له تصنيفاً مختلفاً وله خصائص مختلفة بحسب المرحلة؟
ولرغبة ملحة في رصد إجابات الشعراء حول نقاط محورية وعديدة في هذا الجانب؛ كانت لنا وقفة مع شاعرين سوريين يمكن لكل من قرأ نتاجهما الشعري على مدى السنوات الماضية، أن يلمس فيه تجليات الحالة ورسوخها في الذات ووضوحاً في التشظي الذي بات السمة الأبرز لأدب المرحلة.
البداية مع الشاعر "تمام هنيدي" الذي يجيب بالقول:
- الأمرُ باعتقادي يتعلّقُ بالمشاعر. بإحساسِ الاغتراب نفسه. هذا يعني أننا قد نجدُ تجاربَ يُمكنُ أن تُطلَقَ عليها صفةُ المهجريّة رغم أنّها لم تبرح المكان. استنادًا إلى تعريف الأدب المهجريّ طبعًا. ثمّ إنّ هناك تجارب غادرَ أصحابُها المكانَ وبدأوا حياتهم وكتابتهم في أماكنهم الجديدة، ممارسينَ قطيعةً مع المكانِ السابق، والمشاعرِ السابقة ربما، والكتابة السابقة. وهؤلاء لا يكتبون بالضرورة قصائدَ مهجرية، فمقدرتهم على البداية من حيثُ وصلوا لا من حيثُ جاؤوا تجعلُ مشاعرَ المنفى لديهم أقلّ وطأةً من سواهم. هذا ما أظنّه، وهو يحتاجُ إلى تفكير طويل وعميق في الحقيقة.
"عرفت أبًا سويديًا
مات ابنه في إعصار تسونامي،
فجلب جثته وأحرقها
وذرا رمادها في البحيرة.
لا شيء؛ رماد.
هكذا ينتهي الإنسان
رمادًا في بحيرة.
بينما
ينبت موتانا وردًا
وشوكًا
وقمحًا
وفاكهة لأمسياتنا..
نحن الذين لا يموتون
ولا يحبون الموت".
أما الشاعر "وفائي ليلا" فله رؤيته المختلفة:
- لا أفهم ما المقصود بالنوع الذي تسميه "الأدب المهجري" بالضبط! كنت وحيدًا في كل مكان مررت فيه قبل أن آتي إلى هنا، وكانت الأشياء أجنبية كذلك. الشاعر كائن مفرد وهو بالتالي غريب إلى حد ما عن أي مكان يوجد فيه وعن ثقافته وخياراته وما يهوى حتى لو كان ذاك المكان وطنه. لا أعرف إلا مدرسياً أنه كان هناك "أدب مهجري" حدث في بداية القرن الماضي وكان جبران أحد أهم رموزه، وأظن الآن أن هناك في أوروبا وسواها نتاج أدبي وجمالي ما، أعتقد أنه من المبكر تصنيفه. ما أجده أنا وألاحظه أن هناك كثيرين لم يغادروا أمكنتهم رغم أنهم هنا منذ زمن ليس بقصير ولكنهم لم يصلوا إلى أوروبا بعد، وبالتالي لغتهم الأولى وحساسية وموضوعات ما يكتبون ظلت كما هي، ولكن هذه المرة لأنهم عاجزون عن الدخول في العالم الجديد كموضوعات وتقنيات وطرق للتعبير. إنهم ما زالوا يراوحون فيما هم فيه، ولم يتغيروا أو يستطيعوا أن يلجوا الجديد على الأرجح ويحتاجون للوقت ربما.
انعكاسات المحيط الجديد
وعن الأدوات التي أضافتها البيئة الجديدة إلى قصيدة وفائي ليلا، وما الذي تغير في أسلوبه بعد الانتقال من بيئة الحرب إلى بيئة السلم، يقول:
- أهم ما تغير بقصيدتي هو هذا القلق الذي يتجول في الشوارع، يرمق الطبيعة والأشجار والأنهار المحيطة من كل صوب ويراقب المدن والناس، وثمة عيون زرق تلتمع مثل زجاج معشّق يومض مثل مستحيل صعب فهمه أو التكهن بما يعتمل في خفاياه وكيف يحيا أو يرى أو يقيّم المجهول المتأتي من مساحات شاسعة لعالم جديد تماماً بكل أسئلته ولغته الغامضة المموسقة والتي تتميز بشهقات صغيرة بين الكلمات هي بمثابة فاصل لا تعرف ما دلالتها عند السويديين. ربما الحرية بكل تجلياتها أثرت كذلك وانحسار خوف ما، وتقدم خوف آخر هو ما حدث. أنت هنا أقوى بلحظات، وأضعف حين يتطلب الأمر الانسجام والدخول في المجتمع وتعلم اللغة والعمل.
موضوعات نصوصي صارت مشحونة بالأسئلة والمستقبل، بالتحقيقات، بعذابات اللاجئ الأولى وتأتأة خوفه لأنه يواجه من يطلب الوثائق والأدلة كل مرة كي لا تنطلي عليه مشاعر الالتصاق بأم متخيلة، هي هذه البلاد وأنت مذعور تتمسك بطرف ثوبها وهي تشترط بالنهاية أنك لا تخادع أو تقدم أو تقول ما ليس يليق أو يناسب
ولكنك يجب أن تقوله في النهاية لأنك أنت.
لم أكن ذكيًا لأكتب شعرًا مُعقدًا
ولم أكن طفلًا سعيدًا كي أحظى بالتفوق
في يوم ما
أو أكون أقل ارتباكًا
لقد كنت أتبول في فراشي إلى سنوات متأخرة
أتأتئ إلى عمر متقدم
أمي التي ما فتئت تدعو عليّ
وعلى الطبيب الذي لم يستطع أن يحل مشكلتي المُزمنة تلك
عجزه عن سلسٍ
يُغرقُ الكون
كنت الأوسط بين الجميع
الشخاخ
والخجول
والمرتبك
ابتلعت لساني مبكرًا
كان الهلع رفيقي الوحيد
الهذيان
وأحلام اليقظة، تسليتي الأكيدة
اخترعت أطيافًا أحادثها طوال الوقت
أشخاصاً؛ لأعوض فقدان كلّ الذين كانوا يتزاحمون من حولي
فتْكَ الكثيرون بي
وأحالني الخوف إلى الانتقام،
فكتبت!
لم أكن مراهقًا واثقًا
صفعات الريبة، توالت بلا حساب
كانت مُخيلتي ضدي
وشهقاتي كانت سجل للندم
ودفاتر للخطيئة
قضمت أظافر الذنوب جميعًا
استهلكت أرصدة النجاة
دون تأخير
عن السؤال ذاته يجيب تمام هنيدي:
- لعلّ الأثر الأكبر الذي تركتهُ السنوات التي عشتُها في السويد على كتابتي، وهنا أعني السويد تحديدًا وليس المنفى بالمعنى العام، كان في توسيع مساحة التفكير والتأمل، ليس في الكتابة وحدها، بل في الحياة بشكلٍ عام. الأمر يتعلّقُ بالمدّة الزمنية التي يقضيها المرء مع نفسه هناك، وبانحسار دوائر العلاقات الاجتماعية إلى حدودها الدّنيا في فترات، وبما أنّ مُحرّكَ الكتابة هو التفكير، وبما أنّ العزلةَ والوحدة تُمدِّدان الزمن، فإنّ التأمّلَ والتفكير كانا أكبر آثار سنوات الحياة هناك.
اكتشافُ حجمِي الفعلي، الذي يكادُ يكونُ مجهريًاً، مقارنةً بما يحتويهِ الكونُ من حيوات، والانتباهُ إلى فكرةِ اقتسامِ المساحة مع باقي أحياء الأرض من بشر وحيوانات ونباتات، ومحاولة نسجِ علاقةٍ ما مع الأرواحِ الشريكةِ هذه، من خلالِ احترامِ المساحة التي أشغلُها وتشغلُها، لعلّ هذه الأفكار كانت من أثمن ما أضيفَ إلى طريقة تفكيري، ومن ثمّ إلى محتوى كتابتي خلال سنوات الحياة في السويد. ناهيك عن ذلك الإحساس العميقِ بالضعف والهشاشة، وهما بالنسبةِ لي ميزتان مهمّتان في تكوين وسيرورة الشّعر الذي أحبه. أسلوبيًا أيضًا، فرضَ البردُ نفسهُ على الأفكار وعلى طريقة التعبير عنها. أظنّني بتُّ أكثر هدوءً كشخصٍ وكطريقة كتابة بعد هذه الرحلة. وهذا توصيفٌ لا يحملُ أيّ تفضيلاتٍ قيميّة.
بنية "قصيدة الشتات"
من ميزات الشعر المهجري الحديث الاعتماد على التراكيب والمعاني السهلة السلسة والملاحظ أيضاً اتكاء بعض شعراء المرحلة الحالية بشكل عام وشعراء الشتات على وجه الخصوص على هذه الخاصية، هل يرجع هذا الاعتماد إلى تسهيل ترجمة الأعمال المطروحة؟
يجيب هنيدي:
- قد يُفكّرُ كتّابٌ بذلك. الاستمراريّة والتطوُّر لهما الحكمُ الفصلُ في النهاية. أظنُّ أنّ من سهّلوا لغتَهم لغرضِ الترجمة أقلّ قدرةً على الاستمرار وترك بصمة، ليس لأنّ لغتهم سهلة وسلسة كما أسميتَها، إنما لأنّ السهولةَ والسلاسة ليستا بالمتناولِ فعليًا ما لم يتمّ فهمهما بشكلٍ صحيح. السهولةُ والسلاسة بالنسبةِ لي ميزتانِ تعكسان فهمًا عميقًا للنفسِ وللآخر. الآخرُ جزء لا يتجزّأ من الحياة ومن الكتابة. واللغةُ التي تُكتبُ ليفهمها الخاصّة فقط، تعكسُ علاقةً غير سويّة ونديّة بين الأنا والآخر. لغةٌ يفترضُ كاتبُها/كاتبتُها أنّ العامّة أدنى من أن يفهموها، وهي بالتالي موجّهة لشريحة الخاصّة، ما يعكسُ طريقةَ تفكير كتّابِ هذه اللغة إزاء الآخرـ القارئ. أما تسهيلُ اللغة بغرضِ الترجمة فهو لا يقلّ ضحالةً وركاكةً عن اعتبارِ الكتابة السلسة سُبّةً بحقّ اللغة!
- وفي الشأن ذاته كانت إجابة ليلا:
إنه سؤال ماكر بعض الشيء، أظن أن المشروع المستقبلي للنص الجديد والذي أتبناه أنا شخصياً والذي تبدى في مجموعتي الأولى الصادرة في بيروت 1996 كان يتميز بالجملة البسيطة وغير المتكلفة والتي لا تتذاكى على الآخر وتجهد نفسها كي تكون مؤثرة بمكياج لغوي ثقيل وتعابير ومفردات تخفي الحياة الحقيقة خلف مجازات لا تنتهي، أي ببساطة هي على النقيض من القصيدة المتكلفة وهي ما كان يسود المشهد الثقافي بمعظمه.
أظن أنه في العشرين سنة الأخيرة ثمة أجيال شابة ولا أقصد العمر فقط، حررت النص العربي عند كثير من الشعراء من هذا الإرث الماضوي الذي يتباهى بتزييناته المترفة وسعيه أن يكون مبهراً وكاذباً بامتياز وهو الذي يلجأ إلى اللغة كرطانة وطريقة كي ينطلي على جمهور عريض يتحسس مكبوتاته تارة وخيالاته وتهويماته وما اعتاده بالأشياء والأفكار تارة أخرى. لذلك أجد أن الشاعر المختلف بالأساس سيكمل مشروعه الذي بدأه قبل قدومه إلى العالم الجديد الذي استقر فيه في حال أنه ينتمي إلى جيل الابتكار والبساطة والسلاسة دون عسر ودون تملق للآخر الذي هو وبالمناسبة ليس غبياً إلى ما لا نهاية كي تنطلي عليه تلك الطرق الملتوية فيما لو وجدت.
الترجمة إن حدثت بكثافة -إن كانت جدية- في بداية موجة اللجوء كانت محاولة للاقتراب من الآخر لأن الفضول يدفع وأيضاً الرغبة بالفهم. في السويد مثلاً وخلال خمس سنوات لم تترجم سوى مجموعتين أو ثلاث مجموعات شعرية بشكل حقيقي. الباقي كانت نصوص لتجزية الوقت في جمعيات صغيرة أو كومونات مدن وذلك للتعاطف مع القادم الجديد وإدخاله في برنامج احتفاء واندماج لإظهار جدية الترحاب وبالتالي هو من باب المجاملات والعلاقات العامة. سابقاً قبل موجة اللجوء ترجم البعض بحكم تجارب الشعراء الشخصية المرتبطة باضطهاد سياسي ما أو إبعاد أو اعتقال وبالتالي كان لسبب أيديوجي أو نضالي وغالباً كان الدافع ليس جمالياً أو نابعاً من اهتمام حقيقي وجدي بالدرجة الاولى.
إشكالات الترجمة
من المعروف أن الترجمة قد تُسقط نصف المعنى للعمل الإبداعي، وقد تضيف إليه قيمة إبداعية مضاعفة. وذلك بحسب القائم على ترجمة العمل.
يعلّق ليلا فيقول:
- لا اعتقد أنها تعطيها قيمة مضاعفة ولكن توسع دائرة تأثيرها لأن الأوربيين جديين فيما يخص القراءة والبحث والاهتمام ومن البديهي أن لغتنا رائعة وستفقد الكثير فيما لو ترجمت، لكن دائماً هناك مترجمين مبدعين كما اظن أن هناك شعراء كذلك. بالنسبة لي ترجمني بالأساس شاعر سويدي من أصل عراقي هو الأستاذ جاسم محمد وكل من يعرف اللغتين من المهتمين أو الجمهور الذي حضر الأمسيات يتحدث عن نجاحه في نقل النص إلى السويدية بذكاء عال كونه يتعاطى مع النصوص الشعرية التي يهتم لها وتعنيه بشكل مختلف. زائد أنه يترجم ما يجده جديداً ومختلفاً وحديثاً كما لاحظت وكونه يمتلك عين وذائقة شابة وحداثية بالأساس.
هنيدي:
- لأنّ الترجمةَ باعتقادي كتابة جديدة، فإنّها بالتأكيد تُضيفُ قيمةً إبداعية. لكنّها تُضيفُ قيمةً إبداعيّةً للنصّ، لا لكاتبِهِ الأصليّ. ما أشعرُ بهِ عندما أقرأُ قصائد مترجمة من شعري، سواء إلى الإنجليزية أو السويدية، أنّ هذه القصائد ليست لي، على الرغمِ من أنها تحتوي نفس المعنى المكتوب في النصّ الأصليّ، إلّا أنّ مشاعري إزاءها ليست حارّةً البتّة. بل إن قراءتها بهاتين اللغتين لا بالنسخةِ الأصلية تفتحُ لي باباً لتقييمها من جديد، فأفكّرُ في معنى ما أقرأ بهاتين اللغتين، وأحيانًا أجدُ من خلال هذه القراءة أنّ القصيدة عاديّة، ليس فيها الكثير مما يثير الاهتمام. فالشعرُ بالنسبةِ لي ليس لغةً فقط، اللغةُ وسيلةُ وصلٍ بين الفكرةِ والكاتب، الذي هو أيضًا وسيطٌ بين القصيدة والقارئ، وهو وسيطٌ سيّءُ الصيت، بتعبيرِ صديقِنا الشاعر الراحل إياد شاهين. الترجمةُ تُسقطُ أحيانًا نصفَ الشّكلِ، أو جلّهُ، لكنّ الترجمة الجيدة لا تُسقطُ شيئًا من المعنى.
ما بين اللغة والجمهور
-لماذا نسقط دائماً في مفهوم أن شعر المهجر لدى الجيل الجديد (جيل شعراء الحرب) لا بد أن تترجم أعمالهم الشعرية والنثرية، أو حتى الإبداع في نواح أخرى كالقصة القصيرة، ومن هذا المنطلق، هل هي مناشدة ثقافية وإبداعية للجمهور الغربي، لاسيما أننا نكتب باللغة العربية الغنية بمفردات ومجازات وبدائل لغوية، وعند ترجمتها تتفكك القصيدة من المعنى الحقيقي لمفردات قد لا تصل كما هي بلغتها الأم؟
يجيب هنيدي:
- لا أعلمُ مَن قال إنّ أعمالَ جيل شعراء الحرب السورية، حسب تسميتك، لا بدّ أن تترجم؟
ولا أعلمُ سببَ التعامل مع الترجمة على أنها هدف بحدّ ذاتِها، فإن كانت كذلك فإنّ الشاعرَ نفسه يُمكنُ أن يدفع لمترجمٍ محترفٍ لترجمةِ أعماله. السعيُ وراء الترجمة كهدف يُفقدُها قيمتها، وهي ذات قيمةٍ عالية بطبيعة الحال. تخيّل معي لو أننا لم نقرأ غابرييل غارسيا ماركيز؟ تخيّل لو أننا لم نقرأ والت ويتمان؟ الاستخفافُ بقيمةِ الترجمة معيب، كما أن التعاملَ معها كهدفٍ معيبٌ أيضًا.
ويقول ليلا:
- الغرب عمومًا لديه الفضول ليعرف، وأظنه يهتم لأن الثقافة والمعرفة من صلب اهتماماته ومن المؤكد أن حضور الآخر القوي يستدعي فهمه وبالتالي ترجمته، هذا من صلب تعاطيهم مع الأشياء وسيعرفون كيف يفعلون هذا كل مرة على الأرجح وليس لدي أي مناشدة لأي أحد أن يهتم. الاهتمام يحدث نتيجة حرص الآخر والتفاته لك وليس من خلال ترويجك لك، أو مناشدتك له أو توسله وأظن أن هذا الأمر طبيعي تماماً وذلك كما قلت لأن هذا الأمر مهم معرفياً وعلمياً وأيضاً إنسانياً. ولكن هناك من الكتاب من يندفع الى دائرة الضوء والشهرة دون أن يستحقها وغالباً يتسلق أو يعتاش عبر طرق مبتذلة أو رخيصة ولكن مع الوقت ستعود الأمور إلى نصابها. وأخيراً لست قلقاً أن أصل إلى القارئ بجودة أقل، نصي أصلاً "مهاجر" وعابر لأنه إنساني وحقيقي ويلمس الكائن في كل مكان كما أظن. لا أكتب لأحد، وإن كنت أكتب للجميع.
تعريف
تمام هنيدي؛ شاعر وكاتب سوري درس في كلية الإعلام في جامعة دمشق، صدرت له ثلاث مجموعات في الشعر، هي: (وشوم الضباب) و(كما لو أني نجوت) و(يجدر بك أن تتبختر)، ترجمت بعض قصائده إلى لغات عدة، حاصل على منحة اتحاد الكتاب السويدين.
وفائي ليلا؛ شاعر وكاتب سوري من مواليد دمشق 1964 مقيم في السويد.
من مؤلفاته:
رصاصة فارغة... قبر مزدحم
متوقفًا عن الضحك
مغسولًا بمطر خفيف
ما ليس... أنا
يعطي ظهره للمرآة.
بيت واسع بحمامين
قامة قصيرة لمعطف طويل
اسمي أربعة أرقام.