نفى وزير السياحة في حكومة النظام السوري محمد رامي مارتيني ما أثير مؤخراً حول نية النظام طرح "التكية السليمانية" للاستثمار الخاص، مشيراً إلى أن إغلاق "التكية" التاريخية جاء بهدف ترميمها فقط.
ونقلت إذاعة "شام إف إم" المقربة من النظام أمس الأحد عن مارتيني، أنه "لا صحة لما يتم تداوله عن منح التكية السليمانية كاستثمار للقطاع الخاص، فهي ملك لوزارة الأوقاف لا للسياحة كي تتصرف بها".
وزعم أن ما يجري في التكية هو عبارة عن "مشروع وطني يعتبر الأكبر من نوعه في ترميم هذا المكان التراثي للمرة الأولى منذ إنشائه"، مضيفاً أن "أعمال الترميم قد تستغرق ما بين سنتين إلى أربع سنوات".
تصريحات مارتيني تأتي بالتزامن مع المخاوف التي عبّر عنها ناشطون سوريون في دمشق وخارجها بسبب إغلاق حكومة النظام مبنى التكية السليمانية الذي يضمّ المسجد التاريخي والمتحف الحربي، بالإضافة إلى سوق المهن اليدوية الذي أُفرِغ من مستأجريه الحرفيين ومشغولاتهم، بحجة الترميم.
وتعدّ التكية مع ملحقاتها معلماً تاريخياً وسياحياً مهمّاً في العاصمة، ويقصده الزوار والسياح من داخل سوريا وخارجها.
وقال وزير السياحة إنه من الضروري "إخلاء سوق المهن اليدوية الموجود في التكية الصغرى لأن أعمال الترميم وصلت إلى هذا الجزء... والوزارة احتضنت الحرفيين، حيث يوجد 40 حرفياً سينتقلون إلى الحاضنة الثقافية في دمّر"، وفق ما نقل المصدر.
إغلاق التكية السليمانية.. انتقادات ومخاوف
"انتهت حكايه التكية السليمانية. بعد عدة قرون من احتضان دمشق لها تغلق أبوابها ويتم إخلاء الحرفيين منها". بهذه الكلمات وصفت صفحة "هوى الشام" المحلية على فيس بوك الحالة التي وصلت إليها التكية السليمانية.
أما صفحة "نبض دمشق" فنشرت تسجيلاً مصوراً لسوق المهن اليدوية لحظة مغادرة الحرفيين بعد إخلائه من محتوياته، وكتبت تقول: "نهاية حزينة مشابهة لغالبية النهايات بهذا البلد. هكذا بدت التكية السليمانية بعد إخلائها من الحرفيين وقبل إغلاقها نهائياً.. ذكريات ولحظات حلوة كثيرة قضيناها في هذا المكان".
وحول تفاصيل إغلاق التكية والسوق، أورد موقع تلفزيون سوريا تقريراً نقل فيه عن أحد الحرفيين قوله إنه غادر محله في السوق المذكور "في نهاية سنة 2020 عندما أنذرت وزارة السياحة المستأجرين لديها إخلاء المحال الـ100 في التكية، معلنة رفضها تجديد عقود الإيجار"، مضيفاً أن "بعض المستأجرين القدامى فوجئوا بأن محالهم التي غادروها قد تم تأجيرها إلى مجموعة من المقربين من السلطة، بينهن زوجات وبنات ضباط في جيش النظام السوري".
ووفق التقرير، فقد أفاد حرفي آخر بأن "وزارة السياحة سحبت يدها عن التكية السليمانية، وألغت عقود الإيجار لكل المحال قاطبة بحجة الترميم"، مضيفاً أن جميع الحرفيين أجمعوا على أنه بعد الترميم المزعوم، لن يكون هناك أي عودة لشاغلي السوق الحاليين، فالأمر أصبح بيد الأمانة السورية للتنمية التي تديرها أسماء الأسد وتسيطر من خلالها على العديد من النواحي الاقتصادية في سوريا.
وكانت المديرية العامة للآثار والمتاحف بدمشق قد أعلنت في آب 2019 عن "تأهيل التكية السليمانية الآيلة للسقوط". وعلى إثر ذلك، أُغلق 40 متجراً من جهة باب التكية المطل على المتحف الحربي وصولاً إلى الباب الأوسط، وتمت إحاطة المنطقة المحيطة بها بحواجز معدنية وبوابات تمنع دخول أي شخص أو النظر إليها.
وأُشيع بين الحرفيين وموظفي وزارة السياحة في ذلك الوقت، أن الترميم ستشرف عليه "الأمانة السورية" وبأنهُ سيكون مشروعاً استثمارياً خاصاً بها يُرجح أن يستمر لـ 99 عاماً، بحسب التقرير.
التكية السليمانية والمبادرة التركية بتأهيلها
يعود تاريخ بناء التكية السليمانية إلى عهد السلطان العثماني سليمان القانوني، الذي أمر ببنائها عام 1554، في الموضع الذي كان قام عليه قصر السلطان المملوكي الظاهر بيبرس المعروف باسم "قصر الأبلق".
ويحيط ببناء التكية الذي يتربع في قلب العاصمة دمشق، كلّ من متحف دمشق الوطني غرباً، والبناء التاريخي الذي يضمّ "وزارة السياحة" شرقاً، ونهر بردى شمالاً، ومقرّ جامعة دمشق جنوباً إلى جوار شارع المكتبات الشهير في منطقة "الحلبوني" بحيّ البرامكة الدمشقي.
وصَمّم البناء التاريخي القيّم، المعماري العثماني الشهير "سنان باشا"، وأشرف على تنفيذه الذي استغرق نحو 6 سنوات المهندس "ملا آغا". وذلك في عهد والي دمشق "خضر باشا".
وكانت التكية قد خضعت لعمليات ترميم قبل اندلاع الثورة السورية بسنوات، حيث أعلنت تركيا استعدادها لترميم وتأهيل بنية التكية وملحقاتها بالكامل. وعلى ضوء ذلك، أقدمت وزارة سياحة النظام على تطوير وتجهيز عدد من المحال الحرفية لتتوافق مع نموذج "السوق المفتوح". وبعد اندلاع الثورة والحرب التي شنّها النظام على السوريين، وما ترتّب عليها من إعلان تركيا قطع علاقاتها مع نظام الأسد، أهملت عمليات الترميم وبدأ النظام بممارسة أساليب الضغط على الحرفيين من أجل مغادرة السوق وفتحه أمام استثمارات القطاع الخاص.