تفاقمت أزمة الإيجارات في تركيا خلال الفترة الأخيرة، ما جعل اللاجئين السوريين الباحثين عن مأوى في مأزق، في ظل غلاء أسعار الإيجارات من جهة، ورفض بعض أصحاب العقارات تأجير بيوت للأجانب من جهةٍ أخرى، الأمر الذي شجّع ضعاف النفوس للاحتيال على السوريين، مستغلين حاجتهم الماسّة للعثور على منزل.
ارتفع التضخم في تركيا مؤخراً إلى حوالَيْ 80 % مع تدهور الليرة التركية، ما دفع مالكي العقارات إلى رفع الإيجارات لأرقامٍ خيالية، تفوق النسبة التي حددتها الحكومة التركية والبالغة 25%.
البيوت الرخيصة "فخ"
ارتفاع إيجارات المنازل، دفع السوريين للبحث عن بيوتٍ بأسعارٍ منخفضة، ما فتح باباً واسعاً للاحتيال من قبل أشخاص تنوعت جنسياتهم ما بين عربٍ وأتراك.
يقول إياد عبد الجواد، لاجئ سوري في إسطنبول: "معظم إيجارات البيوت في إسطنبول اليوم لا تقل عن 5 آلاف ليرة تركية، وهو رقم كبير لا يقدر عامل راتبه الشهري 7 آلاف على دفعه، لذا بحثنا مطولاً عن منزلٍ لا يزيد إيجاره على ألفيّ ليرة تركية".
يضيف عبد الجواد لموقع "تلفزيون سوريا" أنه "قرأت منشوراً على الفيس بوك، عن منزلٍ للإيجار في حي بغجلار بـ 1800 ليرة، استغربت من انخفاض أجرة المنزل مقارنةً بإكسائه وموقعه الجيد، لذا سارعت للاتصال بالشخص".
بعدما اتصل عبد الجواد بصاحب المنشور، طلب منه الأخير تحويل ألف ليرة من "الكومسيون" كي يحجز البيت له، ليقول عبد الجواد "طلبت من الشخص أولاً رؤية المنزل والتأكد من أوراقه، فأخبرني أنه خارج إسطنبول، وأعطاني موعداً في اليوم التالي لرؤية البيت وتوقيع العقد، كنت أخشى أن يضيع المنزل مني، خاصةً أني بحاجةٍ لمأوى، لذا أرسلت له الرعبون".
في اليوم التالي ذهب إياد إلى البيت الذي يود استئجاره، وطرق جرس الباب فردّ عليه شخص تركي، وأخبره أن البيت ليس للإيجار، وأنه خامس إنسان يطرق بابه في نفس اليوم من أجل رؤية المنزل، أيقين إياد حينها أنه وقع في فخ الاحتيال.
يتعمّد أغلب المحتالين وضع حسابات وهمية عبر الماسنجر للتواصل معهم، بدلاً من نشر أرقام هواتفهم، كي لا يلاحقهم أحد، وبنفس الوقت ينشرون إعلاناتٍ عن منازل بأسعارٍ منخفضة، كي يشجعوا الناس على التواصل معهم، وبالتالي يصطادوا أكبر عددٍ ممكنٍ من الضحايا، بحسب ما أخبرنا به عدد من الأشخاص الذين وقعوا في فخ الاحتيال.
رائد شحادة، سوري يقيم في مدينة غازي عينتاب، تعرّض للاحتيال أيضاً كما حدث مع "إياد عبد الجواد"، وتوصل لنتيجةٍ قائلاً: "لا تثقوا بالأشخاص الذين يعرضون بيوتاً رخيصة للإيجار، فهي غالباً فخ للإيقاع بالضحايا".
باب للتحرّش أيضاً
بعض المحتالين استغلوا حاجة الإناث للسكن، من أجل محاولة التحرش بهنّ، كما حصل مع طالبة سورية، فضّلت عدم ذكر اسمها.
تقول الطالبة السورية "أقيم مع أهلي في بورصة، لكني حصلت على قبولٍ جامعي في جامعة "يلدز التقنية" بإسطنبول، لذا قررت البحث عن منزلٍ قريب من الجامعة، فعثرت على إعلانٍ عن سكنٍ للإناث، اتصلت بصاحب الإعلان، فطلب مني القدوم لمعاينة المنزل".
وتضيف "ذهبت للموعد والمكان المحدد، حيث كان الدلال العقاري ينتظرني، طلبت منه رؤية المنزل، فقال لي إن علينا انتظار قدوم صاحب البيت، ومن ثم بدأ يسألني عن أمورٍ شخصية، وعرض عليّ الذهاب للكافيتريا، لكن رفضت وقررت المغادرة، فحاول الإمساك بيدي فركضت مسرعةً".
وتشير الطالبة السورية إلى أنه "في اليوم التالي اتصل بي ذات الشخص فحظرت رقمه، وكتبت قصتي على الفيس بوك، فأخبرني أحد الأشخاص أن ذلك الشخص محتال، وصور المنشور التي عرضها تعود لمنشورٍ قديم من ثلاث سنوات، كما أخبرني البعض الآخر في التعليقات، أن ذلك المحتال ينشر دوماً إعلاناتٍ وهمية، كي يحاول استجرار الفتيات ويتحرّش بهنّ".
ضحايا عفش المنزل
من حالات النصب التي تعرّض لها السوريون، هي أن يستغل المحتالون حاجة الناس لاستئجار منزل، ويُعلنون عن بيت للإيجار بشرط شراء العفش.
تلك القصة حصلت مع معتصم صيبعة، الذي يقيم في قونيا، حيث قال: "قرأت منشوراً لشخص يريد تسليم منزل تبلغ أجرته 1700 ليرة وبدون كومسيون، بشرط شراء كامل العفش ودفع التأمين له. رغم محاولتي إقناعه بأن استأجر المنزل بلا عفش لأني أملك أثاثا جديدا، لكنه رفض بسبب حاجته لبيع الإثاث بداعي السفر".
وتابع معتصم قائلاً "اضطررت لشراء الأثاث مقابل 10 آلاف ليرة تركية، ودفعت له التأمين، وأقنعني أن أبقى على نفس عقده القديم الذي ما زال صالحاً حتى تسعة أشهر، ولا داعي لكتابة عقد جديد مع صاحب البيت، لأنه حينها سيرفع لي الإيجار، وبنفس الوقت أكد لي أن صاحب المنزل لن يكون لديه أي مانع أن أجلس مكانه في البيت على نفس العقد".
يضيف معتصم "استقريت في البيت، ومع حلول مطلع الشهر، جاء صاحب البيت لأخذ الإيجار، ليفاجأ حين شاهدني، فأخبرته بالقصة فانزعج وطلب مني الخروج، وهددني بإخبار الشرطة التركية، وبعد أن توسلت له، وافق أن أبقى في البيت، شريطة كتابة عقدٍ جديد مقابل 6 آلاف شهرياً، مع دفع تأمين وكومسيون للمكتب، ما يعني أني دفعت 18 ألف ليرة، عدا ثمن التأمين والأثاث الذي دفعته للمستأجر السابق الذي احتال عليّ".
عدنان لاجئ سوري يقيم في مرسين، تعرض كذلك للاحتيال، حيث اشترى منه شخص أثاث المنزل، لكنه عرض إرسال ثمنه عبر الحساب البنكي كونه لا يحمل مبلغا نقديا، وافق عدنان على ذلك حيث كان مضطراً لبيع الإثاث بسرعة، للحاق برحلة تهريبٍ إلى أوروبا.
يقول عدنان "حاولت التأكد من وصول المبلغ لحسابي لكنه لم يصل حينها، فأخبرني المشتري أن المبلغ مرسل من بنكٍ آخر ولن يصل لحسابي إلا في الصباح، وأرسل لي إشعار الإرسال للاطمئنان".
يضيف عدنان "لم يصلني المبلغ في اليوم التالي، لذا اتصلت بالشخص الذي اشترى مني الأثاث للاستفسار عن سبب عدم وصول المبلغ، فلم يرد ثم حظرني، شعرت حينها بالقلق، وذهبت للبنك للتأكد من صحة الإشعار، وهنا كانت الصدمة حين أخبرني الموظف أن الإشعار مزور، وليس هناك أي عملية تحويل".
استعطاف للإيقاع بالضحايا
يلجأ المحتالون لأساليبَ كثيرة للإيقاع بالسوريين، ومنها أسلوب الاستعطاف، والذي وقع في فخه الكثير من الأشخاص، ومنهم شاب يقيم في أسنيورت بإسطنبول، فضّل عدم ذكر اسمه، حيث اتفق مع شخصٍ على استئجار منزل، لكن الأخير ادعى أن زوجته في المشفى وغير قادر على الذهاب معه لرؤية المنزل.
يقول الشاب: "كتب لي ذلك الشخص عقد الإيجار وأعطاني المفاتيح، بعدما أبرز لي هويته وطابو المنزل، وفجأة بدأ بالبكاء حزناً على زوجته، شعرت أنه صادق وأشفقت عليه، وأعطيته نصف الإيجار والتأمين، وذهبت وحدي لاستلام المنزل لكن المفتاح لم يعمل، فأدركت حينها أنها عملية احتيال، وما زاد الطين بلّة أن بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة بي (الكمليك) من ولايةٍ أخرى، ولم أجرؤ على تقديم شكوى ضده خوفاً من الترحيل".
رأي القانون
مع تكرار عمليات الاحتيال، يرى عضو المحامين السوريين الأحرار، المحامي حسام السرحان، أنه يجب على السوري قبل استئجار البيت، التأكد من ملكية العقار من خلال رؤية الطابو وهوية الشخص الذي يقوم بتأجير البيت، وفي حال تطابق اسم المالك على الطابو مع اسمه على الهوية، عندها يمكن الاطمئنان وكتابة العقد".
وأوضح السرحان لموقع "تلفزيون سوريا" أن "أي شخص يتعرض للاحتيال يجب عليه اللجوء للقضاء، وإذا كان المحتال قد كتب له عقداً وهمياً، فهذا يعني أن توقيع واسم المحتال موجود على العقد، إضافة لرقم هاتفه، وهذه المعلومات كافية لرفع دعوى قضائية لملاحقة ذلك المحتال ومقاضاته".
ولفت السرحان إلى أنه "إذا كان من يدّعي أنه صاحب مكتب عقاري، معه مفتاح المنزل وقام باصطحاب الضحية لرؤية البيت، ومن ثم احتال عليه وتوارى عن الأنظار، ففي هذه الحالة، يحق للمستأجر رفع دعوى أيضاً على صاحب البيت، والذي قد يكون غالباً شريكاً في عملية الاحتيال".
أما بالنسبة للأشخاص الذين أرسلوا "رعبون" إلى الحساب البنكي للدلال العقاري، وقام الأخير بالاحتيال عليهم، يمكن لهم الادعاء قضائياً على ذلك المحتال من خلال معلوماته البنكية، لكن الدعوى القضائية خاسرة بنسبة 99%، لأن المحتال يمكن له ببساطة الإنكار، والادعاء أمام القاضي أن المبلغ المحوّل له هو دين شخصي على الشخص المرسل"، وفق السرحان.