لجأت العديد من العائلات السورية إلى لبنان كونه البلد المألوف للعمل من قبل الشبان السوريين، وبحثاً عن مكان آمن، ووضع معيشي أفضل خاصةً بعد فقدانهم لوظائفهم، وجامعاتهم، ولكن لم يكن الوضع أفضل في لبنان بعد الغلاء الفاحش، وانهيار العملة فيها، فقد وصل متوسط دخل الفرد إلى حد غير مقبول لا يكاد يسد حاجة العائلة لعدة أيام الأمر الذي أثر على كل من يعيش في لبنان، إلا أن العنصرية التي مورست على السوريين في لبنان ومنعهم من ممارسة العديد من المهن أدى إلى تضاعف تأثير انهيار العملة عليهم.
بهاء الدين الحمادي البالغ من العمر 27 عاماً من محافظة إدلب يروي لموقع تلفزيون سوريا عن معاناته في السنوات الأخيرة في لبنان قائلاً: جئت إلى لبنان كآلاف السوريين الذين هربوا من ويلات الحرب، وقد اخترت هذا البلد لأنني كنت أعمل به سائق تكسي أجرة سابقاً، وأعرف تفاصيل الحياة فيه، وأضاف: بعد لجوئي إلى لبنان لم أتمكن من متابعة عملي كسائق تكسي بسبب العنصرية التي كانت تمارس على السوريين فاضطررت إلى العمل في ورشة بناء وكنت أتقاضى أجراً مقبولاً نوعاً ما في عملي في بداية الأمر، استطعت خلال تلك الفترة أن أكوّن أسرةً صغيرةً.
مستقبل مجهول للسوريين في لبنان
وتابع الحمادي إلا أن الأوضاع الاقتصادية في لبنان، والهبوط المفاجئ لليرة اللبنانية التي انهارت من سعر صرف 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد أواخر عام 2019 إلى 27 ألف ليرة مقابل كل دولار حالياً، الأمر الذي أدى إلى انخفاض الدخل بشكل كبير، قابله ارتفاع هائل في الأسعار مما دفع الكثير من أصحاب العمل إما لتقليص حجم عملهم والاستغناء عن قسم من العمال أو إيقاف مشاريعهم بشكل كامل.
وتابع: كنت من المحظوظين الذين لم يتم الاستغناء عنهم إلا أن راتبي انخفض مما يعادل 600 دولار أميركي التي كانت تساوي 900 ألف ليرة لبنانية إلى أقل من 100 دولار التي تعادل 3 ملايين ليرة، وهو مبلغ لا يكاد يكفي لدفع إيجار البيت وفواتير الاشتراك بالكهرباء التي ارتفعت بشكل كبير من 75 ألف ليرة لبنانية إلى أكثر من 1.5 مليون، وهي في تزايد مستمر.
أمل بالهجرة وليس العودة للوطن
وتابع أنه لا خيارات أخرى أمام السوريين في لبنان فقد قلت فرص العمل وساء الوضع الاقتصادي، كما أننا لا نستطيع العودة إلى سوريا، والعبور من أماكن سيطرة النظام، ولا الهجرة إلى أماكن اللجوء بسبب عدم توافر تكاليف السفر، وعدم وجود طريق آمن كغيرنا من العائلات الني هاجرت عبر البحار، كما أننا لم نكن من العائلات التي حالفها الحظ بالسفر عن طريق الأمم المتحدة بشكل نظامي فنقف مكتوفي الأيدي عاجزين عن إكمال تأمين أدنى مستلزمات المعيشة، فبات حالنا هو انتظار المجهول فقط، وأمل بالهجرة.
ارتفاع أسعار المواد الأساسية
وترافق الانخفاض الكبير في قيمة الليرة، مع ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية، والمحروقات وأجور المحال والبيوت، كما أن تثبيت أسعار بعض السلع المستوردة على سعر الدولار أوصل سعرها إلى مبالغ خيالية بالنسبة لليرة اللبنانية إذ وصل سعر ربطة الخبز حاليا إلى 9000 ليرة لبنانية بعد أن كان سعرها 1005 ليرة لبنانية كما أن سعر جالون الماء عشرة لترات قد وصل إلى 3000 ليرة بعد أن كان 750 ليرة، وأيضاً سعر أسطوانة الغاز الذي وصل إلى 360 ألف ليرة بعد أن كان سعرها 16 ألف ليرة أما عن المازوت فقد وصل سعر جالون عشرين لترا 450 ألف ليرة بعد أن كان سعره 15 ألف ليرة. أما البنزين فقد أصبح سعر الجالون عشرين لترا 350 ألف ليرة بعد أن كان 20 ألف ليرة.
فقر وعجز وتشريد
السيدة "هنادي" من محافظة إدلب تروي لموقع تلفزيون سوريا قصة ابنها الذي اعتقل منذ فترة، وتفككت عائلته بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان قائلةً: بعد القصف، والتهجير الذي تعرضت له قرى وبلدات محافظة إدلب اضطر ابني محمد البالغ من العمر ٣٠ عاماً للجوء إلى لبنان مع عائلته المكونة من زوجة وطفل عمره 4 سنوات وطفلة عمرها سنتان.
وتابعت: في بداية اللجوء إلى لبنان كان محمد يتقاضى أجراً يستطيع من خلاله دفع إيجار البيت، وتأمين معيشة متوسطة، ولكن بعد الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها لبنان لم يعد ما يتقاضاه يكفي لدفع جميع التكاليف التي يحتاج إليها من إيجار البيت والتدفئة، والكهرباء والغاز، والمواد الغذائية الأساسية الضرورية إذ إن جميع هذه المواد تضاعفت أسعارها.
وأضافت "هنادي" أن المعيشة أصبحت في لبنان أمراً صعباً، بل شبه مستحيل الأمر الذي أدى إلى خلافات كبيرة بينه وبين زوجته التي لم تستطع تحمل كل هذه الأعباء مع زوجها فقررت العودة إلى سوريا تاركةً زوجها وأطفالها في لبنان مما اضطر ولدي الرجوع مع أطفاله إلى سوريا عبر أماكن سيطرة النظام، وفي طريق عودته اعتقل من قبل قوات النظام.
دور الأمم المتحدة والجمعيات الإغاثية
بدورها أكدت الصحفية اللبنانية فاطمة عثمان أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان كانت تعطي 20 دولارا أميركيا في الشهر للشخص الواحد حيث كانت تعادل 30 ألف ليرة لبنانية أما اليوم فـ 20 تعادل 600 ألف ليرة وهي أكثر بكثير من قبل، ولكن سعر علبة الحليب تجاوز 500 ألف ليرة كغيرها من المواد الغذائية عدا التدفئة.
وأضافت "عثمان" أن الأمم المتحدة والجمعيات الإغاثية ومفوضية اللاجئين يجب أن تتحمل مسؤولية اللاجئ السوري، وترفع المساعدات المادية بقدر أكبر لأن عشرين دولاراً لا تكفي لشيء مع ارتفاع الأسعار، وأنه يجب على المنظمات الحقوقية أن تقوم بمساعدته في تقديم اللباس، والتدفئة، وتؤمن لهم المواد الغذائية الضرورية لبقائه على قيد الحياة.
سوء الحالة الاقتصادية يلحق بأصحاب رؤوس الأموال
رامي سليمان البالغ من العمر 60 عاماً من محافظة حماة يروي لموقع تلفزيون سوريا عن وضعه بعد انخفاض الليرة اللبنانية قائلاً: نزحت وعائلتي إلى لبنان في عام 2011 بحثاً عن مكان آمن، وتوفير فرصة عمل هناك، فتعهدت محلاً لبيع المواد الغذائية، كوني كنت أدخر بعض المال كرأسمال لعمل يؤمن لي دخلاً، وفي أواخر سنة 2019 بدأت المظاهرات والفوضى في لبنان وبدأ اللبنانيون بالتضييق على السوريين، ومنعهم من العمل في الكثير من المهن، كما هددوا بإغلاق المحال التجارية التي يديرها سوريون، مالم يقوموا بترخيصها بشكل نظامي.
وأضاف "سليمان" وُضعت أمام أحد خيارين إما ترخيص شركة أو تسجيل محلي باسم شخص لديه شركة لبنانية فاضطررت إلى فتح شركة كي لا يتم إغلاق محلي وإيداع مبلغ من المال في البنك بقيمة 110 مليون لبناني كانت تعادل حينئذ 75 ألف دولار، وكان الشرط أن يكون هذا المبلغ وديعة في البنك لا يسمح بسحبه لمدة ستة أشهر، وتابع أنه حينئذ كانت كل 1515 ليرة تعادل دولاراً واحداً، وكان الوضع مستقراً نوعاً ما قبل أن تحدث تلك الفوضى.
وبعدئذ بدأت الليرة بالانخفاض، ولم يسمح البنك لنا لا باسترداد المبلغ ولا بتحويله داخل البنك إلى دولار، إذ لم يكن يسمح بسحب أكثر من ثلاثة ملايين ليرة لبنانية على دفعتين في الأسبوع الواحد، وهو مبلغ بسيط جداً قياساً بالمبلغ الذي أودعته.
شروط تعجيزية للإقامة النظامية في لبنان
بدورها أكدت الصحفية "عثمان" أن اللاجئ في لبنان تأثر بالأزمة الاقتصادية بشكل كبير، وأن الفئة القليلة التي تعمل مطلوب منها أن تعمل بطريقة شرعية، وتراخيص، ودخول لبنان بطريقة شرعية، وإقامة نظامية كما أن الأوراق والإقامة مكلفة لا يستطيع اللاجئ تأمينها. وأضافت أن هناك جمعيات تحاول مساعدة اللاجئين لكن هذه المساعدات هي شيء رمزي وأن أسعار المواد ازدادت بشكل كبير وأن هذه الأزمة قد أثرت على السوريين أكثر من تأثيرها على اللبنانيين لأن اللاجئ السوري ممنوع من العمل في كل المهن عدا انهيار الليرة والغلاء، فكيف يستطيع تأمين قوت يومه.