بشكل مفاجئ، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، في نهاية العام الماضي، إيقاف المساعدات المالية التي كانت تقدمها للاجئين الفلسطينيين السوريين المقيمين في لبنان كبدل سكن، من دون أن توضح الأسباب.
قرار الأونروا من الممكن أن يتسبب في تشريد عدد كبير من العائلات الفقيرة، التي كانت تعتمد بشكل كبير على هذه المساعدات، ويزيد من معاناة اللاجئين الفلسطينيين الذين اضطروا للانتقال من سوريا إلى لبنان بعد أن شردتهم الحرب في سوريا ونالت المخيمات نصيبها من الحرب.
كما يعاني اللاجئون الفلسطينيون السوريون في لبنان، الذين يبلغ عددهم نحو 25 ألف شخص، من غياب الحقوق ويواجهون قوانين "تعسفية"، أصدرتها الحكومة اللبنانية لتمنعهم من حق العمل وحق التعليم والإقامة بشكل قانوني.
مظاهرات أمام مكتب الأونروا في بيروت
وجاء قرار إيقاف المساعدات بعد العديد من المظاهرات الشعبية نظمتها حركات فلسطينية، شارك فيها فلسطينيو سوريا ولبنان أمام مقر الأونروا ومبنى السفارة الفلسطينية، للاحتجاج على التلاعب بقيمة المساعدات المالية بعد انهيار الليرة اللبنانية.
وأمام الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه لبنان وتدهور المعيشة فيها اضطر بعض اللاجئين الفلسطينيين السوريين إلى مغادرة لبنان في الأشهر الأخيرة.
معاوية أبو حميدة، أحد هؤلاء الذين غادروا لبنان الشهر الماضي، بسبب نشاطه الحقوقي للمطالبة بحقوق الفلسطينيين.
أبو حميدة، هو المنسق العام في الهيئة الشبابية للفلسطينيين السوريين، أصدرت السلطات اللبنانية قرارا بترحيله بضغط من القيادات السياسية الفلسطينية، لأنه كان ينظم الاحتجاجات والاعتصامات أمام سفارة السلطة ومبنى الأونروا.
يقول أبو حميدة إن المساعدات المالية التي كان يتلقاها اللاجئ الفلسطيني، الذي هرب من سوريا إلى لبنان، هي مساعدات مقدمة من صندوق "مدد"، وهو صندوق الائتمان الأوروبي، مشيراً إلى أن الأونروا مجرد وسيط.
ويضيف الناشط الفلسطيني السوري، كانت قيمة هذه المساعدة منذ وصول الفلسطينيين السوريين إلى لبنان 100 دولار أميركي بدل إيواء، بالإضافة إلى 27 دولارا بدل مساعدة غذائية لكل فرد من الأسرة.
التلاعب بقيمة المساعدات
وفي حديثه لـ "تلفزيون سوريا"، يقول أبو حميدة إن مكتب الأونروا بدأ في الآونة الأخيرة تخفيض هذه المساعدات، من خلال دفعها بالليرة اللبنانية بدلاً من الدولار، متهماً الأونروا بأن هدفها من ذلك الاستفادة من فرق سعر الصرف ما بين مصرف لبنان المركزي والسوق السوداء.
وأضاف الناشط الفلسطيني السوري، ثم قامت الأونروا بتخفيض المساعدة الغذائية من 27 دولارا إلى 15 دولارا.
ومع اتساع الفرق بين أسعار الصرف الرسمية والفعلية، بات اللاجئ لا يتسلّم من المساعدات المالية سوى ما يقارب 20% من قيمة المبلغ الأصلي، بحسب أبو حميدة.
ورفضت الأونروا مطالبات الهيئة الشبابية بصرف المستحقات بالدولار، لكونها حوالات مالية يتم تسلّمها من جهة خارجية، تحت ذريعة الالتزام بقوانين البنك المركزي والحكومة اللبنانية.
ويشير أبو حميدة إلى أنه في المقابل يتقاضى موظفو الأونروا في لبنان رواتبهم بالدولار بعد ارتفاع قيمة الصرف عن طريق البنوك، من خلال خدمة (فريش ماني).
الضغط لعودتهم إلى سوريا
ويرى الناشط الفلسطيني السوري أن الهدف من وراء هذا القرار هو الضغط على اللاجئين الفلسطينيين السوريين للعودة إلى سوريا، التي يرفضون العودة إليها تجنباً للملاحقات الأمنية من قبل نظام الأسد.
يضيف أبو حميدة، من جملة الإجراءات التي اتبعت للتضييق على اللاجئين الفلسطينيين الذين انتقلوا من سوريا إلى لبنان ظلوا تابعين لوكالة الأونروا في سوريا، ليكونوا محكومين بجملة من التعقيدات.
من هذه التعقيدات، اللاجئ الفلسطيني السوري غير قادر على الحصول على أوراق ثبوتية له أو لأبنائه عن طريق الوكالة الموجودة في لبنان؛ ليكون مضطراً في كل مرة إلى اللجوء للسماسرة الذين لديهم علاقات ونفوذ في سوريا لإصدار تلك الوثائق من سوريا وإرسالها إلى لبنان مقابل مبالغ ضخمة.
كما أن أي فلسطيني سوري يريد أن يدخل إلى المشفى لأي سببٍ كان، يجب عليه أن يرسل أوراقه لوكالة الأونروا في سوريا، وهناك إما أن توافق الوكالة على دفع التكاليف أو لا.
ويعاني الفلسطينيون السوريون من أوضاع صعبة في لبنان، عدد كبير منهم يعيش في المخيمات منذ عام 2013 وليس لديهم أي أوراق ثبوتية لعدم قدرتهم على الدفع للسماسرة.
سفارة السلطة الفلسطينية.. قمع وطرد
وتقول إحدى المشاركات في الاحتجاجات أمام مبنى السفارة الفلسطينية في بيروت، رفضت الكشف عن اسمها، إن السفارة أطلقت عناصرها الأمنية وبعض المسلحين لضربنا وتفرقتنا، ووصل الأمر إلى اعتداءات بحق النساء.
وتضيف، ضربونا بالجنازير والعصي الكهربائية، وتم إسعاف العديدات من النساء المحتجات إلى المشفى بشكل فوري، لافتاً إلى أن العناصر كانو يصرخون بنا "عودوا إلى سوريا".
وتذكر الناشطة الفلسطينية السورية، أنه منذ عام أشاعت الفصائل الفلسطنية أنباء تفيد بأن كل من يعود إلى سوريا يحصل على تعويض مالي يتراوح بين ألف وألفين دولار؛ الأمر الذي شجع عددا كبيرا من الفلسطينيين السوريين على العودة، إلا أنه لم يتم تعويضهم بنهاية المطاف.
وبحسب الناشطة لا شيء يبرر قرار الأونروا بإيقاف المساعدات، وتقول "لم تبرز الأونروا أي وثائق تدل على وقف صندوق (مدد) للمساعدات المالية، إضافةً إلى ذلك قامت بقطع المساعدات الشتوية التي كانت تعطى بشكل سنوي للعائلات لتأمين المحروقات.
وتضيف، اليوم هناك العديد من اللاجئين الفلسطينين يعانون من البرد القارس، وخاصةً الذين يعيشون في المخيمات في البقاع. هم ببساطة يضعوننا أمام خيارين: الموت أو العودة للمخيمات المدمرة في سوريا.