icon
التغطية الحية

السورية للتنمية.. فصل النهاية لعقدين من تسلط أسماء الأسد وسرقة موارد البلاد

2024.12.28 | 05:42 دمشق

آخر تحديث: 28.12.2024 | 05:45 دمشق

سوريا
أسماء الأخرس، زوجة رئيس النظام المخلوع بشار الأسد / أيار 2020 (إنترنت)
تلفزيون سوريا - آمنة رياض
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- تأسست "الأمانة السورية للتنمية" تحت رعاية أسماء الأسد لتعزيز سيطرة النظام السوري واستقطاب الدعم الخارجي، وتم حل مجلس أمنائها مؤخراً لإعادة هيكلتها، مما يعكس توجه الحكومة لتعزيز الرقابة على منظمات المجتمع المدني.

- خلال الثورة السورية، استغلت "الأمانة" لتعزيز نفوذ النظام عبر دعم الجيش والسيطرة على الأنشطة الشبابية، وحصلت على دعم مالي كبير من الأمم المتحدة، مما جعلها أداة لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية.

- شملت شراكات "الأمانة" وكالات الأمم المتحدة ومنظمات دولية، ومع قرار حلها، تسعى الحكومة لإعادة هيكلة المؤسسات التنموية وضمان توزيع عادل للموارد.

 أثارت مؤسسة "الأمانة السورية للتنمية" جدلاً واسعاً منذ تأسيسها تحت رعاية أسماء الأخرس، زوجة بشار الأسد المخلوع، إذ وُصفت بأنها واجهة "ناعمة" للنظام، وتحولت سريعاً إلى أداة لتعزيز سيطرته واستقطاب الدعم الخارجي، قبل أن تواجه نهايتها إثر التغييرات التي أعلنتها الحكومة السورية الجديدة.

وقبل يومين، أصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في سوريا قراراً يقضي بحل مجلس أمناء "الأمانة السورية للتنمية" وإنهاء جميع الصلاحيات الممنوحة له، بما يشمل الإجراءات الإدارية وإدارة الحسابات البنكية وأي التزامات مالية أو قانونية متعلقة بعمل المؤسسة.

وأتبعت الوزارة القرار بآخر، حمل توقيع وزير الشؤون، فادي القاسم، نصّ على تشكيل لجنة متخصصة لتقييم الوضع العام لمؤسسة "الأمانة السورية للتنمية".

يهدف القرار إلى إعداد خطة لإعادة حوكمة المؤسسة بما ينسجم مع أهدافها وإعادة هيكلة نظامها الأساسي، على أن يتم ذلك خلال مدة أقصاها 30 يوماً من تاريخ صدور القرار.

وحول هذا القرار، قال الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أيمن الدسوقي، في تصريح لموقع تلفزيون سوريا، إن قرار الوزارة يأتي في سياق التعامل مع شبكات النظام السابق وإدارة الأصول المالية والممتلكات إلى حين اتخاذ قرار نهائي بشأنها.

واعتبر أن مصير المؤسسة، سواء بالاستمرار أو الحل، يرتبط بمدى إمكانية استثمارها والفوائد المحتملة منها، خاصةً أنها تمتلك كوادر ذات خبرة متقدمة وشبكة علاقات واسعة مع مانحين وشركاء محليين.

وأضاف "الدسوقي" أن حكومة تصريف الأعمال أبدت اهتماماً ملحوظاً بتنظيم قطاع منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية، مشيراً إلى إجراءات مماثلة اتخذتها تجاه الهلال الأحمر السوري.

ورأى أن هذا الاهتمام ينبع من اعتبار هذه المنظمات مصدراً محتملاً للتمويل ومنافساً لمؤسسات الدولة المتداعية في تقديم الخدمات، إلى جانب التخوف من تحول بعضها إلى أدوات لأجندات أجنبية. 

وأوضح الدسوقي أن الإجراءات الأخيرة المتعلقة بمؤسسة "الأمانة السورية للتنمية" والهلال الأحمر السوري تعكس توجهاً حكومياً نحو تعزيز الرقابة على قطاع منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية.

وأكد أن الحكومة تعتبر هذه المنظمات منافساً حقيقياً لمؤسسات الدولة المتدهورة في تقديم الخدمات، إضافة إلى التخوف من ارتباط بعضها بأجندات أجنبية، مما دفعها لتشديد الإشراف عليها.


السورية للتنمية.. تأسيس بأهداف مدنية وتحول إلى أداة للنظام 

أسست أسماء الأسد العديد من المنظمات غير الحكومية في سوريا بعد زواجها من بشار الأسد، ومنها "الأمانة للتنمية" في عام 2001. ومع الوقت، عملت على دمج هذه المنظمات في مؤسسة "الأمانة السورية للتنمية" عام 2007، وسرعان ما أصبحت واحدة من أبرز المنظمات غير الحكومية في البلاد.

قدمت المؤسسة نفسها كمنظمة تنموية تهدف إلى تعزيز العمل المجتمعي والتنمية المستدامة. وخلال أعوامها الأولى، ركزت على مشاريع مثل "عيادات العمل" لتأهيل الموارد البشرية، واستغلت نفوذها للاستيلاء على أراضٍ تابعة لوزارة الدفاع لتنفيذ مشاريع كـ"وردة مسار" لدعم الشباب.

كما أنشأت "الصندوق السوري لتنمية الريف" لتقديم قروض من دون فوائد للفلاحين. ومع ذلك، شهدت المؤسسة صراعات مع الأجهزة الأمنية ووزارة الدفاع، وتعرضت مشاريعها لعراقيل إدارية وأمنية، في حين ارتبط اسمها بملفات فساد تورط فيها ضباط من الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة، استفادوا من ميزانيات المشاريع التنموية، بحسب ما نقل إعلام محلي عن موظفين في المؤسسة.

المؤسسة بعد انطلاق الثورة

 

ومع انطلاق الثورة السورية عام 2011، تغير دور "الأمانة" لتصبح واجهة مدنية للنظام، إذ دعمت الجيش والأجهزة الأمنية. نفذت المؤسسة فعاليات لتكريم جرحى قوات النظام قبل سقوطه، وسيطرت على الأنشطة الشبابية داخل الجامعات لقمع الاحتجاجات، كما قدمت خدمات طبية مثل تركيب الأطراف الصناعية للمصابين من قوات النظام.

ولفت تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن المؤسسة أسهمت في توزيع المساعدات وفق معايير تمييزية تخدم أهداف النظام السياسية.

ومع مرور الوقت، توسعت المؤسسة في تنفيذ مشاريع متنوعة، ونافست أخرى مثل زراعة الورد الشامي، ووضعت يدها على عمليات الترميم والتأهيل، مثل ترميم سوق المحمص في مدينة حلب القديمة، وعدد من المنازل والمباني التاريخية والمعابد والجوامع والحمامات في محافظتي حلب وطرطوس، إضافة إلى التكية السليمانية في دمشق.

في أعقاب الزلزال الذي ضرب تركيا وشمالي سوريا، لم تفوّت أسماء الأسد فرصة استغلال المساعدات الموجهة للمتضررين. أدارت المؤسسة ملف إسكان المتضررين من خلال "الصندوق الوطني لدعم المتضررين من الزلزال"، الذي أُنشئ بموجب المرسوم التشريعي رقم 7 لعام 2023، ويرأسه فارس كلاس، الأمين العام لـ"الأمانة السورية للتنمية".

استفادت المؤسسة من هذا الإشراف لتعزيز تعاونها مع حكومة النظام، ما منحها القدرة على استقطاب أموال المانحين تحت بنود مختلفة مثل الإغاثة ومشاريع التعافي المبكر. كما مكّنها ذلك من جعل العمليات الإغاثية في سوريا تتم بالتنسيق معها وتحت إدارتها، مما أدى إلى تهميش المنظمات الأخرى، بما فيها تلك التي تديرها المعارضة.

وأكد الباحث أيمن الدسوقي أن "الأمانة السورية للتنمية" كانت واحدة من أهم أدوات النظام للسيطرة على المجال المدني. فقد اعتُبرت الشريك الأساسي للمنظمات الدولية والأممية في سوريا، ما أجبر هذه المنظمات على العمل من خلالها، وكانت أحد أهم مصادر تمويلها،ويعتقد أن بعض القائمين على هذه المنظمات تورطوا في ممارسات فساد لضمان تنفيذ مشاريعهم بالشراكة مع الأمانة.
ولفت إلى أن مشاريع مثل "الاستجابة القانونية" لمعالجة الأوراق الرسمية للنازحين كانت حكراً على "الأمانة"، مما دفع المنظمات المحلية إلى الانسحاب أو الخضوع لهيمنتها.

وأضاف "الدسوقي" أن المؤسسة استقطبت كوادر من المنظمات الأخرى عبر تقديم امتيازات ورواتب أفضل، مما أضعف تلك المنظمات وزاد من هيمنة "الأمانة" على المجال المدني.

الدعم والشراكات الدولية


حصلت "الأمانة السورية للتنمية" على دعم مالي كبير من الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى، من دون وجود إحصائيات رسمية دقيقة عن حجم الأموال التي تلقتها على مدار السنوات الفائتة، ولكن الأرقام تشير إلى تقديم  نحو 6 ملايين دولار خلال أعوام 2016-2017- 2018

وتُظهر البيانات المتوفرة عن طريق “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية”، أن الأمم المتحدة تبرعت لـ”الأمانة” على الأقل بأكثر من 750 ألف دولار في عام 2016، وأكثر من 732 ألف دولار في عام 2017، إضافة إلى 4.3 ملايين دولار في عام 2018.

 ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، استحوذت "الأمانة السورية للتنمية" على حوالي 80% من المساعدات الإنسانية الدولية المخصصة لسوريا في عام 2017.

وأشار التقرير إلى أن النظام السوري استغل منظمتي الهلال الأحمر السوري و"الأمانة السورية للتنمية" كأدوات للهيمنة على المساعدات الإنسانية الدولية. فقد استُخدمت هاتان المؤسستان كواجهة لاستقطاب الدعم المالي والسيطرة على تدفق المساعدات من الأمم المتحدة والدول المانحة، إذ تصل نسبة نهب المساعدات إلى 90% في بعض الحالات.

 كما فرض النظام شروطاً صارمة على الجهات المانحة، تضمنت توقيع اتفاقيات تضمن عدم تنفيذ مشاريع أو زيارات ميدانية من دون موافقة مسبقة من هذه المنظمات. ونتيجة لذلك، تحولت المساعدات الإنسانية إلى أداة لتمويل النظام ومؤسساته الأمنية.

وأكد التقرير أن "الأمانة السورية للتنمية"، بقيادة أسماء الأسد، توسعت في السيطرة على المساعدات، بما في ذلك الدعم القانوني والإغاثي للنازحين، مما جعلها أداة لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية للنظام. وأسهم غياب الشفافية والرقابة الفعالة من الجهات المانحة في تعميق الفساد والمحسوبيات، إذ استُخدمت المساعدات لتعزيز الولاء للنظام ومعاقبة معارضيه، ما أدى إلى حرمان المستحقين الحقيقيين من الدعم الإنساني.

وتشير بيانات أممية إلى أن 70% من المشاريع التي نفذتها المؤسسة تركزت في مناطق النظام، في حين حصلت المناطق الأخرى، بما فيها المناطق الخاضعة للمعارضة، على أقل من 10% من المساعدات. 

من هم شركاء المؤسسة؟

من أبرز الشراكات التي عقدتها "الأمانة السورية للتنمية" مع وكالات الأمم المتحدة، الشراكة مع منظمة اليونسكو، التي أسفرت عن تسجيل 6 عناصر سورية على قوائم التراث الإنساني. وكان آخر هذه العناصر "نفخ الزجاج السوري التقليدي"، الذي تم إدراجه خلال اجتماع للجنة الحكومية الدولية لحماية التراث الثقافي غير المادي في بوتسوانا.

وبحسب ما ذكر موقع "الأمانة السورية" حينها، قيّمت منظمة اليونسكو واعتمدت خطة وطنية لإعادة إحياء هذه الحرفة وتطويرها كإحدى الصناعات الإبداعية السورية.

ولا يقتصر التمويل الدولي لـ"الأمانة السورية للتنمية" على الأمم المتحدة، إذ تمتلك شراكات مباشرة مع منظمات دولية أخرى، مثل المجلس النرويجي لشؤون اللاجئين ومؤسسة الآغا خان، مما عزز نفوذها داخل المجتمع المدني السوري.

وسبق أن لفت مدير منصة "الاقتصادي"، يونس الكريم، لموقع تلفزين سوريا إلى أن "الأمانة السورية للتنمية" كانت بوابة النظام إلى العالم الغربي قبل اندلاع الثورة السورية، لكنها استغلت سيطرتها على المجتمع المدني لتختفي مبالغ ضخمة من المساعدات الدولية.

 وأضاف "الكريم" أن الأمم المتحدة ترى في تنسيقها مع "الأمانة" وسيلة لضمان إيصال المساعدات إلى مستحقيها ولو بالحد الأدنى، ما يفسر استمرار العلاقة بين الجانبين.


عمل المنظمات في سوريا ما بعد الأسد

يشكل قرار حل مؤسسة "الأمانة السورية للتنمية" بداية جديدة للمشهد التنموي في سوريا. تسعى الحكومة الجديدة إلى تصحيح المسار وإعادة هيكلة المؤسسات التنموية بما يضمن استقلاليتها.

 لكن يبقى التحدي الأكبر هو ضمان توزيع عادل للموارد وإعادة بناء الثقة مع الجهات الدولية، خاصة بعد توثيق تجاوزات المؤسسة خلال العقد الماضي.

وفي هذا الشأن شدد الباحث "الدسوقي" على الحاجة الماسة لدور فاعل لمنظمات المجتمع المدني في سوريا في ظل الفجوات الكبيرة الناجمة عن سقوط النظام.

ودعا إلى تنسيق العمل بين هذه المنظمات من خلال منصات مشتركة، وتأسيس شراكات استراتيجية تدعم مؤسسات الدولة بدلاً من منافستها. كما أشار إلى أهمية المطالبة بقانون عصري ينظم عمل منظمات المجتمع المدني ويضمن شراكتها مع الدولة بدلاً من النظر إليها كخصم أو عبء.