بعد عام كامل على كارثة زلزال شباط المدمر في سوريا وتركيا، لا يزال مئات المتضررين ممن تهدمت منازلهم في محافظتي حلب واللاذقية الخاضعتين لسيطرة النظام السوري دون مأوى بسبب تأخر النظام في التنفيذ والتسليم رغم الدعم الكبير، ما لفت نظر المراقبين لمزيج القطاع العام المتمثل بالإنشاءات العسكرية والمنظماتي المتمثل بمنظمة أسماء الأسد.
وبحسب مصادر أهلية في حلب تحدثت لموقع تلفزيون سوريا، لم يتسلم أي شخص تهدم نزله سكناً بديلاً، علما أن النظام أصدر قوائم عدة بأسماء المتضررين في المحافظة.
ورغم تدفق الدعم الدولي والأممي بنسبة عظمى للنظام السوري على حساب مناطق شمال غربي سوريا الخاضعة لسيطرة المعارضة والتي سجل فيها الضرر الأكبر في سوريا بفارق كبير، تمكنت المنظمات والجميعات والسلطات المحلية من بناء 1792 شقة سكنية وتسليمها للعائلات، وتناضل المنظمات لاستكمال بناء ما يقرب من 1500 وحدة سكنية في الأشهر القادمة.
وبحسب إحصائيات النظام عن أضرار الزلزال في مناطق سيطرته، كانت محافظة حلب الأكثر تضرراً وسجلت فيها 45% من الأضرار وقدرت بـ 2.3 مليار دولار، تليها محافظة إدلب بنسبة 37%، وبقيمة أضرار بلغت نحو 1.9 مليار دولار، ثم اللاذقية بنسبة ضرر بلغت 11%، وقيمتها 549 مليون دولار أميركي، بحسب تقارير صادرة عن حكومة النظام.
بيروقراطية وإنشاءات عسكرية
بالرغم من التأخر الذي شارف على عام كامل، صرح مسؤولو النظام في اللاذقية أن تنفيذ أعمال السكن البديل مستمر بوتيرة جيدة حيث تشمل مجمل المشاريع 8 أبنية برجية تضم 320 شقة سكنية بين جبلة واللاذقية (كل برج 10 طوابق 40 شقة بنموذج موحد مساحتها 100 متر مربع مؤلفة من غرفتين وصالون بإكساء كامل)، بحسب صحيفة الوطن المقربة من النظام.
وقال مدير فرع مؤسسة الإسكان للصحيفة إنه من المتوقع أن يتم تسليم الشقق في شارع الثورة بين شهري نيسان وأيار المقبلين، وما تبقى ببقية المواقع بين أيلول وتشرين الأول القادمين.
وسبق أن دعم الهلال الأحمر الإماراتي مشروعاً لإنشاء 1000 وحدة سكنية مسبقة الصنع لإيواء متضرري الزلزال في موقعين داخل مدينة اللاذقية هما حي الغراف وتوسع دمسرخو، والفيض والنقعة والفوار في مدينة جبلة وموقع في قرية اسطامو، وكذلك دعمت الإمارات ومشروع صيانة وإعادة تأهيل 40 مدرسة في محافظة اللاذقية.
أما في حلب فتسير الأمور ببطء شديد وبيروقراطية عالية المستوى، حيث يلاحظ المتابع لملف إسكان المتضررين أن حكومة النظام ساهمت في وضع العراقيل أمام إعادة ترميم منازل المتضررين، فضلا عن إتمام تشييد بيوت السكن البديل تحت ذرائع مكافحة مخالفات البناء والحرص على المخطط التنظيمي العام للمدينة.
وقالت مصادر أهلية لموقع تلفزيون سوريا إن عددا كبيرا من المتضررين لم يبادروا إلى التسجيل ضمن ملف المتضررين بسبب عدم تفاؤلهم من الاستجابة السريعة لا سيما وأن معظم من قدموا أوراقهم لم يحصلوا على أي استجابة حقيقية حتى الآن بالرغم من أن منازلهم جرى تقييمها من قبل اللجان الهندسية تحت بند الإخلاء الفوري.
ولا يزال المسؤولون في حلب يتحدثون عن استكمال تقييم وتوصيف الأبنية المتضررة من الزلزال، وذلك من خلال تشكيل لجان هندسية جديدة وتحديد آليات العمل المناسبة لإنجاز العمل، بينما نقلت "صحيفة الوطن" عن مدير فرع المؤسسة العامة للإسكان المهندس سالم حبيب أن تسليم الأبنية في ضاحية المعصرانية سيكون مع نهاية الشهر الثالث من العام الجاري، مؤكدا إنفاق نحو 22 مليار ليرة سورية.
وقال حبيب نهاية الشهر الفائت إن نسبة الإنجاز في مساكن المعصرانية بلغت نحو 100% في الهيكل وبنسبة 70% في الإكساء و60% في الموقع العام.
وتنفذ الإنشاءات العسكرية مشروعي المعصرانية والحيدرية، ويتألف من 4 محاضر، وتتألف من 120 مسكناً تتراوح مساحتها بين 65 إلى 90 متراً مربعاً، ويتضمن مشروع الحيدرية في مدينة حلب 4 محاضر، ويضم كل محضر 10 طوابق وقبو بواقع 320 شقة سكنية.
تشريعات معرقلة ونفوذ جديد لأسماء الأسد
ويدير ملف إسكان المتضررين ما أطلق عليه النظام "الصندوق الوطني لدعم المتضررين من الزلزال"، والذي تم إحداثه بموجب المرسوم التشريعي رقم 7 لعام 2023، ويرأسه فارس كلاس الأمين العام لمنظمة أسماء الأسد المعروفة باسم "الأمانة السورية للتنمية".
واستحوذت منظمة أسماء الأسد على حصة الأسد من التمويل والدعم الأممي والدولي بكل قطاعاته التنموية والتعافي المبكر والمشاريع الإغاثية،
ينحدر كلاس المولود في مدينة حماة عام 1971، من عائلة مسيحية وهو أحد المقربين من عائلة الأخرس، ويشغل إلى جانب منصب الأمين العام لـ "الأمانة السورية للتنمية" رئاسة مجلس إدارة مؤسسة "الوطنية للتمويل الصغير"، ونائب رئيس إدارة "شركة أوغاريت التعليمية" ، كما أنه عضو مجلس أمناء "جامعة المنارة" في طرطوس، ومدير مكتب أسماء الأسد سابقا.
وأشار الباحث الاقتصادي ومدير منصة "اقتصادي" يونس الكريم أن صندوق دعم متضرري الزلزال -على أهميته- يعتبر شكلا غير حكومي لدعم المتضررين على الرغم من مشاركة حكومة النظام فيه عبر "المؤسسة العامة للإسكان".
ويضيف لموقع تلفزيون سوريا: "هذه النقطة مهمة من جوانب عديدة حيث تعتبر بمنزلة تطبيق فعلي من حكومة النظام لفكرة التشاركية بين القطاعين الخاص والعام لإدارة الاقتصاد السوري. لكنها مؤشر خطير على أن المجتمع المدني بات جزءا من العمل المؤسساتي الحكومي، ومؤشر على تكريس أسماء الأسد كعراب للاقتصاد الجديد عبر إعطاء دور رسمي للمؤسسات التي تسيطر عليها فعليا".
ويتابع: "وضع النظام خطة لإسكان المتضررين تتضمن 3 شرائح، والمشكلة تتمثل في أن الشريحة الأولى والأكثر تضررا من الزلزال كانت محصورة بعدد قليل من الأسماء بسبب العراقيل القانونية، ما جعل عملية الإسكان لا تعدو عن إجراء إعلامي بهدف السيطرة على أموال صندوق الدعم وخاصة القادمة من المنظمات الدولية والدول المانحة".
ويرى الكريم أن معظم الأبنية في أكبر منطقتين تضررتا ضمن مناطق سيطرة النظام (حلب، اللاذقية) لا تحقق شروط دعم الصندوق من الناحية القانونية بسبب التشريعات المتعلقة بالبناء وبالتالي هي غير داخلة في التنظيم ما حرم كثيرا من المتضررين من التعويضات.
تلاعب وتسييس
وبالمجمل شاب خطة السكن البديل حوادث سرقة وفساد لا سيما من قبل فارس كلاس مدير الصندوق الذي استحوذ على أموال دعم متضرري الزلزال سواء لصالحه الشخصي أو لصالح الأمانة السورية للتنمية، بحسب عمال في منظمات إنسانية.
ويؤكد يونس الكريم الذي تابع ملف استجابة النظام لكارثة الزلزال أن الجهات المانحة التي تلتزم بتقديم التمويل لتعويض المتضررين من الزلزال مثل الاتحاد الأوروبي والإمارات "ضغطت بقوة لكي تجبر الحكومة النظام السوري على تنفيذ شيء على الأرض وذلك بربط التمويل بالتنفيذ، لكن تم التلاعب بأرقام التكاليف و القوائم".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى تحميل المواطنين عبء قسم كبير من الضرر عبر تصنيفهم ضمن الشريحتين الثانية والثالثة، وقصر الشريحة الأولى على المواطنين بحيث تراعي الأولوية بالنسبة للولاء للنظام وقرب الأشخاص من الأمانة السورية للتنمية، وهذا تلاعب على الصندوق، وبالتالي فإن المتضررين الحقيقيين لن يحصلوا على سكن بديل، ما يعني أن جميع وعود الإسكان هي وعود خلبية تهدف من خلالها الأمانة إلى استكمال الحصول على المنحة المقدمة لملف متضرري الزلزال.
وتستفيد الأمانة السورية للتنمية من خلال إشرافها على ملف الزلزال في تعزيز عملها التشاركي مع حكومة النظام السوري وهو ما يمنحها القدرة على استقطاب أموال المانحين بشكل أكثر سلاسة تحت بنود مختلفة مثل ملفات الإغاثة ومشاريع التعافي المبكر، كما يمكنها من كسب نفوذ لجعل كل العمليات التي تتم عبر الجغرافية السورية تتم بالتنسيق معها وتحت إدارتها، ما يمكنها من تهميش المنظمات الأخرى بما فيها تلك التي تديرها المعارضة.