تنذر كارثة الزلزال التي مضى عليها عام كامل، بتداعيات سلبية تطول عقارات سكان العشوائيات في حلب واللاذقية الذين تهدمت بيوتهم بفعل الزلزال، حيث يرى حقوقيون أن جزءا من هذه الممتلكات يواجه مصيرا مجهولا، في ظل القوانين التي أصدرها النظام السوري في السنوات السابقة.
ومن مراجعة القوانين التي صدرت عن النظام السوري على مدار العقد الأخير، تدلّ المؤشرات على أن بعض المنكوبين ربما يخسرون منازلهم كلياً، حيث يمكن أن يلجأ النظام إلى تطبيق بعض القوانين التي تخص الأبنية العشوائية وعلى رأسها القانون رقم 10 للعام 2018، وهو ما يلاحظ بوضوح من خلال العراقيل التي يضعها النظام أمام سكان البيوت المهدمة.
ومنذ إطلاقه، يتبع "الصندوق الوطني لدعم المتضررين من الزلزال" استراتيجية تم خلالها تقسيم المستفيدين إلى شريحتين:
وهي شريحة الأبنية المرخصة ضمن منطقة منظمة، الذين يقدمون طلب إعادة الحصول على رخصة بناء للمبنى المتهدم حيث يتم الدعم لإعادة المبنى للحالة التي كان عليها قبل وقوع الزلزال.
وشريحة (ب) للأبنية غير المرخصة في المناطق المنظمة وغير المنظمة، ويقدمون طلباً للاكتتاب على منزل سكني في المباني التي تقوم المؤسسة العامة للإسكان بتشييدها في المحافظة والمخصصة لهذه الشريحة، بحسب جريدة الوطن المقربة من النظام.
خيارات الاستيلاء
ويطلق مصطلح العشوائيات على المخالفات المتجاوزة على التخطيط المصدق و المخالفات الواقعة ضمن الأملاك العامة أو أملاك الدولة الخاصة ضمن الحدود الإدارية أو المتجاوزة عليها، كما تشمل المخالفات الواقعة ضمن المناطق الصادر بها صك استملاك أو ضمن مناطق التنظيم أو المناطق التي يحظر البناء عليها .
ويوضح عضو "هيئة القانونيين السوريين" عبد الناصر حوشان خلال حديث لموقع تلفزيون سوريا أنه بالنسبة للمخالفات الواقعة ضمن المخطط التنظيمي يكون الجزاء إزالة المخالفة أو تسويتها مع الوحدة الإدارية دون التعرّض لحق الملكية، أما بالنسبة لباقي المخالفات فلا يجوز تسويتها.
ويضيف أن أمام النظام خيارات عدّة لنزع الملكيّة عن المخالفات الواقعة خارج المخطط التنظيمي مثل إدخالها في مناطق التنظيم العقاري أو إزالة الشيوع الاجباري أو ضمها ضمن مشروع تنظيم عقاري واسع بموجب القانون 10 لسنة 2012 الذي يمكن بموجبه إعادة تنظيم المنظم.
ويتابع أن الفكرة تم تنفيذها في تنظيم المناطق المنظّمة في دمشق بموجب المرسوم 66 لسنة 2012 حيث جرى تسليم هذه المشاريع الى المستثمرين العقاريين بعد إلغاء قانون التطوير العقاري و إلحاق مشاريع التطوير العقاري بقانون الاستثمار الذي يجيز للوحدة الإدارية تملك 50 بالمئة من العقارات مجانا و استملاك كامل العقارات بموجب قانون الاستملاك رقم 20 لسنة 1983. و يمكن للمستثمر شراء عقارات او الدخول في شراكة مع المالكين بملكية الـ50% من المتبقيّة من هذه العقارات.
الزلزال كذريعة لنزع الملكية
ويبدو أن النظام قد يلجأ إلى نفس الخطة لنزع الملكية عن جزء من الممتلكات العشوائية التي هدمها الزلزال، مخالفا المادة 41 من الدستور السوري لعام 2012 والتي تتكفل من خلالها "الدولة" بالتضامن مع المجتمع بالأعباء الناجمة عن الكوارث الطبيعية.
وتعليقا على ذلك، أكّد مدير مكتب رابطة المحامين السوريين الأحرار في هاتاي عمار عز الدين أن النظام السوري كعادته سوف يتهرب من التزاماته الدستورية والقانونية بحق الشعب السوري وذلك بتعقيد إثبات الملكية للمتضررين.
وأضاف، في تصريح لموقع تلفزيون سوريا، أن هذه المشكلة سوف تزداد تعقيدا في مناطق العشوائيات والمخالفات لكونها لا يمكن تصحيح أوصافها في السجل العقاري لأنها غير نظامية وغير مرخصة وغير مفرزة، وكثيرا ما يؤدي هذا الواقع إلى استحالة معرفة المتضررين من الزلزال، وفاقم المشكلة إصدار النظام عدة قوانين وتشريعات استهدفت حقوق الملكية والسكن وكبلت السوريين في إثبات ملكيتهم بهدف الاستيلاء عليها، بالإضافة لموضوع الموافقات الأمنية.
وعليه، يرجح عز الدين أن النظام لن يتملص من التزاماته الدستورية فحسب بل سوف يكون الزلزال ذريعة سوف يستخدمها في متابعة مخططه الخبيث في الاستيلاء على ممتلكات السوريين العقارية في المناطق التي هدمت بسبب تعرضها للزلزال. وذلك وفق القانون رقم 3 لعام 2018، و المرسوم 66 لعام 2012، و القانون رقم 10 لعام 2018، وغيرها من القوانين العقارية التي تستهدف حقوق الملكية و السكن في سوريا.
تداعيات مستقبلية
في العام 2018 أصدر النظام القانون رقم 3 الذي يقضي بإزالة أنقاض الأبنية المتضررة نتيجة أسباب طبيعية أو غير طبيعية أو لخضوعها للقوانين التي تقضي بهدمها، وغاية القانون كانت توصيف المنشآت المدمرة والمتضررة، وترحيل الأنقاض وتوزيع نفقاتها وأثمانها على مستحقيها.
ويأتي القانون ضمن سياق منظومة القوانين التي تمهد للسطو على الحقوق العقارية، والتي شكلت كارثة الزلزال فرصة للنظام ليستخدمها كذريعة في الاستيلاء على الملكيات العقارية للسوريين
ويعد قانون إزالة الأنقاض بمثابة البوابة المؤدية لتطبيق القانون رقم (10) لعام 2018، بحسب ما يؤكد المحامي عمار عز الدين، حيث تهدم المحافظة أي منطقة عقارية سواء كانت سليمة أم متضررة بفعل الزلزال أو العمليات العسكرية أو قصف النظام لهذه لمناطق و تضرر الأبنية فيها. و هذا النموذج تم تطبيقه في أحياء عديدة في المحافظات السورية كحي بابا عمرو في حمص وحيي القابون والتضامن في دمشق، وحي العامرية في مدينة حلب.
ويضيف أنه بمجرد أن يصدر المحافظ قرارا بتشميل العقارات بأحكام القانون رقم 3 لعام 2018 وبعد أن تُزال الأنقاض وتصبح المنطقة أرضا خالية لا معالم لها، يأتي دور قوانين التخطيط العمراني وإحداث المناطق التنظيمية بهدف سلب الملكية من أصحابها تحقيقا لتغيير التركيبة السكانية والاستفادة من الاستيلاء على هذه الملكيات في جني الأموال الباهظة في سياق إعادة إعمار هذه المناطق و تسليمها لشركات بملايين الدولارات.