الرئيس الأخير والأول للمئوية التركية

2023.06.01 | 06:55 دمشق

الرئيس الأخير والأول للمئوية التركية
+A
حجم الخط
-A

بشق الأنفس أطاح الرئيس التّركيّ رجب طيب أردوغان بغريمه السّياسيّ كمال كليتشدار أوغلو بعد جولتين انتخابيّتين شهدتا تجاذبًا كبيرًا حظيت باهتمام محليّ ودوليّ غير مسبوق، ووصفها الرئيس أردوغان بأنها انتصار للدّيمقراطيّة التّركيّة بغضّ النّظر من هو الفائز، وإن كانت هذه الانتخابات تمثّل آخر معارك الرّجلين السّياسيّة وجولةً حاسمةً بين نهجين وإيديولوجيّتين متباينتين.
يمكن اعتبار فوز أردوغان برئاسة البلاد استمراريّةً لنهجه السّابق في الحكم وإيذانًا بعدم تغيّر في الخطوط العريضة لرؤية الإدارة التركيّة في تسيير شؤون البلاد داخليًّا وخارجيًّا، الأمر الّذي يعدّ رسالة طمئنة للمتأثّرين المباشرين بهذا الفوز من مستثمرين وفاعلين دوليّين.
فرغم وجود أطرافٍ دوليّة تطمح إلى التّعامل مع قيادةٍ تركيّةٍ جديدةٍ، فإنّ أغلب الفاعلين الإقليميّين والشّركاء الاستراتيجيّين لتركيا يفضّلون التّعامل مع قيادةٍ خبروا توجّهاتها المتعلّقة بالسّياسة الخارجيّة الّتي حافظت على استقرارها على امتداد عقدين، واتضحت معالمها بشكل أكثر وضوحًا خلال العشريّة المنقضة. فالتغيير الّذي كان يحتمل أن يطرأ على رأس القيادة التّركية في هذا الوقت بالذات كان من شأنه أن يحدث خللاً في نهج تعاطي الفاعلين الدّوليين مع الملفّات الإقليميّة الّتي تلعب فيها تركيا دورًا محوريًا، خاصّة تلك المتعلّقة بدول الجوار والدّول المطلّة على البحر الأسود، وروسيا وأوكرانيا والصّراع الدائر بينهما.

فوز أردوغان الّذي طرح رؤيةً أكثر عقلانيّة فيما يتعلّق بملفّ إدارة أزمة اللاّجئين، طمأن المستثمرين الّذين أفزعهم خطاب مرشّح المعارضة ودفعهم إلى تعليق استثماراتهم

لطالما مثّل وضع اللاجئين ملفًّا مفصليًّا في المشهد التّركي وازداد الجدل حول طرق تقليصه طيلة فترة الانتخابات، وكان ملفّ الهجرة أيضاً أحد العوامل الحاسمة فيها حيث دأب المرشّح كليتشدار أوغلو على الإدلاء بتصريحاتٍ تحريضيّة ضدّ اللّاجئين السّوريّين، وانتهج خطابا موغلا في القوميّة وجد صداه عند فئة مهمّة من النّاخبين الأتراك وتسبّب في مخاوف جدية لدى اللاجئين السوريين في المقام الأول والمهاجرين العرب والأجانب على سلامتهم، وعكس درجة الضّغط الذي يمكن أن يواجهوه في حال فوزه. لكنّ فوز أردوغان الّذي طرح رؤيةً أكثر عقلانيّة فيما يتعلّق بملفّ إدارة أزمة اللاّجئين، طمأن المستثمرين الّذين أفزعهم خطاب مرشّح المعارضة ودفعهم إلى تعليق استثماراتهم وتأجيل بدء مشاريعهم إلى حين اتّضاح مسار البلاد وصدور النّتائج النّهائيّة للانتخابات.

الملف الأمني هو من المحاور المهمة للرئيس أردوغان والتي أكد عليها في كثير من خطاباته الانتخابية

يمثّل الملفّ الاقتصاديّ الهاجس الأكبر للرّئيس وفريقه فقد مثّل نقطة ضعف استغلّها معسكر المعارضة في الهجوم على أردوغان انطلاقًا من معطيات ملموسة، تمثّلت في أزمة بطالةٍ وتضخّم خانقين أنهكا اقتصاد البلاد طيلة الفترة الماضية، وهو ما أجّج مشاعر النّاخبين وقلَب فئة منهم على اللاّجئين والمهاجرين إثر ربط المعارضة الأزمة الاقتصاديّة الّتي تمر بها تركيا بوجود اللاّجئين الّذين اعتبروا حملاً إضافيًّا على اقتصاد بلدهم. وهو ما من شأنه أن يعقّد المشهد ويعرقل جهود أردوغان في إنقاذ الاقتصاد وسط تمسّكه بسياسة تقليص الفوائض، وبروز مؤشّرات على حدوث انكماشٍ اقتصاديٍّ عالميٍّ وشيكٍ بدأت تبعاته في الظّهور في أقطاب اقتصاديّةٍ عالميّةٍ كبرى على غرار الولايات المتّحدة الأميركيّة وتداعيات أزمة الدّين الأخيرة عليها، وألمانيا الّتي أعلنت رسميًّا دخول اقتصاد بلادها مرحلةً من الانكماش كلّ هذه المعطيات دعت الكثيرين إلى التّساؤل عن احتمال استدعاء أردوغان لمحمد شمشك الّذي يعتبر رقمًا صعبًا في عالم الاقتصاد على الصّعيدين المحليّ والدّوليّ، وعن السّبيل الّذي سيسلكه الرّئيس أردوغان في إخراج البلاد من هذه الأزمة.

لعل الملف الأمني هو من المحاور المهمة للرئيس أردوغان والتي أكد عليها في كثير من خطاباته الانتخابية وواصل تأكيده من خلال خطاب النصر أمام أنصاره واتهامه للمعارضة بالتعامل مع أطراف سياسية تتعامل مع إرهابيين أو داعمين لهم، وهذا المحور لعله المحور الثابت في سياسة أردوغان على عكس المحور الاقتصادي الذي ربما يتخلى عنه الرئيس أردوغان لأحد الأسماء الاقتصادية اللامعة ليتفرغ لملفات كبيرة سواء على صعيد السياسة الخارجية، أو الداخلية، فأردوغان الآن آخر رئيس في المئوية الأولى للجمهورية التركية وأول رئيس للمئوية الثانية.