في ظاهرة غريبة ودخيلة على محافظة السويداء انتشرت عمليات الخطف منذ عام 2013، حيث يرى معظم أهالي المحافظة أن هذه الظاهرة مرتبطة بأجهزة أمنية تابعة للنظام السوري التي قامت بتشكيل عصابات رعتها بهدف تشويه صورة السويداء التي اتخذت طابع المحايد في الأحداث التي شهدتها البلاد.
ترافق انتشار ظاهرة الخطف بتجاهل أمني لها حيث لم يتخذ النظام أي إجراءات لكبحها والقضاء عليها، مما أثار استياء شعبيا عارما انفجر في تموز/يوليو 2022 عندما قامت الفصائل بالقضاء على ميليشيا "قوات الفجر" التي تتبع للأمن العسكري، مهدت له قيام أهالي شهبا باجتثاث عصابة مارست الخطف والقتل والسرقة في تموز/يوليو 2021، الأمر الذي حد من جرائم الخطف بشكل كبير ووصل إلى حد التلاشي مع اندلاع الحراك السلمي في السويداء في 20 آب/ أغسطس الماضي.
بداية تشكيل عصابات الخطف
ويقول مصدر مطلع، رفض الكشف عن اسمه، لموقع تلفزيون سوريا، إن فرع الأمن العسكري التابع للنظام لعب دوراً في تشكيل عصابات الخطف التي ظهرت 2013 بعد عامين من اندلاع الأزمة في سوريا.
ويضيف المصدر، أن دور الأمن العسكري برز خاصة عندما كان اللواء كفاح ملحم يشغل منصب المسؤول عن إدارة المنطقة الجنوبية كاملة وكان وفيق ناصر يشغل منصب رئيس الفرع بالسويداء.
ووفقاً للمصدر، فإن الأسباب التي دفعت النظام لتشكيل عصابات الخطف، هي لتشويه صورة المحافظة وزعزعة أمنها بعد أن حاولت أطياف في المحافظة النأي بها عن التورط بالأزمة من خلال عزوف الشباب عن الالتحاق بالجيش النظامي.
كما أن لهذه العصابات أهمية بالنسبة للنظام ودورا مهما في حماية خطوط التهريب في المحافظة ابتداءً من المحروقات والسلاح والمخدرات، وفق للمصدر ذاته.
ويوضح المصدر تاريخ وتفاصيل هذه العصابات ويقول ظهرت في تلك الفترة عصابات في عريقة والمزرعة وعصابات تتبع لأشخاص مثل سليم الحمود وراجي فلحوط وغدير زريفة وغيرهم، لافتا إلى أن من هذه العصابات من اختص بسرقة السيارات ومنهم من اختص بتجارة المخدرات، وهناك من اختص بخطف البشر حيث كانت تصل الفدية إلى مبلغ مليون دولار.
ويؤكد أن هذه العصابات والفصائل شُكلت بحماية أمنية حيث جميع أفرادها يحملون البطاقات الأمنية.
جريمة منظمة برعاية النظام
انتشار جرائم الخطف بالإضافة إلى السرقة والقتل كانت ظاهرة دخيلة وغريبة ومستهجنة من قبل أهالي السويداء، والذين استعرض موقع "تلفزيون سوريا" آراء العديد منهم، ولكن مع التحفظ على ذكر أسمائهم الصريحة لأسباب تتعلق بسلامتهم.
ويرى الأهالي أن هذه الجرائم المنظمة تتم برعاية ودعم من جهات أمنية تابعة لنظام الأسد، خاصة أن متزعمي معظم العصابات التي برزت يحملون بطاقات أمنية.
ويقول "م.ح"، أحد أهالي السويداء، إن معظم عصابات الخطف مرتبطة بالجهات الأمنية التابعة للنظام ويحمل عناصرها بطاقات أمنية وخاصة عصابة راجي فلحوط، الأمر الذي جعلها تتمادى في جرائمها من دون وجود حسيب أو رقيب.
بدوره، "أ.خ" يرى أن سبب انتشار هذه الظاهرة يرجع إلى الفوضى الموجودة وغياب السلطة المقصود عن الشأن الأمني المرتبط بالمحافظة، لافتا إلى أن السلطة تعمدت حماية هذه العصابات التي تستقطب الفقراء.
في حين، لا يرى "ج. ج"، وهو أيضاً من أهالي السويداء، أن الفقر والعوز هما سبب لانتشار الفقر ويقول إن الهدف تشويه سمعة المحافظة عن طريق تلك العصابات التي ترعاهم أجهزة الأمن.
جرائم تقيد ضد مجهول
لم تحرك أجهزة النظام ساكناً حيال هذه المشكلة التي تعصف بالسويداء وتهدد استقرارها، ولم تقابل جرائم الخطف بأي عمل أو تحرك من الجهات المختصة وخاصة قيادة الشرطة في السويداء والأمن الجنائي التابع لها، واكتفت بوضعية المتفرج على الأحداث.
ويقول مصدر مطلع لموقع "تلفزيون سوريا"، إن عمل الشرطة في جرائم الخطف اقتصر على تنظيم الضبوط اللازمة بعد ادعاء ذوي المخطوفين فقط، من دون أي عمل ميداني لإلقاء القبض على الفاعلين".
ويضيف المصدر، أن ادعاءات ذوي المخطوفين كانت تقيد ضد مجهولين هناك شهادات واعترافات على بعض الأشخاص بأنهم قاموا بعمليات خطف لكنه لم يتم توقيف أحد منهم.
محاولات المجتمع المحلي للحد من الظاهرة
رغم محاولات المجتمع المحلي لإيجاد سبل للقضاء على ظاهرة الخطف التي أثارت استياء شعبيا عارما في المحافظة، إلا أن تلك المحاولات لم تفلح في أي شيء وذلك بسبب تجاهل الجهات الأمنية المختصة لهذا الأمر.
وتقول الصحفية لين بلال (اسم مستعار لأسباب تتعلق بسلامتها) إن العديد من الجهات المحلية والدينية حاولت عقد لقاءات شعبية لإيجاد حل يتصدى لجرائم الخطف"، داعية الجهات الأمنية لممارسة دورها في الحد من تلك الظاهرة".
وتضيف لين، في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا"، أن الخطاب الرسمي المواكب لتلك الجرائم كان ينظر له بأن ما يحدث في محافظة السويداء هو أحداث جنائية وأن النظام لا يريد التورط في نزاع في المحافظة.
ووفقاً للصحفية، فإن أكثر ما أثار استياء أهالي السويداء هو سعي نظام الأسد لإجراء تسويات لعصابات الخطف بهدف احتوائها في ظل عجز المجتمع المحلي في المحافظة اتخاذ إجراءات للحد من هذه الظاهرة.
الانتفاضة على راجي فلحوط بداية التحول
بداية تراجع ظاهرة الخطف في السويداء كان مع تفكيك عصابة راجي فلحوط وفصيله "قوات الفجر" في 26 تموز/يوليو 2022 إثر انتفاضة مسلحة انفجرت كردة فعل على ممارساتها العصابة الإجرامية التي تبدأ بعمليات خطف بدافع الفدية وقطع طرقات ونصب حواجز وفرض إتاوات على الحركة التجارية، ولا تنتهي بإخفاء واعتقال لمعارضي النظام.
ويقول مصدر مواكب للأحداث في تلك الفترة، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، إن الشارع في السويداء كان يمر بحالة الاحتقان نتيجة سياسة الإذلال التي يتبعها النظام وأجهزته الأمنية بالمحافظة، وما فجّر الأوضاع هو قيام عصابة فلحوط باختطاف مدنيين من بلدة شهبا، الأمر الذي كان الشرارة التي فجرت البركان.
بدأت انتفاضة أهالي السويداء ضد عصابات الخطف عندما هاجم المئات من أهالي منطقة شهبا والفصائل المسلحة المحلية المستقلة عن النظام، مقار الميليشيا في بلدتي عتيل وسليم على طريق دمشق/السويداء، بحسب المصدر السابق ذاته.
سقطت ميليشيات الخطف بعد يومين من الهجوم تخللها مواجهات مسلحة قُتل فيها 11 عنصراً من ميليشيا فلحوط، و6 من المسلحين الذين هاجموها، كما أسرت الفصائل المسلحة نحو 20 عنصراً من الميليشيا وأعدمت 7 منهم على دفعتين رمياً بالرصاص، عند دوار المشنقة وسط مدينة السويداء.
وأشار المصدر إلى أن الفصائل نفذت عمليات الإعدام من دون أي محاكمة، مبررة أنها "قتلت المتورطين بالدماء"، في حين أطلقت سراح بقية الأسرى.
وفقاً للمصدر، فإن إعدام الأسرى هو نتيجة واضحة لفقدان الثقة بأجهزة النظام في محاسبة المجرمين، وخوفاً من إطلاق سراحهم في حال تسليمهم للقضاء.
ولكن على الرغم من ذلك أثارت عملية إعدامهم ردود فعل رافضة ومستهجنة من المجتمع المحلي.
اجتثاث العصابات
ويضيف المصدر المواكب للأحداث ، تواصلت عمليات اجتثاث الميليشيات والفصائل المدعومة من شعبة المخابرات العسكرية تحديداً، وحزب الله المتحكم بالمنطقة الجنوبية، إما باستخدام القوّة ضدها، كما حصل في بلدة قنوات ضد ميليشيا قوات الفهد، التي نفذت الفصائل المسلحة حملة أمنية ضدها مطلع آب/أغسطس 2022، وتمكنت خلالها من اعتقال أعضاء بارزين فيها، وإما من خلال تفكيكها وتسليم أسلحتها، كما حصل في بلدتي المزرعة وصلخد، حيث جرّدت الفصائل ميليشيات تابعة للمخابرات العسكرية من أسلحتها، بعد توجيه إنذارات لها باتخاذ عمل عسكري ضدها في حال لم تسلم سلاحها.
انخفاض كبير في جرائم الخطف
وأدت حملة الفصائل المحلية ضد هذه العصابات إلى انخفاض كبير في حوادث الخطف والسرقة التي أرهقت المحافظة التي تشهد منذ عام تقريباً انتفاضة ضد نظام الأسد.
ويقول المصدر السابق، إن اندلاع انتفاضة السويداء في 20 آب/ أغسطس الماضي أدى الى تراجع تلك الجرائم وانعدامها، حيث لم نعد نشهد عمليات خطف منظمة بهدف الحصول على فدى مالية كبيرة.
هل السويداء خالية من أذرع النظام؟
تقول الصحفية لين بلال، إنه على الرغم من انخفاض نفوذ فصائل الأمن العسكري في السويداء، لا تزال هناك ميليشيات أخرى مرتبطة بأجهزة النظام خاصة بمكتب الأمن القومي أو أمن الدولة مثل "الدفاع الوطني"، "كتائب البعث"، "حماة الديار"، و"الحزب القومي" تسجل حضوراً في المحافظة.
ولكن هذه الميليشيات على الرغم من تراجع دورها الكبير منذ 2018 جعلها بعيدة عن الاستهداف حتى الآن، من دون إغفال من الأوساط المحلية لإمكانية استثمار النظام بها، بحسب الصحفية.
وتضيف، أمام هذا الواقع تبقى السويداء رهينة لحالة تبدل قوى الأمر الواقع، وبانتظار تغيير سياسي جذري على مستوى سوريا، وعودة الدولة ككيان ضروري يضمن الاستقرار.
وتابعت "تتصدر اليوم المشهد فصائل مسلحة مستقلة عن النظام السوري، لكنها بنفس الوقت ليست معارضة له، إذ يمكن تصنيفها على أنها مناوئة لبعض ممارساته، لكنها تحظى (رغم تقلب مواقفها) بتأييد شريحة لا بأس بها من المجتمع المحلي في السويداء، لكون سجلها في الانتهاكات محدوداً جداً قياساً بالميليشيات المدعومة من الأمن العسكري على رأس تلك الفصائل "حركة رجال الكرامة" أكبر فصيل عسكري في السويداء، إضافة إلى مجموعتي "لواء الجبل" و"قوات شيخ الكرامة".