البث المباشر
يعيش عشرات آلاف العائلات في مناطق سيطرة النظام السوري على الحوالات الشهرية التي تصلهم من ذويهم من خارج سوريا، وخصوصاً في دول اللجوء بأوروبا أو تركيا حيث يوجد أكبر نسبة للسوريين خارج البلاد، وسط أزمات معيشية خانقة يعاني منها السوريون
ويصل سوريا يومياً حوالات بالدولار تقدر بين 5 إلى 8 ملايين دولار، وتزيد هذه الحوالات في فترة رمضان وعيدي الفطر والأضحى إلى الضعف تقريباً متجاوزة 12 مليون دولار في اليوم.
وبحسب مواقع مقربة من النظام السوري، يتجاوز حجم الحوالات المالية التي ترسل من خارج البلاد إلى سوريا بأكثر من ملياري دولار سنوياً، معظمها يصب في مكاتب تتبع مباشرة للقصر الجمهوري والأجهزة الأمنية ولا تمر على مصرف سوريا المركزي نهائياً.
ولا يكشف النظام السوري عن أي أرقام رسمية بخصوص الحوالات القادمة من الخارج والتي من المفترض أنها تنعش الحالة الاقتصادية، خصوصاً مع كم كبير من حوالات "العملة الصعبة" التي تتم يومياً ويجري تداولها بالسوق السوداء.
الحوالة لم تعد كافية
وتشتكي عائلات سورية من أن المبالغ التي تصلهم لم تعد تكفي كما في السابق، مع تراجع القيمة الشرائية للدولار في سوريا، مؤكدين على أن ما كانت تشتريه الـ 100 دولار شهرياً لم تعد تشتري نصف الكمية حالياً، بسبب ثبات سعر الليرة عند حدود الـ 14500 ليرة لكل دولار، واستمرار الأسعار بالارتفاع بشكل شبه يومي.
ورصد موقع "تلفزيون سوريا" الوضع الجديد في سوريا، والذي ينعكس سلباً على معيشة الناس، رغم أن هناك قسما كبيرا جداً من العائلات لا يصلها أي حوالات وتدبر لقمة العيش بصعوبة بالغة.
محمد سيوفي، موظف حكومي متقاعد، يحصل على 270 ألف ليرة شهرياً كراتب تقاعدي، لا يكفيه وزوجته ثمن وجبتين إلى ثلاث وجبات غداء بأحسن الأحوال أو شراء حاجيات بسيطة جداً ليوم أو يومين.
وقال سيوفي لموقع "تلفزيون سوريا"، أنا أعيش على الحوالة التي يرسلها ابني من ألمانيا شهرياً، وهي 250 دولار، وكان هذا المبلغ قبل عامين جيداً جداً في دمشق، لكنه الآن لا يكفينا لآخر الشهر، فنضطر للدين أو شد الأحزمة في الأسبوع الأخير من الشهر واقتصار الطعام على أرخص أنواع الطبخ.
وأضاف سيوفي، يعني المبلغ قد يكون كبيراً إن حسبناه على الليرة السورية، 3.7 ملايين ليرة سورية تقريباً، وقد يختلف بحسب سعر الصرف، ولكنه لا يقل عن 3.5 ملايين ليرة.
وأشار إلى أن سوق الخضراوات والفواكه واللحوم لا يمكن أن يستمر بالسعر نفسه لأكثر من أسبوعين على الأكثر، حيث تكون لافتات الأسعار قد تغيرت، المبلغ الذي يرسله ابني مشكوراً كل شهر هو نفسه لأن التضخم في ألمانيا بسيط فالرواتب لم تتغير أيضاً، أما في سوريا فالأسعار زدات أكثر من 100 بالمئة خلال عام، وسعر الصرف شبه ثابت تقريباً.
أكثر من نصف السكان يعانون
في السابق كانت الأسعار ترتبط بارتفاع وانخفاض سعر صرف الدولار، فكانت الحوالة تساعدنا على تأمين احتياجاتنا دون أن نحتاج إلى أحد، لم نكن مرتاحين مادياً بشكل كبير، لكن نحمد الله أن هناك من يساعدنا في مقابل كثيرين لا يجدون ما يسدون به الرمق.
ويعاني أكثر من 13 مليون إنسان في سوريا أي أكثر من نصف السكان، من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي، كما أن أكثر من 650 ألف طفل دون سن الخامسة أعيق نموهم بسبب سوء التغذية، بحسب تقرير جديد صادر عن الأمم المتحدة.
ويتوقع مسؤولون أمميون في التقرير نفسه، أن الاقتصاد السوري الذي انكمش بنسبة 1.2 بالمئة في العام الماضي، أن ينكمش بنسبة 1.5 بالمئة في عام 2024 الحالي.
وسبق للأمم المتحدة أن أكّدت أن 90% من سكان سوريا يعيشون في فقر، وأن الأوضاع الاقتصادية تشهد تحديات يومية أمام السوريين الذين يبحثون بصعوبة عن وجبتهم التالية.
ارتفاع الأسعار شبه يومي
سهام شيخ أحمد، مدرسة بإحدى ثانويات دمشق، قالت لموقع تلفزيون سوريا، إن الوضع المالي لعائلتها في تراجع مستمر منذ أيلول الماضي، حيث أصبحت تجد فرقاً كبيراً بالأسعار، مع رفع النظام السوري لأسعار الوقود بنسبة تتجاوز الـ 300 بالمئة والرواتب بنسبة 100 بالمئة.
ويصل راتب سهام لـ 320 ألف ليرة شهرياً، ولكنه مبلغ بسيط جداً في سوريا اليوم، لم تستطع أن تشتري به في عيد الأضحى قبل أسبوع بنطالا وكنزة لابنتها، لأن سعرهم وصل لـ 550 ألف ليرة.
وتعيش سهام من العمل في الدروس الخصوصية وحوالة شهرية من ابنتها المقيمة في تركيا، ورغم أن أعباء ابنتها المادية كثيرة، إلا أنها ترسل لها شهرياً قرابة 150 دولاراً (2.2 مليون ليرة سورية)، وهو جزء كبير من راتبها الذي لا يتجاوز الـ 650 دولاراً (قرابة 21 ألف ليرة تركية).
وتخبرنا شيخ أحمد أن تركيا تشهد أزمة اقتصادية أيضاً، ليست مثل سوريا، ولكن أزمة صعبة حيث تنقل عن ابنتها أن السوريين في تركيا يعانون مادياً خصوصاً بما يتعلق بإيجار البيت الذي ارتفع 10 أضعاف خلال عامين، وتراجع قيمة الليرة التركية أمام الدولار.
ولفتت إلى أن المبلغ الذي كانت ابنتها تحوله من قبل كان ممتازاً، ولكنه اليوم لا يكفي شيئاً، كما أنها تشعر بالخجل بطلب المزيد منها وهي تعرف حالتها المادية وظروفها الصعبة بإسطنبول، خصوصاً أن زوجها يعاني مخاطر الترحيل بسبب أنه لديه إقامة ولاية أخرى ويعمل بإسطنبول.
وبينت أن الأسعار ترتفع تلقائيا شبه يومي، فمثلاً مؤخراً ارتفعت أسعار الأدوية بنسبة 80 بالمئة، واللحوم بنسبة 60 بالمئة، كيلو لحم الدجاج يصل اليوم إلى 48 ألف ليرة، وكيلو لحم الغنم إلى 220 ألف ليرة، وكيلو لحم العجل إلى 170، يعني براتبي لا أستطيع شراء كيلوغرامين من لحم عجل بالشهر، بحسب سهام.
تجاوز سعر صرف الدولار
أما الطالبة الجامعية لبنى والتي حصلت على منحة دراسية بكلية طب الأسنان في إحدى الجامعات الخاصة قبل عامين، فإن مصروفها الجامعي يقتصر على المعدات والمستلزمات الشخصية، فقد أكّدت لموقع "تلفزيون سوريا" أن الحوالة التي يرسلها لها شقيقها من السعودية شهرياً لم تعد تكفيها، وهي 100 دولار شهرياً ( قرابة 1.4 مليون ليرة سورية)، فمتطلبات الجامعة لطب الأسنان كثيرة جداً، وهي على الطالب.
وأضافت أن عائلتها تصلها حوالة شهرية من أقاربهم أيضاً، وقد أصبحت لا تكفي لشراء الحاجيات المنزلية، في ظل ارتفاع الأسعار الكبير الذي تعيشه سوريا.
وأوضحت أن سعر أقل وجبة في مطعم عادي لا تقل عن 250 ألف ليرة، وأقل سندويشة فلافل بـ 35 ألف ليرة، نحن لا نتحدث عن مطاعم في المالكي أو كفرسوسة أو في المولات حيث إن الأسعار هناك أضعاف مضاعفة.
وبينت أن كل شيء في سوريا تجاوز سعر صرف الدولار منذ زمن، وأحياناً أقاربنا في الخارج لا يصدقون ذلك، يظنون أننا نشتكي من الوضع فقط حتى يزيدوا لنا المبلغ الذي يرسلونه، وبالطبع لديهم الحق فهم أيضاً لديهم مسؤولياتهم الكثيرة شهرياً.
فشل ذريع
وفشل النظام السوري في تحسين الوضع الاقتصادي، وأسهم في تعميق أزمته من خلال استشراء الفساد لمسؤوليه وأجهزته الأمنية، حيث تعد نسب الفساد في سوريا من بين الأعلى عالمياً.
كما أنه أسهم بشكل متعمد بإنهاء الطبقة المتوسطة في سوريا من خلال سحب الدعم في وقود النقل والتدفئة والخبز، وجعلها تشترى من السوق السوداء بأضعاف مضاعفة، ما جعل كل شيء غالياً في سوريا.
كما أن فارق الدخل مع الصرف، فاقم من حجم الأزمة المعيشية، فمتوسط الدخل في مناطق سيطرة النظام السوري لا يتجاوز الـ 20 إلى 50 دولاراً بالشهر بأحسن الأحوال، والمصروف لعائلة مكونة من 4 أشخاص لا يقل عن 400 دولار شهرياً وهو قرابة 10 أضعاف ما تستطيع الأسرة تحصيله دون حوالة شهرية.
كما أن ملايين الأشخاص في سوريا لا يحصلون على حوالات شهرية، إنما تقتصر معيشتهم على ما ينتجونه شهرياً، والمساعدات التي يمكن أن يحصلوا عليها من الجمعيات الخيرية المحلية، وهؤلاء في وضع اقتصادي ومعيشي أصعب ويزداد سوءاً.
