icon
التغطية الحية

الحشيش مشهد اعتيادي في دمشق: أسعار زهيدة والمتعاطون لهم حججهم

2024.05.06 | 09:09 دمشق

يل
الحشيش مشهد اعتيادي في دمشق: أسعار زهيدة والمتعاطون لهم حججهم
دمشق - حنين عمران
+A
حجم الخط
-A

لم تعد المواد المخدرة والحشيش في دمشق سلعًا نادرة أو تُباع بقلة، بل بلغ انتشارها في السنوات الأخيرة حدًا غير مسبوق، ولا سيما بين فئات الشباب والمراهقين الأصغر سنًا. ويأتي ذلك بالتزامن مع ازدياد تصديرها وتهريبها من قبل ميليشيات النظام إلى الدول المجاورة، حتى صارت سوريا "جمهورية الكبتاغون" في الشرق الأوسط بلا منافس أو منازع.

يحاول هذا التقرير تسليط الضوء على مدى انتشار الحشيش وبعض المواد الأخرى مثل الكبتاغون في مناطق مختلفة من دمشق وأسعار هذه المواد وطرائق ترويجها وتوزيعها.

كميات وفيرة وأسعار زهيدة:

تتفاوت الأوزان التي تُباع بها مادة الحشيش في دمشق على شكل عجينة يُطلقون عليها اسم "المعجونة"، وتتراوح هذه الأوزان بين 12.5 و25 و50 غرامًا، وقد تصل إلى 100 غرام. وعادةً ما يكون الطلب كبيرًا على المعجونة بوزن 12.5 غرام إذ يتم بيعها بمبلغ لا يزيد على 40 ألف ليرة سورية، بينما يتم بيع المعجونة بوزن 25 غرامًا بسعر 75 ألف ليرة سورية، ويصل سعر المعجونة ذات الوزن 50 غرامًا إلى 145 ألف ليرة سورية.

وفقًا لمعلومات حصل عليها موقع تلفزيون سوريا عن طريق التواصل مع أحد "التجار الصغار" أو "الديلر"، وهو معروف باسم (أبو العلا)، فإنه يقوم بالبيع والتوزيع في مناطق مختلفة من دمشق منها: الشعلان، محيط حديقة الجاحظ، الصناعة، مساكن برزة، المزة. وقد استطعنا الوصول إليه عن طريق إحدى الطالبات الجامعيات في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية (الهمك) في مدينة دمشق، (منار – اسم مستعار) التي تبلغ الثالثة والعشرين من عمرها وهي من زبائن (أبو العلا) منذ قرابة السنتين حسب قولها.

وبتواصلنا مع (أبو العلا) تأكدنا من كونه يقوم ببيع الحشيش وتوصيله مرتديًا الزي العسكري مع حذاء رياضي وهو ملتحٍ بلحية كثيفة ومعروف بالنسبة لزبائنه في مدينة دمشق بكونه "أبو العسكري". وقد وفّرت البزة العسكرية له طريقة للحماية وتفادي الأسئلة وإبعاد الشبهات عنه في دمشق فضلًا عن تهيب الزبائن منه.

أخبرنا (أبو العلا) بأنه يتعامل مع "التاجر" الذي رفض ذكر اسمه، منذ ثلاث سنوات، فيأخذ منه كيلو الحشيش ليكون الحساب بعد تجزئة الكيلو والانتهاء من بيعه؛ إذ يطلب التاجر من (أبو العلا) مقابل وزنة الـ 12.5 غراما مبلغًا يقدر بـ 20 ألف ليرة سورية، فإذا باع أبو العلا الوزنة السابقة بـ 40 ألف ليرة سورية فإنّ 20 ألف ليرة سورية منها تعود إلى التاجر الأصلي.

أوقات تنشط فيها حركة البيع:

أوضح أبو العلا، الذي يبيع لزبائنه معجونة الحشيش بأوزانها المختلفة وحبوب الكبتاغون رخيصة الثمن، أن لسوق هذه المواد "مواسم" يزداد فيها الطلب، كما أن له زبائن دائمين من فئات عمرية مختلفة.

         • مؤونة الأعياد والسهرات:
ازدادت الكميات المباعة من الحشيش والمواد المخدرة على حد سواء في الأسبوع الأخير من رمضان قبل حلول عيد الفطر. فقد استغنى عدد كبير من متعاطي هذه المواد عن تجهيزات العيد مقابل شراء كميات من الحشيش يُطلقون عليها "مؤونة المتعة" كما وصفتها منار في حديثها لموقع تلفزيون سوريا، من أجل تبادلها مع الأصدقاء في السهرات والترفيه عن النفس، ولا سيما مع الغلاء الفاحش الذي حرم معظم الناس من السفر إلى مكان آخر أو حتى الخروج إلى منتجع سياحي أو مطعم خلال أيام العيد.
تقول منار: "قررنا البقاء في المنزل في هذا العيد ودعوة الأصدقاء إلى سهرة مع الحشيش حتى نستمتع بشيء من الطعام وكأس متة أو علبة بيرة على السطح؛ يعني سهرة بسيطة من دون دفع مليون ليرة على الأقل فاتورة مطعم."
تعيش منار في منطقة الطبالة مع صديقاتها في بيت مشترك يتقاسمن إيجاره الشهري، وقد تعلمت تدخين الحشيش منذ كانت في المدينة الجامعية بمنطقة المزة في دمشق؛ إذ ينتشر هناك بشكل كبير بين الطلاب حسب قولها.
تتابع منار حديثها: "كان أحد الشبان العاملين كحرس على باب السكن الجامعي والمنتسبين إلى كتائب البعث يؤمن لي الحشيش كلما طلبته بسعر جيد. وقد سافر هذا الشاب إلى حمص فعرّفني إلى صديقه أبو العلا قبل سفره حتى أشتري منه".
وقد أوضحت منار أن "أبو العلا" لم يأخذ منها مالاً مقابل المعجونة في المرة الأولى من تعاملها معه، واستطعنا معرفة الجهة التي ينتسب إليها عن طريق منار نفسها رغم تكتمه عن هويته وتبعيته الأمنية عندما التقينا به بشكل مباشر، فأخبرتنا منار أنه عنصر في "أمن الدولة".

  • زيادة في الإنتاجية

يلجأ عدد كبير من العمال أو ذوي المهن المرتبطة بالعمل ليلاً إلى أخذ بعض الحبوب المنشطة كطريقة لزيادة الإنتاجية ولمنحهم حالة من اليقظة خلال ساعات العمل الطويلة.

وهو ما يتزامن عادةً مع بدء ضغط العمل قبل المناسبات كالأعياد أو رأس السنة... وغيرها من الاحتفالات التي تتطلب تجهيزات مسبقة والإنتاج بكميات كبيرة. وقد شهدت الفترة قبل عيد الفطر ازدياداً في الطلب على حبوب الكبتاغون على وجه التحديد؛ نظراً لسعرها الرخيص وتوفرها بكميات هائلة.

وفق أقوال (أبو العلا) فإنّ معظم زبائن "الكبتاغون" هم من العمال في مجال المطاعم والحلويات وصالونات الحلاقة ومعامل الخياطة ومحلات الألبسة؛ وتزايد الطلب في العشر الأواخر من رمضان حينما بدأت تجهيزات العيد، فضلاً عن ظروف الغلاء المعيشي التي تفرض عليهم العمل "ورديات" إضافية أو حتى العمل في عدة أعمال من أجل إعالة أسرهم وتجهيز أطفالهم للعيد.

وبالحديث عن آثار الحبوب المنشطة، أوضح (أبو العلا) أن المتعاطين يبدؤون عادةً بربع أو نصف حبة ثم يضاعفون الجرعة تدريجياً حتى تأخذ مفعولها.

يقول (أبو العلا): "سعر الحبة الواحدة 3 آلاف ليرة سورية، ويستطيع العامل أخذ جرعة بسيطة في بداية الأمر لا تتجاوز الحبة الواحدة حتى يصل إلى النتيجة التي يريدها؛ كأن يصبح قادراً على العمل لساعات طويلة دون تعب كما أنه ينسى النوم والأكل؛ وهو ما يزيد من إنتاجيته ولا سيما في الأعمال التي تطلب جهداً بدنياً".

في حديثها لموقع تلفزيون سوريا، أوضحت (أم حسان) كيف اكتشفت أن زوجها يتعاطى "الكبتاغون" منذ الشهر الأخير من العام الفائت؛ حيث انتبهت لوجود الحبوب معه وقد تأكدت من كونها حبوبا مخدرة "كبتاغون" بسؤال أخ زوجها عنها.

تقول (أم حسان): "يعمل زوجي خلال فترة ما بعد الظهيرة على التكسي التي يملكها جارنا، ويعمل من الساعة الواحدة حتى الساعة السابعة صباحاً في معمل للحلويات والمعجنات بالقرب من بيتنا في منطقة كشكول/ دويلعة، وحينما واجهته بالحبوب في حوزته برر لي تعاطيه إياها بأنها تجعله نشيطاً وينسى الجوع والتعب خلال ساعات العمل؛ وأن ذلك كله من أجلي ومن أجل أطفالنا الثلاثة... كما أخبرني أن عددا كبيرا من رفاقه في المعمل يتبعون نفس الطريقة حتى يستطيعوا الاستمرار في العمل ونسيان الهموم".

وتخشى (أم حسان) أن يستمر زوجها في التعاطي ويصل إلى مراحل متقدمة من الإدمان فتخسره ويدخلون في متاهة لا مخرج منها، لكنها تقول بشيء من الإحباط "حكيت مع أخيه... ماذا أفعل؟ ليس باليد حيلة!".

  • هرباً من قلق الامتحانات

لا يرتبط ازدياد الطلب على الحشيش والمواد المخدرة والمنشطة بالمناسبات فقط، بل أيضاً بفترات ما قبل الامتحانات هرباً من حالة التوتر و"الرهاب" التي تصيب عدداً كبيراً من الطلاب.

كما تنشط حركة الشراء مع بدء كل شهر جديد وتسلم الرواتب الشهرية أو حتى تسلّم الطلاب للحوالات من أهلهم.

في حديثها لموقع تلفزيون سوريا، تقول الاختصاصية الاجتماعية (بديعة. ش) وهي "مديرة حالة" في إحدى الجمعيات المعنية بالعنف ضد النساء في دمشق (طلبت عدم ذكر اسم الجمعية): "وصلتنا العديد من الحالات خلال السنوات الفائتة لفتيات لا يتجاوز بعضهن الرابعة عشرة، ويتراوح إدمانهن بين المتوسط والشديد؛ وقد تعلمن الإدمان في أعمار مبكرة نتيجة ظروفهن الحياتية الصعبة ولا سيما بفقدان أحد أفراد العائلة كالأب، وبالتالي غياب المعيل وتحملهن مسؤوليات تفوق أعمارهن، كما أن بعض النساء اللواتي تعرضن للتعنيف من الأهل أو الزوج وجدن في الحشيش أو المواد المخدرة طريقاً سهلاً لتجاوز الألم وتجاوز الذكريات المنغصة والهرب من مأساتهن الخاصة".

إحدى الفتيات التي تابعت الاختصاصية الاجتماعية حالتها في الجمعية، كانت طالبة جامعية لم تتجاوز التاسعة عشرة من عمرها وتنحدر من القامشلي، وقد أدمنت على الكبتاغون والحشيش معاً من خلال صديقاتها في المدينة الجامعية.

وأكدت الاختصاصية أن تناول الحبوب "الكبتاغون" يزداد مع قرب الامتحانات الجامعية لكونه من المواد المنشطة، فيظن الطلاب أنهم سيدرسون بشكل أفضل، كما أنها مخففة للألم والقلق؛ إذ يجد فيه الطلاب ترويحاً عن أنفسهم وتجاوزاً لحالة "الكدر" حسب وصفها.

تقول (بديعة): "الحالات التي تصلنا بغرض علاج الإدمان قليلة جداً، وعادةً ما تأتي الحالات بصحبة الأمهات. ونضعها ضمن خطتي علاج: خطة لعلاج الإدمان تترافق مع خطة لعلاج المنشأ النفسي المسبب للإدمان. لا نملك إحصائيات دقيقة حول عدد الحالات في دمشق بسبب التكتم على الأمر من قبل المعنيين، لكن معظم الحالات التي تصلنا من المعنّفات والمطلقات والقاصرات المطلقات، وهناك عدد كبير من الفتيات الصغيرات فاقدات الرعاية مدمنات بدرجات متفاوتة وعلى مواد مختلفة، بدءاً من الدخان والشعلة وليس انتهاءً بالحشيش والترامادول والكبتاغون".

طرائق مبتكرة للغش:

 ويجيب أحد المتعاطين لمادة الحشيش (عزام)، وهو من أصدقاء (منار) ويعيش في السكن الجامعي التابع لكلية (الهمك) في منطقة الطبالة، عن طرائق الغش التي يتعمّدها الموزعون وتجار التجزئة بالقول "سمعنا أنهم يقومون بخلط المعجونة بمادة الحنّاء "الحنة" ما يتيح لهم استخدام أوزان أقل من الحشيش أثناء تصنيعه".

ويتبع بعض المروّجين طرقاً تزيد من المفعول المخدر وتسبب الإدمان بطريقة أسرع، عبر إضافة مسحوق الحبوب مثل الكبتاغون رخيص الثمن إلى السيجارة التي يتم تقديمها مجاناً "ضيافة"، وبذلك يضمنون طلب الزبون لها مرة ثانية.

أما الغش بوزن المعجونة فيكون واضحاً عادةً للمشتري؛ فبدلاً من أن يبيعه (الديلر) وزنة الـ 12.5 غ كاملة، يقوم باقتطاع أجزاء منها قبل البيع وهو ما يسمونه عادة عملية "القرم" ليصل وزنها عندئذٍ إلى 8 غرامات "في أفضل الحالات". ويتحجج (الديلر) بأن حجم الوزنة أصغر بسبب "تناقلها من يد إلى يد" وهي حجة اعتاد عليها زبائن الحشيش وفق أقوال (عزام).

ولا يستطيع المشتري الاعتراض لعدم قدرته على التأكد من وزنها بواسطة ميزان؛ فالتسليم عادةً ما يكون بطريقة خاطفة لا تسمح بالنقاش أو الاعتراض أو افتعال المشكلات مع البائع حتى لا يتورط الجميع بافتضاح أمرهم.

يختتم (عزام) حديثه: "في كل مرة يعطونا إياها مقرومة... حتى صرنا نقول للتاجر: أعطنا إياها "حلال"، يعني بوزن نظامي... وسنعطيك زيادة على السعر المطلوب!".

أصبح الحشيش في دمشق، مرتبطاً في الآونة الأخيرة بالطقوس الشبابية وجلسات الأصدقاء، كحل مؤقت للهروب من مشكلات سن المراهقة أو أزمات الشباب في سن العشرينيات، كما أنّه صار طريقة للتمرد على المجتمع وفق مبدأ "كل ممنوع مرغوب".