الجنون: إعادة المحاولة مع الأسد

2023.02.20 | 06:42 دمشق

بشار الأسد: المرافق في بلادنا لم تكن مهيأة للزلزال
+A
حجم الخط
-A

سنوات وسنوات حتى أصبحت حياة السوري مرادفة للألم. لم تنطلق مأساة الشعب السوري مع توحش الأسد الابن بعد الثورة ولكنها انطلقت منذ عقود مع تسلم الأسد الأب لرئاسة البلاد.

وصل حافظ الأسد للحكم بعد صفقة الجولان الشهيرة وهو درس فقهه الأسد وعائلته وجهله معارضوه. الدرس يقول بأن القوى العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ومن أمامها مؤسسات الأمم المتحدة تخضع لمنطق الصفقات وكذلك الابتزاز وإن بدت من الخارج مهنية صلبة شفافة إنسانية.

لا ينكر أحد توجه الأمم المتحدة الإنساني وإسهاماتها الإيجابية في مساعدة عدد كبير من الدول والشعوب، إلا أنه في الوقت نفسه من الضروري الوعي بآليات عملها وما يحكمها وكيف تتحرك ومن الضروري عدم تعليق الآمال الكبرى عليها سياسياً وإنسانياً وإيجاد آليات استجابة بديلة للأزمات وتقديم المساعدات.

منذ اللحظة الأولى للزلزال المرعب توجّه كل طاقم الدعم الإعلامي لسوريا باتجاه واحد وهو التركيز على "رفع العقوبات عن الأسد" وبأن هذه العقوبات هي الحائل بين نجدة السوريين العالقين تحت الركام والآخرين العالقين تحت وطأة مخلفات الزلزال الاقتصادية والمعيشية والطبية وبين وصول هذه النجدة إليهم. لم يهتم أحد منهم بالمتضررين والمصابين بل سارعوا إلى الاستفادة السياسية.

السذاجة انطلقت من بعض المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الناشطين غير السياسيين في سوريا وخارجها بالرضوخ لمثل هذه الحملة وتأييدها ودعم الشعارات المؤيدة لرفع العقوبات..

السذاجة انطلقت من بعض المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الناشطين غير السياسيين في سوريا وخارجها بالرضوخ لمثل هذه الحملة وتأييدها ودعم الشعارات المؤيدة لرفع العقوبات، تحت قاعدة أن المتضرر هو الشعب ويجب نصرته بأي شكل وأن هذا المطلب إنساني غير سياسي بغض النظر عن النظام واستفادته.

نسي هؤلاء أن روسيا حليفة الأسد هي التي ضيّقت، ولسنوات مستمرة، على مساعدات الأمم المتحدة وغيرها لخنق المناطق المحررة وتأكيد سيادة الأسد على كل الأراضي السورية. نسي هؤلاء فضائح نظام الأسد التي لا تنتهي في سرقة المساعدات حتى وصلت النسبة بحسب عدد من الأبحاث لـ96% من المساعدات فيحولها الأسد في الاتجاه العسكري أو يبيعها بالسوق السوداء.

إضافة إلى ذلك، فإن نحو نصف مشتريات الأمم المتحدة تذهب لجيوب مؤسسات وأفراد مقربين من الأسد أصبحوا معروفين للجميع، كل ذلك بتواطؤ من عاملين في الأمم المتحدة ومؤسساتها. هذه الطفرة الإنسانية لآل الأسد مرتبطة بتمويل الأمم المتحدة لمؤسسات تابعة لأسماء الأسد وأحد قادة ميليشيات الأسد فادي أحمد ومحمد حمشو المعروف بقربه من ماهر الأسد، وبلال النعال عضو البرلمان الأسدي ونزهت المملوك كأبواب مزعومة للعمل الإنساني.

لا نتكلم هنا عن حصص متواضعة بل عن عشرات ملايين الدولارات التي شفطها الأسد ومعاونوه قبل وصولها للشعب. إذا، فمساعدات الأمم المتحدة عادة ما تنزلق في جيب الأسد أو يمنعها الأخير عن الشمال السوري عبر الفيتو الروسي. ناهيك عن النسبة العالية التي يأخذها العاملون مع الأمم المتحدة من أفراد ومؤسسات والتي تصل لنحو الـ40% من المساعدات؛ هذه في حال اللافساد.

هذا الابتزاز الاقتصادي الذي أتقنه الأسد. أمام السياسي، لم يكن أقل خبثاً، لم يكن الالتفات في أي يوم من الأيام للشعب وهو ما ظهر جليا في زيارة الأسد إلى بعض الأحياء والتي بدا فيها مبتهجاً لأنه استفاد من الزلزال وحقّق أهدافاً سياسية في مشوار التأهيل الطويل، فقد هرولت الدول التي تريد إعادة تأهيله لتسويقه والاندفاع باتجاهه في هذه اللحظة، انطلاقاً من الإمارات وعدم الانتهاء بمصر.

في المقابل، الأمم المتحدة لم تستجب إلى نداءات الشمال السوري ولم تتصدَ للكارثة وكانت مساعداتها محدودة جداً تحت ذرائع الصعوبات اللوجستية والبيروقراطية، ولكن الحقيقة التي وثقتها منظمات سورية، هي مسببات سياسية قبل كل شيء تحول دون وصول المساعدات، وأنه لو توافرت الإرادة السياسية لمساعدة الشمال السوري لكانت الأمور البيروقراطية واللوجستية حلحلت سريعاً.

يؤشر ذلك بشكل واضح إلى غياب الإرادة السياسية الأممية الحقيقية عن دعم الشمال السوري الذي وجد نفسه محاصراً من الأسد من جهة ومن قسد من جهة ثانية ومن الجهات الدولية من جهة ثالثة، ومحاصراً بالزلزال في تركيا الذي شغل الأتراك من جهة رابعة.

إذا، فإن الدرس الذي طبقه بحرفية حافظ الأسد قديماً، أعاده بشار اليوم وهو ابتزاز ومقايضة القوى الكبرى بما يحقق المصلحة الشخصية، بغض النظر عن مصير البلاد والعباد الذي لا يدخل ضمن أولويات النظام حتى.

على المقلب الآخر، فإن العوامل الخارجية لم تكن المسؤول الوحيد عن ضعف المساعدات الخارجية للشمال السوري، بل إن ضعف القيادة المحلية أضعف إمكانية المساعدة، الأزمات تفضح الواقع على الأرض، فقد أظهر الشمال السوري مثالاً واضحاً للشيء وضده، فقد ظهر على سبيل المثال فريق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، التي دأب الأسد على قصفها، بشكل أكثر من ممتاز وأظهر تنظيماً واستعداداً وامتصاصاً للصدمة الأولى بحسب حجمه وهو ما جعله محط أنظار وآمال الجميع.

غابت قيادة المعارضة السياسية المسؤولة عن صياغة خطاب إعلامي وترويجه وصياغة آلية محددة للمساعدات والاحتياجات والتنسيق والاستعداد لاستقبال الوفود والتواصل العالمي وغيرها من المسؤوليات القيادية في الأزمات..

في المقابل غابت قيادة المعارضة السياسية المسؤولة عن صياغة خطاب إعلامي وترويجه وصياغة آلية محددة للمساعدات والاحتياجات والتنسيق والاستعداد لاستقبال الوفود والتواصل العالمي وغيرها من المسؤوليات القيادية في الأزمات. كل ذلك أثر بشكل مباشر على إمكانية نجدة الشمال السوري وهو ما سيكون له ما بعده بالتأكيد.

من الضروري الوعي بطبيعة نظام الأسد وبثباته على أهدافه الشخصية وأدواته الإجرامية وضرورة الوعي بأولويات القوى الكبرى وحقيقتها. التنظيم والإعداد على أشكاله في وقت الهدنة يظهر جلياً في وقت اشتداد الأزمات، وبالتالي ينكشف بوضوح مَن أعدّ ومَن كان دون ذلك المستوى، وبالتالي وجب التصحيح أم الاستبدال.