يعاني سُكان ريفي حلب الشمالي والشرقي، من أمراض ونزلات برد شديدة، باتت تنهش أجسادهم، بسبب انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر خلال الأيام القليلة الماضية، حيث سجلت (- 6) درجة، في الليل و(+7) خلال النهار، ما دفع الأهالي إلى الاعتماد على الصيادلة في سبيل الحصول على الوصفات الطبية لعلاج الأمراض بينما ذهب آخرون إلى تناول الأطعمة الصحية لتقوية مناعة أجسادهم.
شهد ريفا حلب استقرارا نسبيا في درجات الحرارة، مع انخفاض كمية الهطولات المطرية خلال الشهر الأول من فصل الشتاء، الذي بدأ في نوفمبر - تشرين الثاني الماضي، مما انعكس على انتشار الأمراض والأوبئة في المحيط الجوي، وفي منتصف ديسمبر - كانون الأول، بدأت التغيرات الجوية الشتوية التي ترافقت مع هطولات مطرية، أعقبتها موجة صقيع حادة لم يسبق حصولها منذ سنوات.
ومن أبرز الأمراض التي انتشرت تزامنًا مع موجة الصقيع، (الرشح - الكريب - السعال - التهاب اللوزتين - التهاب الجهاز التنفسي - التهاب الجيوب الأنفية - والربو)، ولضرورة علاجها كونها تعرض الإنسان إلى مخاطر متعددة تمنعه من مزاولة حياته اليومية، بدأ الأهالي يبحثون عن حلول للتخلص من العدوى.
يقيم أنور عثمان، في مدينة صوران بريف حلب الشمالي، تسبب انخفاض درجات الحرارة بمرض معظم أفراد أسرته، حيث سيطرت نزلات برد حادة وارتفاع في درجة حرارة الجسم، بعدما تركزت الالتهابات في اللوزتين والأذنين، وبعضهم في الجهاز التنفسي مع سعال حاد، مع تزايد مستمر، بحسب ما أوضح لموقع تلفزيون سوريا.
وحول عملية العلاج التي يقوم بها قال: "ذهبت إلى الصيدلية لمعالجة أبنائي من المرض، حيث اشتريت شراباً للسعال وشراب للكريب وخافض حرارة، إلا أنها لم تكن فعالة بشكل مناسب مع شدة الالتهابات، ما اضطرني إلى حقنهم بمضادات التهاب بشكل دوري على مدى أربعة أيام حتى تعافت أجسادهم".
وأشار الرجل إلى "أن معظم الجيران وأقاربه يعانون من هذه الأمراض مع انتشار كامل لعدوى الكريب الذي تسبب في طلب كبير على الأدوية الخاصة بهذا النوع، ما ساهم في ازدحام كبير في الصيدليات، ومعظمهم جاؤوا بغية الحصول على الدواء".
ويرى بعض الصيادلة في ريف حلب، أن موجة التهاب الجهاز التنفسي والحنجرة حادة جداً، يحتمل أن يكون متحور فيروس كورونا، بحسب الأعراض على المرضى، ومن المرجح أكثر أن تكون موجة كريب حادة، سببتها التقلبات الجوية، التي تعيشها المنطقة، مع غياب كامل للتحاليل الطبية والأخذ بالإجراءات الوقائية الضرورية للحد من انتشار فيروس كورونا.
فروقات وتشابه بين الكريب وكورونا
تواصل موقع تلفزيون سوريا، مع الدكتور فيصل العبد طبيب داخلية ومشرف قسم فيروس كورونا في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، وذلك لمعرفة الفروقات بين الكريب المنتشر في ريف حلب، وفيروس كورونا، وفقاً للأعراض الناتجة على معظم المرضى، وطرق الامتثال للعلاج والوقاية اللازمة.
قال الدكتور فيصل العبد، خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا عن الفروقات بين فيروس كورونا والكريب: "إن فيروس كورونا لا يرتبط بفصل معين، وأعراضه حادة تقع في مختلف أنحاء الجسم، ويستمر لأكثر من 7 أيام لبدء الشفاء، بينما الكريب يرتبط مع انخفاض درجات الحرارة خلال فصل الشتاء، حيث تكون معدلات الإصابة أكبر، وتكون نسبة أعراضه خفيفة، وقد يستمر من 3 إلى 5 أيام فقط".
ويعرف مرض الكريب بالإنفلونزا، وأما فيروس كورونا بـ (كوفيد 19)، وهما مرضان فيروسيان، لا يختلفان في طريقة انتقال العدوى، أي أنهما ينتقلان عبر المخالطة بالمسافات القريبة ولمس الأشياء الخاصة بالمرضى.
وأوضح: أن علاج الكريب وكورونا متشابه جداً، وبسيط ويمكن لأي شخص لديه خبرة طبية جيدة سواء كان ممرضا أو صيدلانيا، مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع الصحي للمريض في حال كان يعاني من أمراض مزمنة كالربو والسكري، هنا قد يتطلب دخول المشفى".
وأشار إلى أن معدلات انتشار فيروس كورونا بدأت بالانخفاض، مع انتشار الكريب، بشكل متزايد في ظل انخفاض درجات الحرارة، والوضع المعيشي الذي يتطلب مخالطة الناس والتجمعات حول وسائل التدفئة غير الصحية وقيادة الدراجات النارية، والتعرض للبرد، مشيراً إلى أن الوقاية من كورونا هي اللقاح، والابتعاد عن المصابين، أما الكريب فيعطى اللقاح لكبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة خلال شهر نوفمبر – تشرين الثاني، وذلك للوقاية.
الصيدلاني طبيب مجاني
يلجأ الأهالي في ريف حلب الشمالي إلى الصيدلاني لمعالجة مرضاهم، وفقاً لتقديرات بدائية يعمل الصيدلاني على تقييمها في جسد المريض، حيث يبني معظم الصيادلة أعمالهم في مدى خبرتهم بالتعامل مع الحالات الصحية التي تتردد إليهم، وفقاً لخبراتهم العملية في هذا المجال.
يأخذ محمد العلي، ابنه البالغ من العمر عامين، كلما تعرض لوعكة صحية، إلى الصيدلاني يشرح له حالة الطفل الصحية، بدوره الصيدلاني يقوم بالكشف عن درجة الحرارة، وبموجب الأعراض الظاهرة عليه يصف الأدوية لعلاج المرض الذي يعاني منه.
ويقول العلي، خلال حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا: "إنه يتعامل مع صيدلاني يثق بدرجة خبرته في عملية وصف العلاج للأمراض التي يعيشها ابنه، ويعمل جاهداً على عدم تغييره، لأن بعض الصيادلة يتسببون بمشاكل من خلال وصفات العلاج".
ويقع الكثير من الصيادلة في أخطاء باتت شائعة من خلال وصف الأدوية للمرضى، ما يفاقم الحالة الصحية لديهم، من دون الإلمام الكامل بمحتويات الأدوية، لأن الصيدلاني بات شخصا متعلما حصل على خبرته من خلال التدريب، وغالباً يلجأ الناس لشخص ذي خبرة متميزة، للحصول على العلاج المناسب.
ويثق الأهالي ببعض الصيادلة وفقاً لبعض الصفات المهمة التي يجب أن يتحلى بها الصيدلاني، الكفاءة والمعاملة الحسنة والأخلاق الطيبة والإنسانية، مما يجعله مرجعاً أساسياً لدى معظم السكان الذين استغنوا عن الأطباء، لأسباب متعددة.
يقول الصيدلاني فادي حافظ، خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "إن تقييم الحالة الصحية للمريض ترتبط بمدى الخبرة الطويلة للصيدلاني في هذه المهنة إلى جانب الشهادة الأكاديمية التي يمتلكها الصيدلاني، ما يوفر عليه الكثير من الجهد في عمله".
غياب الأطباء شمالي سوريا والنقاط الطبية لا تغطي
وتزامناً مع موجة الأمراض شهدت المشافي والمستوصفات العامة المنتشرة في ريفي حلب الشمالي والشرقي ازدحاما كبيرا في المرضى لمراجعة الأطباء، حيث باتت النقاط الطبية تغص بالمراجعين من ساعات الصباح الأولى، حيث يضطر المراجعون إلى الانتظار لساعات طويلة بهدف الحصول على الاستشارة الطبية اللازمة.
وتتوفر النقاط الطبية العامة في مختلف مدن وبلدات ريف حلب الشمالي والشرقي، إلا أنها لا تغطي أعداد المراجعين الذين يحتاجون للمعاينة، في ظل اهمال كبير من قبل الأطباء في تقديم الرعاية الصحية للمرضى.
ويضيف حافظ: "يلجأ الأهالي إلى الصيدلاني، لسببين في غاية الأهمية كونهما يرتبطان بالوضع المعيشي المتردي وانخفاض مصادر الدخل، بالإضافة إلى ارتفاع أجور معاينات الأطباء، حيث يختصر المرضى التكاليف المالية عبر شراء الأدوية عوضاً عن المعاينة التي تصل في أدنى الحالات إلى 50 ليرة تركية".
وتغيب في الوقت ذاته العيادات الخاصة، المرتبطة بمواعيد محددة، إذ لا يمكن الاعتماد عليها للاستشارة الطبية، ما يضطر الأهالي إلى الحصول على الوصفة الطبية بحسب تقديراتهم لموضع الآلام والأعراض الناتجة عنه، باستشارة الصيدلاني الذي تحول إلى طبيب مجاني في ظل الظروف التي تعيشها المنطقة، بحسب ما أوضح الصيدلاني فادي حافظ لموقع تلفزيون سوريا.
ويبدو أن مشهد الواقع الصحي يزداد تدهوراً، حيث يكابد الأهالي مشقة السفر إلى مناطق أخرى قد يكون يتوفر فيها أطباء في القطاعين العام والخاص، لأن بعض الحالات الصحية للأطفال تتفاقم خلال فترات غير متناسبة مع توقيت افتتاح العيادات.
ارتفاع أسعار الأدوية.. عبء آخر
ارتفعت أسعار الأدوية في الصيدليات المحلية في ريف حلب الشمالي والشرقي، ما شكّل عبئاً جديداً على عاتق الأهالي في أزمة الأمراض التي تعيشها المنطقة خلال فصل الشتاء، حيث وصلت إلى أرقام خيالية مع استغلال واحتكار التجار المستوردين للأدوية، إلى جانب غياب الرقابة المختصة في عمل الصيادلة.
خلال جولة لموقع تلفزيون سوريا، على الصيدليات المحلية في منطقة ريف حلب، التقى سيدة خمسينية، تدعى أم كامل، معها طفل يبلغ من العمر (7) أعوام، يعاني من التهاب في البلعوم مع سعال حاد، وارتفاع في درجة الحرارة، وصف لها أحد الصيادلة شرابا للسعال ومضادّ التهاب لمعالجة الطفل، إلا أن حالته لم تتحسن، مما دفعها إلى القدوم مجدداً إلى الصيدلاني لإيجاد حل لمرض الطفل.
وقالت خلال حديثها لموقع تلفزيون سوريا: "اضطررت لحقن الطفل إبرة التهاب مع مسكنات وخافض حرارة، لأن حالته الصحية ساءت". وأضافت: "إن الأسعار مرتفعة جداً حيث كلفتني المرحلة الأولى من العلاج 50 ليرة تركية ثمن ثلاثة أنواع من الأدوية، ولاحقاً 36 ليرة تركية ثمن ثلاث حقن التهاب".
وتابعت: "لا يوجد استقرار في أسعار الدواء وبات مرض الطفل كارثيا في ظل الوضع الراهن الذي نعيشه، وفي حال أهمل المرض فإنه سيتفاقم وتنتشر العدوى لباقي أطفال الأسرة، لذلك الأولى تحمل تكاليف علاجه خشية تراكم التكاليف المالية".
ويشتكي الأهالي من ارتفاع أسعار الأدوية التي تحتاج إلى مرتب شهري وفقاً للأجور المنخفضة التي يحصل عليها القاطنون في ريفي حلب الشمالي والشرقي، ومن أبرز العوامل التي ساهمت في ارتفاع أسعار الأدوية، رفع سعرها من المصدر الرئيسي من مناطق نظام الأسد، إلى نسبة 30%، بالإضافة إلى انخفاض قيمة الليرة التركية بنسبة 40%، حيث بدأت الصيدليات المركزية تسعر الأدوية على الدولار الأميركي، إلى جانب أجور الشحن والنقل من مناطق النظام إلى مناطق المعارضة، بحسب ما أشار الصيدلاني فادي خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا".
يأتي هذا كله في ظل ظروف معيشية واقتصادية تعاني منها المنطقة، مع انخفاض قيمة الدخل اليومي للأسر والذي يتراوح بين 20 و30 ليرة تركية وهي لا تتجاوز 2 دولار أميركي، لذلك تشكل الأمراض خلال فصل الشتاء عبئاً ثقيلاً على الأهالي الذين يبحثون عن لقمة الخبز ووقود التدفئة.