لا بد للنسيان والضياع أن يلفا أكثر من 115 ألف طالب لجوء بصورة دائمة بنهاية هذا العام، وهذا ما يكلف دافعي الضرائب نحو سبعة عشر مليون جنيه إسترليني باليوم، بحسب توقعات مفصلة وردت في أحد التقارير.
إذ في تحليل للأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية البريطانية أجراه مجلس اللاجئين، جرى الكشف عن الأثر المحتمل لقوانين الهجرة الثلاثة التي سنتها الحكومة البريطانية خلال العامين المنصرمين بهدف معالجة أزمة القوارب الصغيرة.
وحذرت تلك المنظمة من إصلاحات نظام اللجوء الشاملة التي طرحت بموجب قانون الجنسية والحدود الصادر عام 2022 وقانون الهجرة غير الشرعية لعام 2023، ومشروع قانون الأمان في رواندا والتي من المتوقع أن يوافق الملك عليها يوم الخميس، وذلك لأن هذه الإصلاحات يمكن أن تتسبب بانهيار منظومة اللجوء في البلد وترتب الملايين على دافعي الضرائب في المملكة المتحدة.
وتوقع هذا التقرير أنه في حال وقفت أعداد الواصلين إلى المملكة المتحدة بطريقة غير شرعية عند حدود أعدادهم خلال العامين الماضيين، فلن يؤهل للترحيل إلى بلده بموجب تلك القوانين سوى نحو عشرة آلاف منهم.
وترى تلك الدراسة بأن هذا العدد من طالبي اللجوء سيجري ترحيله إلى بلده الأم بالإضافة إلى ترحيل نحو ألفين آخرين إلى رواندا بنهاية هذا العام.
وحتى لو نجحت وزارة الداخلية البريطانية بترحيل 12 ألف شخص، لا بد أن تتقطع السبل بنحو 115575 مهاجراً آخرين في المملكة المتحدة، وعندها لن تتمكن تلك الدولة من ترحيلهم خارج المملكة المتحدة، وسيحرمون من التقدم بطلبات لجوء فيها، وسيغدو وضعهم غير قانوني في بريطانيا.
أعداد جديدة من الواصلين
كشفت الأرقام الرسمية التي نشرت البارحة بأن أربعمئة واثنين من المهاجرين عبروا بحر المانش في سبعة قوارب، حمل كل منها نحو سبعة وخمسين راكباً وسطياً في يوم واحد، إلا أن الموت غيب خمسة منهم أثناء محاولة العبور.
وصل العدد الإجمالي لعمليات العبور حتى تاريخ اليوم من هذا العام إلى 6667 عملية، أي بعدد أعلى بنسبة الخمس عما كانت عليه الأعداد خلال الفترة نفسها من العام الفائت، وأغلب الواصلين من حملة الجنسية الفيتنامية إذ وصل عددهم إلى 1266 شخصاً، وتعادل نسبتهم 20% من مجموع الواصلين، يأتي بعدهم الأفغان الذين وصل عددهم إلى 1216 شخصاً، ثم الإيرانيون بواقع 709 أشخاص، يليهم السوريون بواقع 694 شخصاً، ثم الأريتيريون الذين بلغ عددهم 528 شخصاً، وأخيراً العراقيون الذين وصل عددهم إلى 425 شخصاً.
السير على نهج بريطانيا
أخذت دول أخرى تستشير بريطانيا نظراً لخبرتها في مجال خطة رواندا بما أن الدول تحاول معالجة مشكلة الهجرة غير الشرعية لديها، وذلك بحسب ما أوردته صحيفة التايمز البريطانية، كما ذكرت مصادر حكومية بأن عدداً من الدول بات مهتماً بتلك الخطة وينتظر عما ستتمخض عنه تلك الاتفاقية التي تحولت إلى مشروع قانون ينتظر الإقرار، وذلك حتى تتعلم تلك الدول الدرس من تلك العملية.
ومن أجل ذلك، تباحث رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك مع المستشار الألماني أولاف شولتز حول موضوع الهجرة غير الشرعية في برلين يوم الأربعاء الماضي، ما دفع صحيفة التايمز لتنشر بأن بريطانيا تتعاون مع ألمانيا بخصوص مسألة الهجرة، بما أن ألمانيا تعاني ازدياد أعداد طالبي اللجوء لديها، وذلك فيما يخص مشاركة المعلومات الاستخبارية ومصادرة معدات التهريب التي تشمل القوارب المطاطية المستخدمة لعبور بحر المانش.
بموجب الفقرة الخامسة والتسعين من قانون الهجرة واللجوء الصادر عام 1999 يتعين على وزارة الداخلية البريطانية إيواء طالبي اللجوء لأنهم سيضحون معوزين من دون ذلك، وهذا يعني بأن كلفة إيواء المهاجرين سترتفع لتصل إلى 17.1 مليون جنيه إسترليني، أو ما يعادل 6.2 ملايين جنيه إسترليني بالسنة، وذلك بحسب التحليل الذي خرج به مجلس اللاجئين والذي اعتمد على متوسط الإنفاق الحالي والذي يعادل 147.74 جنيهاً إسترلينياً بالليلة الواحدة، وذلك بالنسبة لكلفة إيواء طالبي اللجوء في الفنادق، على الرغم من أن وزارة الداخلية أكدت بأنها تعمل وبالتدريج على نقل المهاجرين من الفنادق إلى مراكز إيواء أرخص كلفة.
كما اعتمد هذا التحليل على بنود قانون الهجرة غير الشرعية الذي سنه مجلس النواب خلال العام الماضي، والذي تمخض عن حرمان دائم لأي شخص يصل إلى البلاد بطريقة غير شرعية من الإقامة في المملكة المتحدة. وبما أن الحكومة لا تستطيع منع الناس من التقدم بطلبات لجوء، فقد حرم هذا القانون من يصلون بطريقة غير شرعية من الحصول على حق اللجوء أو الإقامة الدائمة في المملكة المتحدة.
تكاليف باهظة وفوضى ومآس
هذا وقد كشفت الأعداد التي نشرتها وزارة الداخلية في بحر هذا الأسبوع عن وجود نحو ثمانين ألف شخص في المملكة المتحدة وهؤلاء أضحوا في غياهب النسيان بسبب قانون الجنسية والحدود وقانون الهجرة غير الشرعية اللذين يحرمان هؤلاء الأشخاص من حق الإقامة في المملكة المتحدة.
ويحمّل هذا القانون أيضاً وزير الداخلية مسؤولية ترتيب الأمور من أجل ترحيل هؤلاء الأشخاص من بريطانيا، لكن هذه الجزئية من القانون لم تدخل حيز التنفيذ بعد.
وعلى الرغم من هذه المسؤولية، يرى تقرير مجلس اللاجئين بأن نسبة ضئيلة من المهاجرين يمكن أن ترحل إلى بلدها الأم أو رواندا في حقيقة الأمر، وجاء في هذا التقرير بأن الأغلبية الساحقة سيتركون في غياهب النسيان بشكل دائم في المملكة المتحدة حيث ستتقطع بهم السبل من دون أن تعالج طلبات لجوئهم، وعندئذ ستضحي وزارة الداخلية مسؤولة عن إعالتهم لأجل غير مسمى، أو سيصبحون عرضة للاستغلال.
وعن ذلك يقول إنفر سولومون المدير التنفيذي لمجلس اللاجئين إن الحسابات تشير إلى ظهور تكاليف هائلة وفوضى عارمة ومأساة إنسانية كبيرة سيتسبب بها قانون الهجرة غير الشرعية مع خطة رواندا، وأضاف: "سيؤدي ذلك حتماً إلى انهيار حتمي كامل لمنظومة اللجوء، إذ بدلاً من العمل بموجب منظومة لجوء فعالة وعادلة، خرجت علينا الحكومة بكل طيشها بهذا القانون المضلل من دون أي تفكير بالتكاليف المرتفعة التي ستترتب عليه وعواقبه الوخيمة على المدى البعيد، وبدلاً من وضع أسس لمعالجة أزمة اللجوء القادمة، ينبغي على أي حكومة ترغب بإقامة منظومة لجوء فاعلة وعادلة أن تلغي العمل بهذا القانون، وأن تتوقف عن صرف الموارد على محاولات عقيمة، مع التركيز على مهمتها الأساسية المتمثلة بمعالجة طلبات اللجوء بسرعة وعدالة".
أما إيفيت كوبر وزيرة داخلية الظل من حزب العمال البريطاني، فقد وصفت سياسات اللجوء التي تقدمت بها الحكومة بالهزلية وأضافت: "مع كل قانون يخرجون به، يزيدون الطين بلة" وذلك قبل أن تتهم الوزراء باللجوء إلى هذا الأسلوب من التحايل لإحكام قبضتهم على السلطة على حد وصفها.
ورداً عليها صرح الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية بأنه: "قبل دخول قانون الهجرة غير الشرعية حيز التنفيذ قمنا بترحيل الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدهم الأم، وسيخضع كثيرون من تلك الفئة للترحيل إلى رواندا، بيد أنه لا تاريخ محددا لتلك الخطة، ولكن عليهم أن يتوقعوا صدور إشعارات ترحيل بحقهم في الوقت المناسب، وكما ذكر رئيس الوزراء خلال هذا الأسبوع، فإن الرحلات إلى رواندا ستقلع في غضون عشرة أسابيع إلى اثني عشر أسبوعاً، مما سيخلق حالة الردع اللازمة للقضاء على الاستغلال الإجرامي لعصابات تهريب البشر تجاه المهاجرين".
المصدر: The Times