تزداد المخاوف بشأن سياسات الهجرة واللجوء في ظل تصاعد قوى اليمين المتطرف في العديد من الدول الأوروبية التي تسعى إلى فرض إجراءات صارمة تقوّض من حقوق اللاجئين، ومع اقتراب انتخابات البرلمان الأوروبي المقررة في حزيران المقبل، يتنامى القلق من أن يتبنى الاتحاد الأوروبي خطة تقضي بـ "إرسال اللاجئين إلى بلد ثالث"، التي باتت تطرحها العديد من الأحزاب مؤخراً.
وتعتبر قضية الهجرة واللاجئين من أبرز التحديات التي تواجه الحكومات الأوروبية التي تتعرض للضغوط لتحديد سياساتها تجاه اللجوء، فقد أظهرت الأرقام الرسمية مؤخراً أن الاتحاد الأوروبي استقبل نحو مليون و140 ألف طالب لجوء خلال عام 2023، وهو أعلى رقم منذ 2016. بحسب وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء.
ويتوقع "مركز السياسة الأوروبية" أن تستغل الأحزاب اليمينية المتطرفة في ألمانيا ودول أوروبية أخرى أرقام اللجوء هذه لصالحها في حملاتها الانتخابية. وقد تدفع المخاوف بشأن الهجرة الناخبين نحو الأحزاب اليمينية المتطرفة في انتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة. وفق ما أورد موقع (دويتشه فيله) الألماني.
ولتحقيق مكاسب انتخابية كبيرة تقوم الحملات الانتخابية للأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية في أوروبا على أساس وعود بتضييق الخناق على دخول اللاجئين إلى دول الاتحاد الأوروبي، وإذا تمكنت هذه الأحزاب من تنحية خلافاتها جانباً والتوحد في البرلمان الأوروبي، فمن الممكن أن تصبح قوة رئيسية في عملية سن القوانين في الاتحاد الأوروبي.
صعود كبير لليمين المتطرف
وتجري انتخابات البرلمان الأوروبي في وقت تشهد فيه الأحزاب اليمينية المتطرفة تقدما ملحوظا في العديد من الدول الأوروبية، الأمر الذي ينذر بحدوث تغييرات عميقة في صفوف البرلمان الأوروبي الذي يضم 720 عضوا من 27 دولة.
وسواء كان في فرنسا أو في النمسا أو في بولندا أو في دول أوروبية أخرى، تشير الاستطلاعات إلى فوز أحزاب اليمين المتطرف في تسع دول، كما ستحتل أحزاب يمينية متطرفة أخرى المرتبة الثانية أو الثالثة في تسع دول أخرى، وفق الاستطلاعات نفسها.
وتشير دراسة أجراها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى أنه في حال تحقُّق هذا السيناريو، فسوف يرتفع عدد نواب معسكر اليمين المتطرف داخل البرلمان الأوروبي من 127 نائبا حاليا إلى 180 أو أكثر.
وبحسب وكالة (فرانس برس)، فإن ارتفاع عدد النواب من اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي سيكون له تأثير على العلاقات التي تربط الكتل الحزبية اليمينية المتطرفة فيما بينها، فعلى سبيل المثال، تضم المجموعة الأولى كلا من حزب "العدالة والحق" البولندي وحزب "فراتيلي" (إخوة إيطاليا) الذي تتزعمه رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، في حين تضم المجموعة الثانية كلا من حزب "التجمع الوطني" الفرنسي والرابطة الشمالية الإيطالية بقيادة ماتيو سالفيني، إضافة إلى حزب "البديل من أجل ألمانيا" الذي يتزعمه ماكسيمليان كراش.
وتشير بعض التوقعات إلى إمكانية حصول المجموعة الأولى من الأحزاب على عدد أكبر من المقاعد لتصبح ربما القوة السياسية الأولى في معسكر اليمين المتطرف بالبرلمان الأوروبي.
ورغم أن التصويت على غالبية القوانين تتم وفق التحالفات الحزبية، فإن البرلمان الأوروبي تسيطر عليه تاريخيا أحزاب الوسط المكونة من حزب الشعب الأوروبي (يمين وسط ومحافظون) والتحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين (يسار وسط) إضافة إلى حزب تجديد أوروبا (وسط يمين) الذي انضم إلى هذه الكتلة الحزبية في 2019، وتمثل هذه الأحزاب الثلاثة 60 بالمئة من مقاعد البرلمان.
ومن المرجح وفق التوقعات أن هذا التحالف سيفقد عددا كبيرا من المقاعد لصالح اليمين المتطرف، الأمر الذي سيجعل كفة البرلمان الجديد تميل نحو اليمين. وإذا تحققت هذه النتائج على أرض الواقع، فسنشهد تشددا كبيرا في سياسات الهجرة، كما سيكون من الصعب على البرلمان الأوروبي فرض عقوبات على بعض الدول الأعضاء التي لا تحترم حقوق الإنسان والحريات العامة.
أكبر تكتل بالبرلمان الأوروبي يتبنى خطة إرسال اللاجئين إلى بلد ثالث
ويوم الخميس (السابع من آذار 2024)، اختار حزب الشعب الأوروبي، الذي يشكل أكبر كتلة داخل البرلمان الأوروبي، ويضم عائلة الأحزاب المسيحية الديمقراطية (المحافظة) في الاتحاد الأوروبي، رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين كمرشحة رئيسية للانتخابات الأوروبية المقررة في حزيران المقبل، واعتمدَ برنامجه الانتخابي.
وفي بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني بشأن برنامجه الانتخابي يحمل عنوان "حدود آمنة، أوروبا آمنة"، دعا حزب الشعب الأوروبي إلى معالجة إجراءات اللجوء في "بلد ثالث آمن" في المستقبل. وبالتالي فهو يطالب بإجراءات أكثر تشديداً من ميثاق الهجرة، الذي وافق عليه الاتحاد الأوروبي العام الماضي، وينص الميثاق على التعامل مع إجراءات اللجوء على الحدود الخارجية لأوروبا، وليس في دول ثالثة مثل رواندا أو جورجيا.
وبعد سنوات من المفاوضات، اتفقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي في كانون الأول الفائت، على إجراء إصلاح شامل لقوانين اللجوء والهجرة الخاصة بالاتحاد، حيث تضمنت عملية الإصلاح أحكاماً للبت بشكل أسرع بطلبات طالبي اللجوء، وإنشاء مراكز احتجاز على الحدود، وترحيل سريع لطالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم.
وبدعوته إلى اعتماد "نموذج الدولة الثالثة"، يتبنى حزب الشعب الأوروبي بذلك نقطة من برنامج الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني الذي تنتمي إليه فون دير لاين، إذ طالبت الولايات التي يقودها "الديمقراطي المسيحي" خلال اجتماع المستشار الألماني أولاف شولتس مع ورؤساء وزراء المقاطعات قبل أيام، بإحداث تغيير في سياسة اللجوء وتقديم نتائج لفحص ما يُعرف بحل الدول الثالثة حتى الجولة المشتركة التالية والمقررة في 20 حزيران المقبل.
حزب الشعب الأوروبي يبرر اعتماده "نموذج رواندا"
وكانت أورسولا فون دير لاين، أعربت عن دعمها لإصلاحات الهجرة المثيرة للجدل التي تتضمن ترحيل الأشخاص إلى دول ثالثة لمعالجة طلبات اللجوء وفرض نظام حصص لمن يحصلون على الحماية في دول الاتحاد الأوروبي.
ونقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية الأربعاء، عن زعيم حزب الشعب الأوروبي مانفريد فيبر أن "هذه السياسات - على غرار خطة رواندا في المملكة المتحدة - جرى العمل عليها مع جميع الأحزاب في المجموعة السياسية لحزب الشعب الأوروبي، والتي تضم الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه فون دير لاين في ألمانيا".
وحذر فيبر من أن "اليمين المتطرف يريد تدمير أوروبا من الداخل". مبيناً أن "حزب الشعب الأوروبي سيكون واضحاً تماماً بشأن رغبته في الحد من الهجرة في الحملة الانتخابية للانتخابات الأوروبية المقبلة".
وفي رده على سؤال حول ما إذا كانت فون دير لاين تدعم هذه السياسات، قال فيبر إن "جميع المواقف البرنامجية لحزب الشعب الأوروبي تدعمها أيضاً أورسولا فون دير لاين، نحن نفعل ذلك كفريق واحد".
وأوضح أن "حزب الشعب الأوروبي يريد إبرام سلسلة من الصفقات مع الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بهدف ترحيل الأشخاص الذين وصلوا عبر طرق الهجرة غير النظامية لمعالجة طلبات اللجوء في تلك الدول الثالثة الآمنة، وهي مبادرة لصد صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة مثل حزب البديل من أجل ألمانيا".
ووصفت صوفي إن تي فيلد، النائبة الهولندية في البرلمان الأوروبي والممثلة الرئيسية لمجموعة رينو الليبرالية في لجنة الحريات المدنية والعدالة والشؤون الداخلية في البرلمان، هذا الإجراء بأنه "قطعة أخرى بغيضة من اللحم الأحمر من حزب الشعب الأوروبي تهدف إلى جذب أصوات اليمين المتطرف".
وأضافت "لن ينجح ذلك، وكل ما حققته استراتيجية حزب الشعب الأوروبي على مدى السنوات الماضية هو جعل اليمين المتطرف أكبر، فإذا كانوا يعلمون أنها لا تنجح، فلماذا يكررون بعناد التكتيكات نفسها في كل مرة؟".
دبلوماسي أوروبي يدق ناقوس الخطر
وفي مقال له نشرته صحيفة "دير شبيغل" الألمانية، يقول كبير الدبلوماسيين، وزير خارجية لوكسمبورغ الأسبق جان أسيلبورن إن "ما كان من الممكن منعه في مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ في حزيران 2023 سيصبح الآن برنامج حزب الشعب الأوروبي، الذي يُفترض أنه القوة الأقوى في البرلمان الأوروبي المقبل".
ويضيف أن "هذا يعني أن حل رواندا، الذي تحاول المملكة المتحدة تطبيقه منذ عام 2022 ولكنه فشل حتى الآن بسبب مقاومة المحاكم العليا، سيصبح النموذج الأوروبي وفقاً لإرادة الديمقراطيين المسيحيين في أوروبا، فعندما يطرق اللاجئ من إيران أو أفغانستان أو سوريا أو غيرها باب الاتحاد الأوروبي، بمفرده أو مع عائلته، سوف يُنقل جواً إلى بلد ثالث مثل رواندا، لمعالجة طلب لجوئه، فإذا استوفى الشروط، يُسمح له بالبقاء في هذا البلد الثالث، وإذا لم يستوفِ ذلك فسوف يجري ترحيله".
وفي أيلول 2018، طالب وزير الداخلية الإيطالي آنذاك ماتيو سالفيني بصوت عالٍ في فيينا بضرورة إلغاء اتفاقية جنيف لعام 1951 لأنها كانت إنسانية للغاية ومرنة للغاية. بحسب تعبيره. والآن، اقترب سالفيني وحزب ليغا اليميني الشعبوي اليميني الذي يتزعمه، وهما ليسا عضوين في حزب الشعب الأوروبي، خطوة كبيرة نحو تحقيق هدفهما، فالاتحاد الأوروبي يخاطر بالحصول على رئيس للمفوضية يسير على خط الشعبويين اليمينيين ومستعد للتضحية بالسمة الرئيسية لاتفاقية جنيف. وفق أسيلبورن.
هل يتخلى الاتحاد الأوروبي عن قيمه؟
يقول كبير الدبلوماسيين "لقد مات مبدأ عدم الإعادة القسرية في الاتحاد الأوروبي، أي عدم الإعادة القسرية للشخص الذي يلتمس الحماية، ومات معه جوهر اتفاقية جنيف. فبعد عام 1945، ساعدت الاتفاقية ملايين الأشخاص على بدء حياة جديدة - دون أن تعاني أوروبا من أي ضرر نتيجة لذلك، بل على العكس تماماً، لقد جعلت أوروبا أكثر إنسانية، ونوّعت الثقافات واللغات والأديان في عالمنا، وجعلتنا أكثر ثراءً".
ويشير إلى أنه "باتباعهم نموذج رواندا البريطاني، يتبنى اليمينيون المتطرفون ما يسمى باليمين الكلاسيكي، ففي فرنسا نجح حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان في العمل على نفس مستوى حزب (الجمهوريون) المحافظ، وهو عضو في حزب الشعب الأوروبي، وبالتالي لم يعد هناك أي خلاف بين الحزبين في قضايا الهجرة".
ويحذّر من "وجود خطر كبير من أن يسمح حزب الشعب الأوروبي لنفسه بأن ينجذب إلى اليمين في البرلمان الأوروبي بحيث لا يعود مضطراً إلى تقاسم السلطة مع الاشتراكيين الديمقراطيين أو الخضر أو الليبراليين".
ويرى أسيلبورن أن "بذور تحول حزب الشعب الأوروبي إلى اليمين بدأت بالفعل تترك بصماتها في العديد من دول الاتحاد الأوروبي". ودعا الاشتراكيون الديمقراطيون والخضر إلى موقف حازم ضد ذلك، سواء كانوا ناخبين أو رؤساء حكومات". مضيفاً "لأنه لحسن الحظ فإن حزب الشعب الأوروبي ورئيس المفوضية ليسا أصحاب القرار المنفرد في الاتحاد الأوروبي".
وبحسب رأيه "إذا ألغى الاتحاد الأوروبي قيمه، فإنه بذلك يلغي نفسه بنفسه، والانتخابات الأوروبية في حزيران المقبل سوف تقرر ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيسير في هذا الطريق".
توجه أوروبي لتطبيق "نموذج رواندا" البريطاني
وكانت النمسا والدنمارك وليتوانيا واليونان وسلوفاكيا ولاتفيا ومالطا وإستونيا قد شكت إلى المفوضية الأوروبية في حزيران الماضي من أن "نظام اللجوء غير فعّال". وطالبت النمسا، في أيلول الفائت، دول الاتحاد الأوروبي بتطبيق نموذج رواندا البريطاني، في مسعى للتصدي لطلبات اللجوء أو الاستعانة بدول أخرى خارج أوروبا، على الرغم من المعوقات التي تواجه هذه السياسة لأسباب قانونية وحقوقية.
وأبرمت الدنمارك التي اختارت عدم المشاركة في السياسة المشتركة للاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين، اتفاقاً على مثال نموذج رواندا البريطاني، إلا أنها قررت تعليقه في أعقاب انتخابات 2022.
وفي تقرير نشرته في أيلول الفائت، بعنوان "دول في الاتحاد الأوروبي تدعو إلى تطبيق نموذج رواندا البريطاني للتصدي لأزمة اللجوء"، توقعت صحيفة "التايمز" البريطانية أن "تكون مسألة اللجوء قضية حاسمة في الانتخابات البرلمانية على مستوى أوروبا المقرر إجراؤها في حزيران المقبل".
واعتبر التقرير أن "صعود حزب البديل من أجل ألمانيا القومي في ألمانيا أدى إلى دفع الحزب الديمقراطي المسيحي إلى اليمين، مع تعهدات بفرض ضوابط على الحدود فضلاً عن ترحيل المهاجرين".
كما رفضت بلجيكا، التي توصف بأنها دولة صديقة للاجئين، في أيلول الماضي، طلبات لجوء من رجال غير متزوجين، الأمر الذي أثار انتقادات داخل المجلس الأوروبي ومنظمات مراقبة حقوق الإنسان.