للمرة الثانية خلال عام وقرابة شهرين زار وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان العاصمة دمشق، والتقى مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، في ظل انتقال الإمارات من ضفة دعم الثورة السورية بعد عام 2011، إلى حضن النظام السوري المعزول دولياً علناً اعتباراً من نهاية عام 2018.
"زيارة عمل"
وذكرت وكالة الأنباء الإماراتية "وام" أمس الأربعاء، أن بشار الأسد استقبل عبد الله بن زايد في إطار "زيارة عمل قام بها إلى سوريا"، مضمنة خبرها مقطعاً مصوراً يظهرهما في قصر المهاجرين بالعاصمة السورية دمشق.
وقالت وكالة أنباء النظام السوري (سانا) إن الجانبين بحثا "العلاقات الأخوية المتميزة التي تجمع سوريا والإمارات" وإن بشار الأسد أكد أن "العلاقات بين سوريا والإمارات تاريخية، ومن الطبيعي أن تعود إلى عمقها الذي اتّسمت به لعقود طويلة".
في حين أشارت "وام" إلى أن عبد الله بن زايد "بحث العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات وسوريا وسبل تعزيزها وتنميتها من خلال التعاون المشترك على كافة المستويات، وفي مختلف الأصعدة، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين".
وأكد الوزير الإماراتي"التزام وحرص دولة الإمارات على دعم الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، يعيد أمن واستقرار ووحدة سوريا الشقيقة، ويلبي تطلعات الشعب السوري الشقيق في التنمية والتطور والرخاء".
تفتح زيارة عبد الله بن زايد العديد من التساؤلات عن التوقيت الذي يصل فيه وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم أكثر بكثير عن الزيارة السابقة التي جرت في 9 تشرين الثاني 2021، وزيارة بشار الأسد إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي ولقائه مع الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان في 18 آذار 2022.
وخلال عام ونيف من بداية شكل جديد للعلاقة الإماراتية مع النظام السوري، لم يتحسن الوضع الاقتصادي لنظام حليفته الإمارات تعد فعلياً من أغنى دول المنطقة العربية، ومن الاقتصادات الأبرز فيها، على العكس من ذلك غرق في أزمات اقتصادية أكبر، رغم كل الوعود الإماراتية للنظام.
اقتصاد منهار
ويمر اقتصاد النظام السوري بأزمة مالية طاحنة بالتزامن مع ارتفاع أسعار المحروقات وندرتها بالأسواق، وتراجع المداخيل من النقد الأجنبي بسبب الضغوط التي يواجهها قطاع الصادرات، مع فشل حكومة النظام بتأمين الأساسيات من كهرباء ووقود مواصلات وتدفئة للسكان في مناطق سيطرته.
وخلال فترة زيارتَي عبد الله بن زايد لدمشق، انهارت الليرة السورية أمام الدولار بأكثر من 100%، وزادت نسب التضخم لأعلى مستوياتها، في حين كان السؤال الأبرز لدى معظم سكان مناطق سيطرة النظام السوري عن مدى إمكانية تأمين الوجبة التالية؟ في الوقت الذي يصنف 90% من سكان سوريا بأنهم تحت خط الفقر، وفق المرصد الأوروبي-المتوسطي.
وفي يوم زيارة عبد الله بن زايد الأولى إلى دمشق بتاريخ 9 تشرين الثاني 2021، كان سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية
3530 ليرة، ووصل إلى 6080 ليرة يوم زيارته الثانية بتاريخ 4 كانون الثاني 2023.
ورغم التحسن الطفيف الذي حصل لليرة السورية مقابل الدولار خلال شهر كانون الأول الماضي، حيث انخفض سعر صرف الدولار أمام الليرة من 7200 ليرة إلى 6800 مع بداية دخول عام 2023، ثم انخفاضه إلى 6080 ليرة وفق أسعار صرف اليوم الخميس، بحسب موقع الليرة اليوم، فإن الليرة السورية بوضع كارثي.
وكان عام 2022 الذي شهد تهاوي سعر الليرة، هو العام الأكثر استيراداً للقمح والمشتقات النفطية، ما يعني تبديد القطع الأجنبي الذي كان قليلاً بالأساس في السوق والمصرف المركزي.
وبلغت خسائر الاقتصاد السوري منذ عام 2011 وحتى آذار2022 أكثر من 650 مليار دولار، كما أن أسعار المواد الأساسية ارتفعت أكثر من 140 مرة، وتضاعفت خسائر العملة المحلية أكثر من 98 مرة منذ بداية 2011، في حين أكثر من 78 في المئة من المستشفيات والعيادات مدمرة أو خارج الخدمة، بالإضافة إلى دمار أكثر من 42 في المئة من المدارس، بحسب تقرير "منسقو استجابة سوريا".
ماذا قدمت الإمارات للنظام السوري؟
وفي ظل تلك الأرقام الرهيبة التي يعاني منها الاقتصاد السوري بسبب سياسات النظام بالمقام الأول، وتكاليف الحرب التي قادها، لم تنجح دولة الإمارات الغنية بالنفط أن تنقذه من الأزمات الهائلة التي تزيد يوماً بعد يوم.
ويبدو أن الإمارات تعول على أن يكون لها دور وسيط سياسي في حال جرى أي صفقة مع النظام السوري، خصوصاً مع أحداث التطبيع الأخيرة بين تركيا والنظام السوري برعاية روسية.
وخلال زيارتَي الوزير الإماراتي لدمشق وزيارة بشار الأسد إلى أبوظبي لم تعلن الإمارات عن أي حملة مساعدات إنسانية أو مالية أو من أي نوع قدمتها للنظام السوري، حيث اقتصر الأمر على المساعدات التي أعلنت عنها الحكومة الإماراتية خلال أزمة كورونا في آذار 2020، وعدة المشافي افتتحت بين 2021 و2022.
ولم ترسل الإمارات أي قافلة نفط إلى النظام السوري رغم الحاجة الماسة التي يعيشها، خصوصاً أنها قادرة على تزويده بالمال لشرائه إن لم تكن تود إرسال النفط من أراضيها.
وبحسب خارجية النظام السوري قدرت الخسائر المباشرة وغير المباشرة لقطاع النفط والغاز والثروة المعدنية في سوريا "منذ العام 2011 حتى منتصف 2022، نحو 107.1 مليارات دولار".
وكان حجم إنتاج النفط في سوريا يقدر بأكثر من 380 ألف برميل يومياً تصدر منها نحو 200 ألف برميل، لا يزيد إنتاجها اليوم في المناطق التي يسيطر عليها النظام عن 30 ألف برميل، وأصبحت البلاد تعتمد تماماً على الاستيراد.
وكانت الإمارات قبل عام 2011، ثاني أكبر مستثمر عربي بسوريا بعد السعودية، لا سيما في قطاع المجمعات العقارية والسياحية، وقد بلغ إجمالي ما كانت تستثمره نحو الـ 20 مليار دولار.
وكانت الإمارات أيضاً أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر داخل سوريا، خلال العقد الأول من القرن الحالي، حيث بلغ حجم التجارة بين البلدين عام 2009 نحو 322 مليون دولار.
أين استثمارات الإمارات في سوريا؟
ورغم تشكيل "مجلس الأعمال السوري الإماراتي" بهدف "تطوير التعاون في المجال الاستثماري وإتاحة المجال للشركات الإماراتية لإعادة إعمار سوريا بالاستفادة من قانون الاستثمار الجديد رقم 18 لعام "2021، وفق وكالة أنباء الأسد "سانا"، فإنه لم يغيّر من الواقع الاقتصادي السوري.
وخلال عام ونصف نشطت الإمارات في إرسال الوفود واللجان إلى دمشق واستقبلت نظيرتها في أبوظبي ودبي، بهدف تحريك عجلة الاستثمار وإعادة الإعمار في سوريا، ولكن كل ذلك ما زال بين جدران الفنادق والمنتديات والحديث العام، خاصة مع ازدياد الوضع سوءاً في سوريا.
وفي تضخيم إعلامي لما تسمى الطاقة البديلة في سوريا، زاد حجم انقطاع الكهرباء وساعات التقنين في مناطق سيطرة النظام السوري رغم أن وزارة كهرباء النظام كشفت في آب 2022 عن توقيع عقد لإنتاج 300 ميغا عبر الطاقة الشمسية مع شركة إماراتية (لم تعلن اسمها)، مشيرة إلى أنه سيتم البدء بالتنفيذ فعلياً خلال فترة قريبة.
كما أعلن النظام أن الإمارات هي الأولى عربياً في حجم التبادل التجاري في تشرين الأول 2022، إلا أن وكالة أنباء النظام "سانا" لم تكشف عن أي أرقام، في حين كانت آخر أرقام صادرة هي التي كشف عنها وزير التجارة الإماراتي عبد الله بن طوق المري عام 2021، أن "حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين بلغ نحو 2.6 مليار درهم خلال العام 2020، في حين وصل إلى نحو مليار درهم خلال النصف الأول من العام 2021"، مشيراً إلى أن قيمة الاستثمار السوري المباشر في دولة الإمارات بلغ 1.5 مليار درهم في نهاية العام 2019، بحسب صحيفة "الإمارات اليوم".
الفيتو الأميركي
زيارة عبد الله بن زايد إلى سوريا جاءت بعد يوم من تصريحات الخارجية الأميركية التي أكّدت على أن واشنطن "أوضحت لجميع حلفائها وشركائها أن الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب لتطبيع العلاقات أو تحسينها مع النظام السوري"، بحسب قناة الحرة الأميركية.
وحث تيد برايس المتحدث باسم الخارجية الأميركية، الدول على النظر "بعناية في سجل حقوق الإنسان الفظيع لنظام الأسد على مدى 12 عاماً، حيث يواصل ارتكاب الفظائع ضد الشعب السوري، ومنع وصول المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، حيث لا يزال الشعب السوري يعاني على مدار ما يقرب من 12 عاماً".
وجدد برايس تأكيد واشنطن دعمها العمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة لضمان حل سياسي دائم للملف السوري.
ورغم كل التحذيرات الأميركية ورفض واشنطن لتعويم النظام، فإن الإمارات أعادت علاقاتها وطبعت معه وحاولت إخراجه من عزلته السياسية، إلا أنها لم تخاطر في تقديم أي دعم اقتصادي له.
وحتى إن تمكن المستثمرون الإماراتيون من الالتفاف على العقوبات الأميركية، فإن سوريا تظل سوقاً غير جذابة في ظل عدم الاستقرار وانتشار الفساد. وحتى أبرز حلفاء الأسد، إيران وروسيا والصين، مترددون بشأن الاستثمار في البلاد. قد يساهم تقارب بعض الدول من الأسد في جذب بعض الاستثمارات، لكن ذلك لا ولن ينقذ النظام اقتصادياً.