وقَع سوريون كثر، بينهم ديمقراطيون ومعارضون لنظام الأسد، في حيرة حيال اتخاذ موقف من عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة "حماس" في السابع من أكتوبر/ تشرين أول الماضي، وهي حيرة في الأساس لا تطال الموقف من العملية بحدّ ذاتها بقدر ما تطال الموقف من حركة حماس، التي وضعت نفسها في نفس محور الممانعة والمقاومة، الذي تقوده إيران، وتستخدمه أداة لتنفيذ مشروعها القومي التوسعي في المنطقة العربية، ويضم كلاً من نظام الأسد وحزب الله اللبناني والقوى السياسية والميليشياوية في العراق وميليشيات الحوثي في اليمن، حيث ينظر سوريون إلى أطراف هذا المحور من جهة وقوفها ضد ثورتهم وناسها، حيث إنها وقفت، وما تزال تقف، في صف نظام الأسد الذي يشن حرباً ضدهم منذ انطلاق ثورتهم في منتصف آذار مارس 2011.
صحيح أن قادة حماس في الخارج نأوا بأنفسهم في البداية، ولم يقبلوا بأن تساند حركتهم نظام الأسد في حربه، بل ودخلوا في خصام معه، لكن موقفهم من الثورة السورية لم يكن مبدئياً، بل جاء بما يتسق مع موقف حركات الإسلام السياسي التي ركبت على ظهر الثورات العربية، كي تصل إلى السلطة، لذلك سرعان ما تغير موقف حماس في السنوات الماضية، فأعادت وصل ما انقطع مع نظام الأسد، بل وعبّر بعض قادتها عن ندمه لحدوث قطيعة مع النظام، وذلك تماشياً مع تحول حماس إلى يافطة المقاومة والمانعة، فأغدق عليها نظام الملالي الإيراني المال والسلاح والخبرات.
يعتبرون أن دعم النظام الإيراني لحماس ولنظام الأسد وسواه، يدخل ضمن حسابات وتوظيفات المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة والإقليم، الساعي إلى الهيمنة وبسط النفوذ على دولها وشعوبها
يرجع موقف السوريين المطالبين بالديمقراطية من حماس إلى تصنيفها ضمن حركات الإسلام السياسي، ويبني معظمهم موقفه منها بالنظر إلى موقف هذه الحركات الرافض للديمقراطية، وبما فعلته تنظيمات وفصائل الإسلام السياسي في الثورة السورية وناسها، والتي كانت بعيدة كل البعد عن تطلعات السوريين ووعود ثورتهم، حيث أقامت ما يشبه إمارات أو دويلات تحت رايات إسلامية خادعة، وراحت تتحكم بحياة السوريون القاطنين في مناطق سيطرتها، وقدمت مثالاً للحوكمة البشعة والتسلطية، ومارست مختلف أصناف القمع على شاكلة نظام الأسد وسائر سلطات الأمر الواقع، التي فرضت نفسها على السوريين بقوة السلاح. كما أنهم يعتبرون أن دعم النظام الإيراني لحماس ولنظام الأسد وسواه، يدخل ضمن حسابات وتوظيفات المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة والإقليم، الساعي إلى الهيمنة وبسط النفوذ على دولها وشعوبها، وليس من أجل ممانعة المشاريع الأميركية أو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، حسبما يحاول تسويقه قادة محور الممانعة.
بالمقابل، هنالك سوريون ينظرون إلى حركة حماس بوصفها إحدى حركات التحرر الوطني، وأنها قامت بعمليتها العسكرية رداً على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وممارساته العنصرية، وراحوا يتغنون بإنجازات حماس. ولا يعدم الأمر أن سوريين كثر يرون أنه أياً كان الموقف من حركة حماس، سلباً أم إيجاباً، فإن الأولوية هي للتضامن مع الشعب الفلسطيني أولاً، والوقوف ضد الحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل على أهالي غزة والضفة الغربية، وترتكب فيها جرائم إبادة جماعية. ومن هذا المنطلق أبدى أهالي السويداء وإدلب وسائر المناطق الخارجة عن النظام تضامناً لافتاً مع أهل غزة وناسها، واستنكروا بشدة في وقفاتهم ومظاهراتهم جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل بحقهم، بل واعتبروا أن نظام الفصل العنصري الإسرائيلي لا يختلف كثيراً عن نظام الأسد الاستبدادي، وراحوا يبرزون الترابطات والتقاطعات بين القضيتين الفلسطينية والسورية، ويعقدون مقارنات بين ممارسات الاحتلال الاستيطاني الصهيوني ونظام الأسد الاستبدادي.
في ظل ما تقوم به إسرائيل من حرب إبادة وتهجير قسري في غزة، فإن الأولوية هي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وإدانة الحرب الإسرائيلية عليه، والمطالبة بوقفها فوراً
يتألم السوريون على سقوط آلاف الضحايا الفلسطينيين، الذين تزداد أعدادهم مع استمرار الحرب الوحشية الإسرائيلية، فضلاً عن عشرات ألوف الجرحى والمصابين والمعطوبين، وتدمير أكثر من مئة ألف مبنى سكني، ونزوح حوالي مليوني فلسطيني من مناطق عيشهم وسكنهم، لكنهم يتألمون أيضاً حين يشكر قادة حماس النظام الإيراني على دعمه، ويشكرون معه نظام الأسد وباقي أطراف محور الممانعة، في حين أن هذه الأطراف تستغل دماء وتضحيات الفلسطينيين في غزة، من خلال ادعاء مشاركتها في الحرب دفاعاً عن غزة، بينما هي في الحقيقة لا تخرج عن ضوابط الاشتباك التي لا تغير شيئاً من موازين القوى على الأرض، ولا في مجريات الحرب العدوانية على غزة، كأن يطلق الحوثيون مسيرة تضل طريقها وصواريخ بعيدة المدى تسقط وتنفجر في أماكن فارغة، فيما تقتصر مناوشات حزب الله اللبناني على منطقة محدودة في مناطق المواجهة لجبهة الجنوب اللبناني. والأهم هو أن النظام الإيراني نأى بنفسه، وعلى لسان مرشده الأعلى علي خامنئي، عن الحرب على غزة، مثلما فعل قبله، وكيله اللبناني، أمين عام حزب الله حسن نصر الله، وبالتالي انكشف زيف يافطة "وحدة الساحات"، التي طالما تبجح بها قادة أطراف محور الممانعة، وبات الفلسطينيون وحدهم من يدفع الثمن، وذلك على الرغم من أنه منذ اليوم الأول لعملية حماس، طالبت حماس بشكل مباشر أطراف محور الممانعة بالانخراط معها في الحرب، حيث دعا القائد العام لكتائب القسام الجناح العسكري للحركة، محمد الضيف، في رسالته الصوتية بعد العملية "الأخوة في المقاومة بلبنان وإيران واليمن والعراق وسوريا للالتحام مع المقاومة بفلسطين"، ولم يلق آذاناً صاغية من أحد منهم، ثم جدد أبو عبيدة، الناطق العسكري باسم كتائب القسام، دعوته لهم ولكافة "مجاهدي المنطقة أن يعتبروا هذه المعركة معركة فاصلة، وأن يهبّوا معنا"، لكن الجميع لم يكترث بدعوته، وبالتالي إن كان قادة حماس قد عولوا على شركائهم في محور المقاومة للانخراط معهم، فالحرب الإسرائيلية على غزة أثبتت أنهم مخطئون.
ما يبقى في ظل ما تقوم به إسرائيل من حرب إبادة وتهجير قسري في غزة، هو أن الأولوية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وإدانة الحرب الإسرائيلية عليه، والمطالبة بوقفها فوراً.