أعلن برنامج الأغذية العالمي، مطلع الشهر الحالي، آلية تنفيذه قرار تخفيض المساعدات في عموم سوريا إلى ما يقارب النصف.
وفي الجزء المتعلق بتنفيذ التخفيض في شمال غربي سوريا، وجّه ياني سوفانتو - مدير مكتب ومنسق الطوارئ لعمليات شمال غربي سوريا في برنامج الأغذية العالمي - خطاباً إلى عبد الرحمن شموس عضو إدارة الشؤون السياسية في "هيئة تحرير الشام"، ووزير التنمية والشؤون الإنسانية السابق في "حكومة الإنقاذ".
وجاء في الخطاب الذي حصل موقع تلفزيون سوريا على نسخة منه: "لقد فاقت الاحتياجات المتصاعدة في سوريا جميع الموارد المتاحة مما جعل من المستحيل على برنامج الأغذية العالمي الحفاظ على مستواه الحالي من المساعدات الغذائية المنقذة للحياة".
وتابع: "اعتباراً من شهر تموز، سيضطر برنامج الأغذية العالمي إلى خفض ميزانيته بنسبة 40% وخفض المساعدة بمقدار 2.5 مليون من أصل 5.5 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سوريا بكاملها، حيث يدعمهم البرنامج بالمساعدات الغذائية العامة في جميع أنحاء البلاد كل شهر".
وأكّد الخطاب أن برنامج الأغذية العالمي يواجه فجوة في التمويل لبرنامج المساعدات الغذائية هذا العام، على الرغم من تلقيه مساهمات كبيرة للعمليات الإنسانية في سوريا، ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتفاع تكاليف الغذاء والتشغيل.
واعتبر البرنامج أنه كان عليه أن يتخذ هذا الخيار الصعب الذي لا مفر منه لإعطاء الأولوية لمن هم في أمس الحاجة إليه حتى لا تنفد موارد برنامج الأغذية العالمي بالكامل في تشرين الأول، وبالتالي سيتوقف البرنامج تماماً.
واعتبر "سوفانتو" أنّ برنامج الأغذية العالمي اضطر إلى تنفيذ هذه التخفيضات بعد استنفاد جميع الخيارات، بما في ذلك التخفيض التدريجي لوزن الحصة الغذائية، خلال العام الماضي، حيث أصبح توفير حصص أصغر خياراً غير قابل للتطبيق، على حد وصفه.
وعلى الرغم من إجراء هذا التخفيض، شدّد برنامج الأغذية العالمي على أنه سيظل أحد أكبر الجهات الفاعلة في المجال الإنساني والإنعاش المبكر في سوريا.
الفترة الانتقالية
أوضح البرنامج في خطابه أنه من أجل مواصلة دعم الأشخاص الأكثر ضعفاً، من تموز إلى كانون الأول، سيقدم البرنامج فترة انتقالية هدفها: تسهيل التحديات التي يواجهها الشركاء على الأرض، وإتاحة المزيد من الوقت للمستفيدين للتكيّف مع التخفيض، واعتمد برنامج الأغذية العالمي آلية لتقديم المساعدات في شمال غربي سوريا خلال الفترة الانتقالية على النحو الآتي:
- في المناطق الأكثر حاجة حسب تقييم قطاع الأمن الغذائي، سيستمر تلقّي المساعدة كل شهر (خارج المخيمات في شمالي حلب وجبل سمعان بالريف غربي، بالإضافة إلى مدينة الباب شرقي حلب، ومعرة مصرين شرقي إدلب).
- باقي المواقع التي يغطّيها شركاء برنامج الأغذية العالمي ستتلقى مساعدات غذائية كل شهرين، بما في ذلك التحويلات القائمة على النقد (القسائم المالية البديلة عن السلة الغذائية).
وذكر برنامج الأغذية العالمي أنه يحاول تخصيص الموارد لمواصلة توفير الخبز في المخيمات، حيث تُوزّع المساعدة العينية على أساس شهري حسب الموارد المتاحة.
وتوقّع البرنامج حدوث مخاوف أو توترات لدى الأشخاص الذين لن يتلقوا المساعدات، مما جعله يؤكّد أنه مستمر في التحقق وإجراء إعادة التقييم لأولئك الذين استُبعدوا أو تم تضمينهم خطأ.
فريق "منسقو استجابة سوريا" يوضّح
أوضح مدير فريق "منسقو استجابة سوريا" محمد الحلاج لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ عمليات التخفيض مجزأة إلى أجزاء (قسائم وسلل غذائيّة وخبز)، القسائم بقيت على حالها 40 دولارا للعائلة، والتوزيع كل شهرين، والسلل الغذائية توزيعها كل شهرين أيضاً، والخبز كل يومين.
وأضاف "الحلاج" أنّ برنامج الأغذية العالمي يوزّع في مناطق شمال غربي سوريا 260 ألف سلّة غذائية، وستخضع للتخفيض.
بالنسبة للمساعدة خارج المخيّمات، يوجد قرى مستفيدة صنّفها برنامج الأغذية العالمي على أنها متضررة، مثل مناطق جبل سمعان والباب وعفرين في ريف حلب، ومخيمات معرة مصرين وكلي في ريف إدلب، والتوزيع كل شهرين.
وأشار "الحلاج" إلى أنّ التخفيض - من شهر تموز إلى كانون الأول - لم يشمل سوريا فقط، بل الكثير من دول العالم، وأنّ عدد المتضررين 9 ملايين تقريباً، والحصة الأكبر من التخفيض كانت في الصومال بنسبة 50%، وفي أفغانستان من 40 إلى 45%، وسوريا 36%، واليمن 30%.
"أوّل خطاب من نوعه"
اعتبر مراقبون أن خطاب برنامج الأغذية العالمي هو الأوّل من نوعه الذي يرسل إلى سلطات محلية، بخلاف القرارات والخطابات السابقة التي كانت ترسل إلى الشركاء المحليين لبرنامج الأغذية العالمي من المنظمات العاملة في شمال غربي سوريا.
وأوضحوا أنّ حجم التخفيض وآلية تطبيقه هي ما دفعت البرنامج - هذه المرّة - لمخاطبة السلطات المحلية، متوقّعاً منها أن تسهم في منع حدوث أي توترات أو مضايقات للفرق الإغاثية على الأرض من قبل المحتاجين المتضررين من التخفيض الأخير.
ماذا بعد الفترة الانتقالية؟
أفاد عاملون في الشأن الإنساني لموقع تلفزيون سوريا بأنّ تسمية هذه المرحلة بالانتقالية أمر مدروس بعناية، ففجوة التمويل الكبيرة التي يعاني منها برنامج الأغذية العالمي دفعته إلى إجراء عمليات التخفيض في عدة بلدان حول العالم وليس في سوريا فقط، كما أن تلك الفجوة الكبيرة رسمت تصوراً لدى البرنامج عن المرحلة المقبلة، والتي يتوقع البرنامج بنسبة كبيرة للغاية عدم سد العجز في التمويل، مما سيدفعه لإجراء تخفيض آخر في المساعدات المقدمة للفئات الأشد احتياجاً للغذاء مطلع العام المقبل.
345 مليوناً يواجهون انعدام الأمن الغذائي
ذكر برنامج الأغذية العالمي أنه "ليس لديه مورد مستقل، وهو يعتمد على التمويل الإنساني الطوعي"، مشيراً إلى أن "وضع التمويل للبرنامج في سوريا ليس حالة معزولة، حيث إن 345 مليون شخص حول العالم يواجهون مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي في 2023، وهو ضعف عددهم في العام 2020".
وأضاف أن "هذا الازدياد في الاحتياج لم يُقابل بتمويل مواز، لذا يتخذ برنامج الأغذية العالمي قرارات صعبة في مناطق مختلفة حول العالم، حيث إنّ جميع عملياته تقريباً تتعرض لتخفيض كبير في حجم المساعدات أو عدد العائلات التي تستفيد منها".
إيقاف الدعم عن 2.5 مليون سوري
عبر بيان له في 13 حزيران الجاري، قال البرنامج إنه "بعد استنفاد جميع الخيارات الأخرى، اتخذ برنامج الأغذية العالمي قراراً بتوسيع الموارد المحدودة للغاية من خلال إعطاء الأولوية لثلاثة ملايين سوري غير قادرين على البقاء من أسبوع إلى آخر من دون مساعدة غذائية، بدلاً من مواصلة المساعدة لـ5.5 ملايين شخص ونفاد الطعام تماماً بحلول شهر تشرين الأول المقبل".
وقال ممثل برنامج الأغذية العالمي والمدير القطري في سوريا كين كروسلي، إنه "بدلاً من التوسع أو حتى مواكبة الاحتياجات المتزايدة، فإننا نواجه السيناريو القاتم المتمثل في سحب المساعدة من الناس، في الوقت الذي هم في أمس الحاجة إليها".
يعيش السوريون حالة طوارئ بعد 12 عاماً من الحرب التي يخوضها نظام الأسد ضد الشعب السوري والتي مزّقت البلاد وتسبّبت بنزوح وتهجير ولجوء نصف سكّان سوريا، ثم تتالت على السوريين كوارث كجائحة كورونا، مطلع العام 2020، والزلزال المدمر في شباط الماضي.
في شمال غربي سوريا، يعيش أكثر من نصف السكان على المساعدات الأممية وتلك التي تقدمها المنظمات المحلية، إلا أنّ الدعم الإنساني الذي تعهدت به الدول لسوريا، وصل منه 10% فقط هذا العام، في حين يعيش ملايين السوريين تحت رحمة الفساد الذي تمارسه حكومة النظام السوري مقابل رواتب حكومية للموظفين لا تزيد على 15 دولاراً شهرياً، وهو مبلغ لا يلبي احتياجات العائلة لمدة أسبوع، وربع الاحتياجات الغذائية.