أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة يوم أمس الثلاثاء إيقاف مساعداته الغذائية لما يصل إلى 45 بالمئة من السوريين المحتاجين، بسبب "أزمة تمويل غير مسبوقة في سوريا"، وقرر البرنامج استمرار دعم 3 ملايين سوري فقط من أصل 5.5 ملايين كانت تشملهم المساعدات، ما جعل ناقوس الخطر يدق إزاء كارثة كبرى لا تقتصر على المجاعة فحسب.
وقال البرنامج في بيانه إن الحصص المقدمة للمستفيدين هي فعلياً نصف حصص غذائية وبالكاد تمكنهم من العيش عليها.
ورصد موقع تلفزيون سوريا 6 عمليات تخفيض على كميات الطعام في السلل الغذائية منذ عام 2020، وهو العام الذي انحدر فيه مبلغ الدعم الدولي لسوريا.
وحذّر البرنامج في بيانه من أن ارتفاع التكاليف التشغيلية لبرنامج الأغذية العالمي، والاحتياجات المتزايدة للناس، والنقص الحاد في التمويل لسوريا؛ يعني توقف الدعم الغذائي عن السوريين بحلول تشرين الأول القادم.
ودعا البرنامج الشركاء والجهات المانحة الرئيسية لتأمين 180 مليون دولار أميركي كحد أدنى بشكل عاجل، لتجنب هذه التخفيضات ومواصلة تقديم المساعدة الغذائية بمستواها الحالي حتى نهاية العام.
ويعيش السوريون حالة طوارئ بعد 12 عاماً من الحرب التي يخوضها نظام الأسد ضد الشعب السوري والتي مزقت البلاد وتسببت بنزوح وتهجير ولجوء نصف سكان سوريا، ثم تتالت على السوريين كوارث كجائحة كورونا والكوليرا والزلزال المدمر في شباط الفائت.
ويعيش أكثر من نصف السكان في شمال غربي سوريا على المساعدات الأممية وتلك التي تقدمها المنظمات المحلية، إلا أن الدعم الإنساني الذي تعهدت به الدول لسوريا، وصل منه 10% فقط في العام 2023، في حين يعيش ملايين السوريين تحت رحمة الفساد الذي تمارسه حكومة النظام السوري، مقابل رواتب حكومية للموظفين لا تزيد على 15 دولاراً شهرياً، وهو مبلغ لا يلبي احتياجات الأسرة لمدة أسبوع، وربع الاحتياجات الغذائية.
حتى قبل الزلازل المدمرة التي ضربت شمال غربي سوريا، كان 12.1 مليون شخص في جميع أرجاء البلاد في قبضة الجوع.
عملية شطب مستفيدين من المساعدات التي يقدمها البرنامج في سوريا لم تكن الأولى، لكنها الأكبر في تاريخ المأساة الإنسانية السورية، ففي خطوة مفاجأة عقب الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا، أعلن برنامج الأغذية العالمي تخفيض محتويات السلة الغذائية المقدمة للمحتاجين في شمال غربي سوريا، بدلاً من زيادة المساعدات الإنسانية للمنطقة المنكوبة من الزلزال، متذرعاً بما سماها أزمة نقص التمويل الحادة التي يعاني منها.
عمليات التخفيض في محتويات السلة الغذائية أو شطب مستفيدين من المساعدات التي يقدمها البرنامج ليست جديدة، بل تكررت 6 مرات خلال الأعوام القليلة الماضية.
موقع تلفزيون سوريا راقب عن كثب الخطوات التي اتخذها برنامج الأغذية العالمي في منطقة شمال غربي سوريا منذ مطلع العام 2020 وحتى دخول القرار الأخير للبرنامج حيز التنفيذ في مطلع تموز القادم، ورصد الموقع خفض البرنامج محتويات السلة الغذائية 6 مرات، كما شطب البرنامج مستفيدين من المساعدات التي يقدمها مرتين، بالإضافة لتخفيض قيمة القسيمة النقدية التي يسلمها لبعض المستفيدين عوضاً عن السلة الغذائية مرة واحدة.
في تلخيص لأبرز التغييرات التي طرأت على محتويات السلة الغذائية خلال عامين ونصف لوحظ إزالة البرنامج لمكونات أساسية من السلة الغذائية مع إبقائه على مكونات أخرى تعتبر أقل أهمية بالنسبة للأسر المحتاجة.
حيث كانت أبرز التخفيضات هي:
إلغاء مادة الفاصولياء البيضاء من محتويات السلة بعدما كانت 6 كغ مطلع 2020
إلغاء مادة البرغل من محتويات السلة بعدما كانت 15 كغ مطلع 2020
تخفيض كمية الزيت النباتي من 8 إلى 4 ليتر.
تخفيض كمية الأرز من 15 إلى 8 كغ.
تخفيض كمية السكر من 6 إلى 4 كغ.
تخفيض كمية العدس الأحمر من 6 إلى 3 كغ.
تخفيض كمية الحمص من 6 إلى 2 كغ.
في حين أبقى البرنامج على كميات الملح 1 كغ، والطحين 15 كغ على حالها، وتجدر الإشارة إلى أنها مواد منخفضة السعر في الأسواق المحلية.
وأوضح فريق منسقو استجابة سوريا أن "التخفيض الأخير لا يتناسب مع تقييم الاحتياجات الإنسانية الخاصة بالمنطقة، ما يظهر العشوائية في اختيار المواد المخفّضة". كما أشار الفريق إلى أن التخفيض حدث في ظل تأثر المنطقة بالزلزال، وعدم الأخذ في الاعتبار الحاجة الملحة إلى تأمين الغذاء.
تخوف في المخيمات
في مخيمات النازحين شمال غربي سوريا، "كان وقع القرار على المحتاجين أقسى من عاصفة هوائية تقتلع الخيام"، بحسب ما قاله إبراهيم الفياض الذي يعيش مع أولاده الثمانية وزوجته في مخيمات جبل كللي شمالي إدلب.
ويتساءل الفياض قائلاً: هل هذا برنامج للأغذية العالمي أم برنامج للتجويع العالمي؟ ... نحن عشرة أشخاص وبحسب معايير البرنامج متوسط عدد أفراد الأسرة التي تعطى لها السلة الغذائية خمسة أشخاص، هذا يعني أننا نحصل على نصف مخصصاتنا أساساً، وفي كل فترة تنخفض السلة حتى صار وزنها النصف، وهلق الحديث عن توقف المساعدات، هل الأمم المتحدة بدها نموت من الجوع؟"
وأضاف الفياض أنه وأطفاله ينامون في معظم الأيام جائعين لعدم توفر وجبة ثالثة فالأسرة تتناول وجبتين في اليوم منذ أكثر من عامين ونصف، وعلى الرغم من عمله في المياومة فإن السلة لا تكفي الأسرة عشرة أيام ومردود عمله لا يكفي عشرة أيام أخرى، فهو لا يمتلك عملاً بدخل ثابت.
أما خديجة العبود المقيمة في مخيمات الكمونة فقد عبرت عن أملها بأن يتراجع برنامج الأغذية العالمي عن قراره الأخير، معتبرة أن توقف المساعدات عنها يعني موتها جوعاً في ظل غياب المعيل وانعدام فرص العمل.
المأساة بلغة الأرقام وتخوف من حدوث مجاعات وتجدد الصراع المسلح
منذ عام 2015، ارتفعت مستويات انعدام الأمن الغذائي في سوريا لأكثر من 50 في المئة من 8 إلى 12.1 مليون شخص في عام 2022 - من أصل أكثر من 20 مليون نسمة، وفق إحصائيات الأمم المتحدة التي أيضاً تقول إحصاءاتها أن معدلات القزامة بين الأطفال تبلغ 28 بالمئة.
أما في منطقة شمال غربي سوريا والتي تعتبر الأشد احتياجاً فتقول أحدث إحصائيات فريق منسقو استجابة سوريا المعني بالشأن الإنساني في المنطقة إن نسبة العائلات تحت حد الفقر بلغت 89.81 % من سكان شمال غربي سوريا، في حين بلغت نسبة العائلات الواقعة تحت حد الجوع 40.3 %، وبلغت نسبة البطالة 88.48 %.
كما يحذر الفريق دوماً بعد كل عملية تخفيض في المساعدات الانسانية من حدوث مجاعة لا يمكن السيطرة عليها، على اعتبار أن أعداد المدنيين الذين بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية في المنطقة، تجاوز أكثر من 4.4 ملايين مدني.
يقول مسؤول في إحدى المنظمات الإنسانية لموقع تلفزيون سوريا إن شمال غربي سوريا يمضي وفق هذا الواقع نحو المجاعة بشكل حتمي، ويضيف المسؤول الذي رفض ذكر اسمه أن الأمم المتحدة على علم كامل بذلك.
ويشرح المسؤول قائلاً: "عندما تحدث المجاعة لن ترى أشخاصاً أجسادهم نحيلة تشبه الهياكل العظمية يموتون جوعاً أو يسقطون أرضاً في الطرقات، تتمثل المجاعة في تحول البشر إلى وحوش تسرق وتقتل بعضها بعضا من أجل الحصول على المال الذي سيوفر لها الطعام".
كما حذر المسؤول من ازدياد محاولات الانتحار مع انعدام أفق الحلول أمام أرباب الأسر أو الشبان، كما أضاف المسؤول الإنساني أن الدراسات التي أعدت لصالح الأمم المتحدة تتوقع انتشار ظواهر التسرب المدرسي والانتحار وتزويج القاصرات والاستغلال الجنسي، مما يعني تفكك المجتمع وانهياره.
من جانب آخر يرى مراقبون أن إيقاف أو تقليل حجم المساعدات هو إحدى وسائل تأجيج الصراع في سوريا، حيث إن الحاجة سوف تدفع بالشبان للالتحاق بأطراف الصراع المسلحة على اختلاف أسمائها أو توجهاتها للحصول على المال وتأمين الطعام، وبدورها ستجد الأطراف المسلحة في الزيادة العددية في صفوفها فرصاً مناسبة لشن مزيد من الهجمات الدامية.
بالعودة إلى برنامج الأغذية العالمي فإن البرنامج يأمل بأن يحظى بتمويل كاف من المانحين في مؤتمر بروكسل السابع لدعم سوريا والذي انطلقت أعماله يوم أمس الأربعاء، في ظل تخوف من عدم إيفاء المانحين بتعهداتهم كما يحصل في كل عام، حيث بلغت نسبة العجز في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في سوريا عام 2023 نسبة 89 % من التمويل اللازم وفق منصة التتبع المالي التابعة للأمم المتحدة.