بعد مضي قرابة عامين كاملين على حادثة تخريب خطوط أنابيب النفط الموجودة تحت الماء في ميناء بانياس السوري في أواخر حزيران/يونيو 2019، وإحداث النفط الإيراني المتسرب على امتداد 100 كيلومتر من الساحل السوري كارثة بيئية استمرت لشهر كامل على الشواطئ والبيئة المحلية السورية، ما تزال المعلومات التي حصل عليها تلفزيون سوريا من مصادر مفتوحة وصور الأقمار الصناعية من Planet Labs وSentinel 2 وغيرها من المواقع المهتمة بمراقبة التغييرات والاتجاهات، تشير إلى استمرار التلوث البحري الناجم عن الانسكاب النفطي المستمر والمتكرر من محطات الإرساء أو ناقلات النفط الإيرانية، بالإضافة إلى تسرب مياه الصرف الصحي المتدفقة من محطة توليد الطاقة في ميناء بانياس.
نظرة على الانسكابات النفطية والملوثات البيئية المتسربة
(من 1 مايو/أيار 2021 إلى 9 يوليو/تموز 2021)
منذ سنوات، لم يزر سواحل بانياس السورية سوى عدد محدود ومنتظم تقريباً من الناقلات النفطية، التي اشتملت معظمها على ناقلات تتبع لشركة الناقلات الإيرانية الوطنية، أو مجموعة من الناقلات الأخرى التي تدخل ضمن قائمة الناقلات المساعدة في تفريغ النفط من الناقلات الإيرانية العملاقة أو تلك المساهمة في إنجاح دورة التحايل النفطي الإيراني.
ومع الاستخدام المتزايد لتقنية تتبع صور الأقمار الصناعية العالية الدقة في سياق النزاعات المسلحة ورصد الآثار البيئية، رصد موقع تلفزيون سوريا أكثر من 13 بقعة نفطية تسربت مباشرة من السفن الإيرانية التي قامت بالتخلص من الزيوت الثقيلة أو المخلّفات النفطية حول مناطق التفريغ، وفق الترتيب الزمني التالي:
- في 1 و5 و7 مايو/أيار 2021، أظهرت صور الأقمار الصناعية عبر Planet Scope و Sentinel- L1C، انسكابات صغيرة محلية حول ناقلات النفط الإيرانية تسبب تلوثاً بحرياً وساحلياً في ميناء بانياس.
وفي الوقت ذاته، كان من الممكن ملاحظة وجود انسكابات صغيرة حول الناقلات الأصغر المساهمة في تفريغ الناقلات الإيرانية الضخمة التي لا يمكنها تفريغ حمولتها بسبب ضحالة المرسى وقيود العمق التي لا تتناسب مع الأبعاد الضخمة للسفينة الإيرانية الأكبر كأرمان 114 مثلاً.
- وفي 31 مايو/أيار 2021، ظهرت بعض بقع الانسكاب النفطي حول سفينة الحكمة (WISDOM) الراسية قرب ميناء بانياس والتي تعرضت عدة مرات لهجمات مجهولة من دون أن تؤدي إلى إغراقها.
- في 1 و4 و6 و7 يونيو/حزيران 2021، بالإضافة للانسكابات النفطية التي تظهر باللون الفضي خلف سفينة الحكمة، كان من الملاحظ قيام محطة توليد الطاقة الموجودة قرب مصفاة بانياس بتفريغ مياه الصرف الصحي، وهو ما يظهر باللون الأصفر على سطح مياه البحر المتوسط.
- وفي 17 و19 و20 يونيو/ حزيران 2021، رسمت الأقمار الصناعية صورة شاملة للتلوث البحري المستمر، عندما أظهرت مرة أخرى وجود تسرب نفطي آخر من المحتمل أن يكون من محطة رسو في مصفاة بانياس على الساحل السوري، في أثناء تسليم الوقود المستمر بواسطة ناقلات إيرانية.
وعلى الرغم من أن سمير مدني، المؤسس الشريك لتانكر تراكرز، قد بين بتغريدة له أن التلوث في صورة 17 يونيو أعلاه لا يعود للموقع المخصص لتفريغ النفط الخام الإيراني، إلا أن الصورة القادمة من Planet و Sentinel-1 SAR لاحقاً، أظهرت وجود 4 ناقلات على ساحل بانياس تستحم في بركة من النفط، والانسكابات القادمة من محطات الإرساء أو خطوط الأنابيب أو السفن الإيرانية على الساحل السوري في 19 و20 يونيو/حزيران على الترتيب.
- وأخيراً، في 1 و8 يوليو/تموز 2021، تكررت حادثة تصريف مياه الصرف الصحي من محطة الكهرباء في ميناء بانياس بشكل مكثف، كما استمرت المواد الغامضة المتسربة في البيئة البحرية، سواء من الناقلات الإيرانية أو محطات الإرساء في ميناء بانياس، بالظهور على الساحل السوري.
من المسؤول عن التلوث البحري المستمر على السواحل السورية؟
بناءً على تحليل صور الأقمار الصناعية، من المؤكد أن هناك خطأ ما في محطات رسو الناقلات الإيرانية في ميناء بانياس أو في الناقلات الإيرانية ذاتها التي ترسو على الساحل السوري.
وبالإضافة إلى ذلك، يعود التسرب المتعدد لمياه الصرف الصحي لنقص في الإمكانات واللوجستيات لمحطة الطاقة الموجودة قرب مصفاة بانياس السورية، مما أدى إلى وقوع حالات تلوث بيئي ستهدد حياة الآلاف من الفصائل البحرية المسجلة في البحر المتوسط، وقد تؤدي إلى كارثة بيئية تستمر تداعياتها الخطيرة لعقود قادمة.
وفي الوقت الذي تظهر فيه الصور أن الإصلاحات التي قام بها نظام الأسد لأنابيب النفط المتضررة في هجوم 22 يونيو 2019 الغامض لم يكن لها تأثير كبير في وقف الانسكابات الملوثة للبيئة البحرية، تؤكد صورة 17 يونيو/حزيران أعلاه أن محطات الإرساء أو خطوط الأنابيب للموقع غير المخصص لتفريغ النفط الإيراني تعاني أيضاً من نقص في اللوجستيات، مما يعني وجود تهالك وقدم في المعدات المستخدمة لتفريغ النفط الإيراني أو الروسي وغيره على طول الساحل السوري.
في خضم ذلك، لا يمكن إنكار الدور الكبير للناقلات النفطية الإيرانية القديمة القادمة إلى سوريا في عملية التلوث البحري، حيث تحدث التسربات النفطية من الناقلات الإيرانية المتهالكة بمراحل مختلفة، وغالباً ما يتسرب النفط منها قرب الشواطئ السورية عندما يتم نقل النفط من سفينة إلى أخرى وسط البحر بسبب قيود العمق أو لتجنب اكتشافها.
من ناحية أخرى، لا تعزى كل التسربات النفطية على شواطئ المتوسط والبحر الأحمر لحرب الناقلات التي ما زالت مستمرة بين إسرائيل وإيران منذ أواخر عام 2019، لأن معظم الاستهدافات الإسرائيلية للناقلات الإيرانية وصفت بأنها استهدافات مدروسة تمت باستخدام صواريخ فاقدة للرأس الحربي القوي، أو باستخدام ألغام لاصقة توضع سراً على هيكل السفينة بعيداً عن خزانات الوقود، مما يعني أن الاستهدافات الإسرائيلية كانت تهدف لعطب السفن الإيرانية وشل قدرتها على التحرك دون إغراقها، وبالتالي تعطيل صادرات النفط الإيراني إلى نظام الأسد.