يتجول وسيم 16 عاما، في شوارع دمشق وأزقتها مع طلوع كل صباح، حاملا على ظهره كيسا قماشيا لجمع قطع البلاستيك والكرتون وما توفر له من الخردوات والمعادن التي يمكن بيعها والاستفادة من ثمنها.
وسيم لا يعمل بمفرده بل لديه شقيقان يعملان معه، أحدهما يبلغ من العمر 9 سنوات والآخر 13 عاما، يشرف وسيم عليهما ويوزعهما على مناطق العمل بشكل يومي إضافة لتأمين طعامهما وشرابهما ومبيتهما.
أطفال مشردون لا مأوى لهم
يقول وسيم لموقع تلفزيون سوريا: "توفي والدي منذ 5 سنوات، وتركتنا والدتي بعد أن تزوجت، قبل عامين، دون مأوى، فلم نجد إلا حاويات القمامة لتأمين قوت يومنا مع عشرات الأطفال المشردين في المدينة. بدأنا العمل بشكل عشوائي في الفترة الأولى وبيع ما نجمعه إلى أحد متعهدي أحد مكبات القمامة في منطقة الزبلطاني، ويدعى أبو جمال للحصول على قوت يومنا".
يتابع وسيم: "بدأنا العمل لدى أبي جمال بعد أن تم القبض علينا من قبل الشرطة في منطقة باب شرقي، وقد حذرونا من العودة لهذا العمل مرة أخرى بعد كتابة تعهد بعدم نبش القمامة مجدداً".
ويضيف "ننطلق للعمل عند الساعة السادسة صباحا ونعود في الثانية ظهرا إلى المكان المخصص لفرز وتجميع المواد التي يتم جمعها من قبل العاملين لدى أبي جمال".
وسيم أشار إلى أن ما يزيد عن 50 طفلا يعملون في مكب الزبلطاني، تتراوح أعمارهم ما بين 10 إلى 20 عاما، من الذكور والإناث، وغالبيتهم من المشردين الذين لا يملكون مأوى، ويعتمدون على المخصصات المادية اليومية في العمل، والتي تترواح بين 25 ألف ليرة سورية وبين 100 ألف ليرة.
فروع النظام الأمنية تستغل "النباشين"
بدأ النظام السوري بملاحقة الأطفال المشردين واعتقال العشرات منهم في دمشق منذ مطلع عام 2022، حتى أجبرتهم على العمل تحت إشراف معتمدي المنشآت الخاصة بإعادة تدوير النفايات التي يتم جمعها من مكبات القمامة، هذه المنشآت التي حصلت على تراخيص معتمدة من قبل حكومة النظام.
مصدر مطلع من مجلس محافظة دمشق قال لموقع تلفزيون سوريا، إن "مجموعات كبيرة من الأطفال واليافعين ينتشرون في شوارع العاصمة ويعمل بعضهم بالسرقة، إضافة لعملهم كنباشين من مكبات القمامة، خاصة في سوق الهال".
المصدر أضاف أن تجمع تلك "العصابات من الأطفال يكون عند دوار البيطرة في دمشق على مرأى من دوريات الشرطة، التي تغض الطرف عنهم كونهم يتعاونون مع جهات أمنية عديدة تستغلهم لصالحها، وذلك عبر وسطاء من أصحاب المنشآت الصناعية المهتمة بإعادة تدوير النفايات".
وأوضح المصدر، أن ظاهرة التسول ونبش القمامة عبر أطفال مشردين في دمشق، ترعاها شبكة كبيرة من المسؤولين في حكومة النظام، بعد أن تم طرح مشروع إعادة التدوير قبل عامين للاستثمار، وتمت حيازته من قبل أشخاص مخصصين بشكل منظم وإداري.
معتمدو المكبات.. استغلال يومي
المكبات في منطقة الزبلطاني والتي يبلغ عددها ثلاثة، وخاصة المكب الرئيسي الواقع في محيط مسجد سعد بن أبي وقاص، يعمل معتمدو المكبات على استغلال "نباشيها"، عبر حرمانهم من مستحقاتهم المادية الحقيقية، حيث يلجؤون للتلاعب بأوزان المواد الواردة إلى المكب بشكل يومي، هذا عدا عن خصم بعض من أيام عملهم بحجة عدم الالتزام بمكان العمل المخصص لهم.
أبو أحمد (طلب عدم ذكر هويته) وهو معاون معتمد في مكب الزبلطاني الرئيسي يقول لموقع تلفزيون سوريا، إن تقييم المواد الواردة، من بلاستيك وكرتون ونحاس وألمنيوم، تتم بشراء تلك المواد بالوزن، حيث يبلغ سعر كيلو البلاستيك 1200 ليرة سورية، والكرتون 2700 ليرة سورية، أما النحاس والألمنيوم فيتم شراء الكيلو بمبلغ 3200 ليرة سورية.
وحول مسالة التلاعب بالأوزان، يضيف أبو أحمد: "المعتمدون يقومون ببخس الأطفال العاملين بشكل يومي (مياومة) حقهم بالوزن، أما العاملون بشكل أسبوعي فيتم خصم عدة أيام منهم كل شهر بحجة عدم الالتزام بساعات الدوام أو منطقة العمل المخصصة، أو التقاعس عن العمل، وفي حال اعتراض النباشين يتم تهديدهم بالطرد من العمل بشكل نهائي، أي حرمانهم من مصدر رزقهم الذي يعتمدون عليه".
ولفت أبو أحمد إلى أن عملية فرز المواد التي يقوم بها الأطفال وتعبئتها بالسيارات التي تحملها إلى المنشآت الصناعية في ريف حمص ومناطق أخرى بريف دمشق، لا يتقاضون عليها أجرا، وتعتبر ضمن تكملة العمل اليومي.
جيل على "الهامش"
في اليوم الدولي للتعليم، كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، أن نحو 2.4 مليون طفل خارج المدرسة في سوريا، وهو ما يمثل نصف عدد الأطفال بسن الدراسة في عموم البلاد.
وقال التقرير إن الإحصائية شملت جميع مناطق سوريا، ويمثل عدد الأطفال خارج المدرسة ما يقارب نصف عدد الأطفال الذين هم في سن الدراسة، والبالغ عددهم 5.52 مليون طفل، وتراوحت أعمار الأطفال خارج المدارس بين 5 و17 عاماً.
وتوقع التقرير أن يرتفع عدد الأطفال المتسربين من التعليم، وأن يتعرضوا لخطر التسرب الدائم، في ظل بقائهم لمدة طويلة خارج المدرسة ما يصعب عليهم تعويض ما فاتهم من سنوات دراسية، وقد فقد بعض الأطفال 10 سنوات من التعليم.
محمد، 15 عاما، أحد هؤلاء الأطفال،يقطن محمد في بلدة السبينة بريف دمشق، ويرغب بالعودة إلى التعليم بعد 3 أعوام من الانقطاع عن مقاعد الدراسة، بعد وفاة والده وتوجهه للعمل بجمع القمامة لتأمين قوت عائلته المؤلفة من 4 أشخاص، هذا العمل يعتبره محمد أفضل من اللجوء إلى التسول وطلب المال من الناس على حد وصفه.
يقول محمد لموقع تلفزيون سوريا: "أجمع يوميا نحو 10 كيلو غرامات من المعادن والبلاستيك والكرتون، وأبيعها لمعتمد في مكب الزبلطاني بمبلغ يتراوح ما بين 20 إلى 25 ألف ليرة سورية، هذا المبلغ يقابله مبلغ مماثل لشقيقي هيثم 12 عاما الذي بدأ العمل معي منذ عام تقريبا، وهو ما يؤمن ثمن طبخة يومية لعائلتي"، ويضيف "اليوم الذي لا نعمل فيه لا نجد ما نأكله".
"حلم يراودني بشكل مستمر بأن أصحو صباحا وأذهب إلى المدرسة كباقي أقراني من الأطفال، فعند ذهابنا إلى العمل نرى الأطفال في الوقت ذاته يرتدون الزي المدرسي وهم في طريقهم بثيابهم النظيفة إلى المدرسة، بينما تكون ثيابنا متسخة ووجهتنا غير وجهتهم، الأمر الذي يؤلمنا" يقول محمد.
ويؤكد محمد وهو من سكان دمشق أن انعدام دور المنظمات الإنسانية أو تلك المعنية برعاية الأطفال، في مناطق سيطرة النظام فاقم من هذه الظاهرة، لاسيما وأن المنظمات الأخرى تعمل ضمن نظام المحسوبيات ولصالح شريحة معينة ينتفع منها المقربون من النظام وعائلات الضباط وقادة الميليشيات.
وفي ظل ندرة فرص العمل في المهن الأخرى أخذت ظاهرة "نبش القمامة" تتصاعد وتيرتها في الآونة الأخيرة بشكل كبير جدا في عموم مناطق النظام السوري، وخاصة في العاصمة دمشق، في حين تعمل حكومة النظام على استغلالها وجعلها موردا لخزينتها وجيوب المتنفذين، عبر إدارتها بشكل دقيق ومنظم من قبل ضباط في الفروع الأمنية، يؤمنون الرعاية اللازمة للعاملين بهدف توسيع انتشارها.