يعاني أحمد، ابن هبة وحسام وهما لاجئان سوريان في هولندا، من صعوبات في لفظ اسمه بين أقرانه في المدرسة، حيث شكّل الاسم عقدة له بسبب لفظه الخاطئ الذي يغيّره جذريًا، إذ تنطقه معلمته "أخمد" بالخاء بدلاً من الحاء، مما يسبّب له إزعاجا كبيرا، وفقًا لوالدته.
قرّرت هبة وهي امرأة ترتدي الحجاب وحامل بصبي، تسمية مولودها القادم إلياس، على الرغم من عدم قناعتها التامة به لكنها تحاول إيجاد حل وسط لاسم يتوافق مع ثقافتها ويمكن لفظه بسهولة في اللغات الأجنبية. تقول لتلفزيون سوريا: "سيكون من الغريب أن يوجد في العائلة الواحدة إلياس وأحمد، لكن اضطررنا لذلك. لا أريد أن يتعرّض ابني الثاني لإحراج بين أصدقائه في المستقبل بسبب اسمه العربي البحت." مضيفةً أنها بحثت جيدًا في أصل الاسم وسألت قبل اختياره ليتبيّن لها أنه يتوافق مع الموروث الإسلامي لأنه ورد في القرآن الكريم.
تعدّ الأسماء ذات الأصول الإبراهيمية مثل "إلياس" و"يوليا" خيارًا جيدًا لما لها من جذور في النصوص الدينية التي يشترك فيها المسلمون والمسيحيون، مما يجعلها شائعة بين العائلات التي تسعى للحفاظ على تواصل مع تراثها الديني وفي الوقت نفسه التكيف مع الثقافة المحلية. يقول أبو "يوليا"، سوري يعيش في هولندا منذ 8 سنوات وحاصل على الجنسية: "نحن أتينا إلى بلادهم وعلينا التماهي معهم وتقديم التنازلات. هل يمكن أن نسمي الآن خديجة وآمنة ونحن في هولندا على الرغم من محبتنا لهذه الأسماء وما تمثّله ثقافيا لنا؟ إلا أن ذلك سيكون بمثابة ظلم للأطفال، وتعريضهم للعديد من المواقف الاجتماعية الصعبة في المستقبل، يكفي أن هناك بعض العنصريين الأوروبيين الذين من الممكن أن يتخذوا مواقف عنصرية وعدائية بناءً على الاسم. يجب علينا أن نحمي أنفسنا وأبناءنا مهما كان الثمن،" مضيفًا، "لا بأس بالقليل من العصرية."
في حين اختارت ليلى، وهي أم لثلاثة أطفال، لابنتها اسم "سوفيا" بدلاً من الاسم التقليدي "سعاد"، تقول ليلى: "إنها تريد تسهيل التواصل الاجتماعي لابنتها في مدرسة تضم أغلبية من الطلاب السويديين". وأضافت أن اختيار اسم مألوف في السويد يسهّل على ابنتها الأمور، سواء في أثناء اللعب أو المشاركة في الأنشطة الاجتماعية. مؤكدةً أنها باتت ترى العديد من المنشورات على فيسبوك من نساء سوريات يطلبن المساعدة في اختيار أسماء لأبنائهن تتوافق مع الثقافات الأوروبية، وأصبح من الشائع جدًا تسمية الأبناء بأسماء غربية أو مأخوذة من الديانة المسيحية.
استراتيجيات توفيق ذكية
يحاول العديد من اللاجئين تفادي مشكلة الأسماء عبر اختيار أسماء مزدوجة، بعض العائلات تختار أسماء تحمل طابعًا ثقافيًا مزدوجًا، مثل "ماريا" التي يمكن أن تكون مقبولة في كل من الثقافات العربية والأوروبية. كما يلجأ آخرون إلى الأسماء ذات الأصول الإبراهيمية والأسماء العالمية، مثل "لينا" أو "توني/ طوني"، وهي أسماء تتمتع بشعبية عالمية وسهولة في اللفظ بمعظم الثقافات، مما يجعلها خيارات جذابة للأسر اللاجئة الراغبة في تجنب العقبات اللغوية.
تكشف هذه الظاهرة عن تفاعل معقد بين الهوية، التراث، والاندماج، وتظهر كيف يمكن للأسماء أن تعكس أكثر بكثير من مجرد الهوية الشخصية، بل تتقاطع مع السياسات الاجتماعية والثقافية في سياق الهجرة واللجوء. تظهر أهمية الاسم في كيفية تفاعل الفرد مع محيطه، فاسم مثل "سوفيا" أو "طوني" قد يفتح أبوابا للتفاعلات الاجتماعية الإيجابية ويقلل من فرص التعرض للتمييز أو النظرات السلبية. في غضون ذلك، تحمل الأسماء ذات الجذور الإبراهيمية مثل "إلياس" أو "ماريا" طابعًا يمكن أن يجمع بين الاحترام للتقاليد الدينية والانفتاح على الثقافة الغربية.
هل يتطابق الاسم مع التجربة؟
في تحليل نفسي حول أهمية الأسماء وتأثيرها على الهوية، يشير الدكتور جوناثان هايدت، عالم النفس الاجتماعي، إلى أن "الأسماء ليست مجرد وسائل للتعريف، بل هي رموز ثقافية تحمل قيمًا وتوقعات. ومع ذلك، فإن قوة الأسماء لا تكمن في الأحرف المكوّنة لها، بل في القصص التي نربطها بها والمعاني التي نمنحها لها". ويضيف هايدت: "الأفراد يمكنهم أن يعيدوا صياغة هوياتهم من خلال قبول، تعديل، أو حتى رفض الأسماء التي يحملونها، هذا يمنحهم القدرة على التأثير في كيفية إدراك الآخرين لهم وكيفية إدراكهم لأنفسهم. الأسماء تحمل قوة النفس والثقافة، ولكن الأهم من ذلك، هي أداة يستخدمها الأفراد للتعبير عن ذواتهم وصياغة مسارهم الشخصي".
وهنا يكمن التساؤل حول ما إذا كان أبناء السوريين سينجحون في خلق مسار حقيقي لهذه الأسماء أم أنها ستكون حالة لحظية مؤقتة تزول لاحقًا بتغير الظروف والأجيال. إذا استطاع الأفراد الذين يحملون هذه الأسماء دمجها ضمن قصص حياتهم بطريقة تعكس تجاربهم وقيمهم، فمن الممكن أن تصبح هذه الأسماء جزءا دائما من تركيبتهم الهوياتية، مما يساعد على ترسيخ هذه الأسماء ضمن النسيج الثقافي للمجتمع الأوسع.
من ناحية أخرى، يمكن أن تظل هذه الأسماء مجرد طبقة سطحية لا تمس الهوية العميقة للأفراد، خصوصًا إذا كان هناك تناقض بين القيم والتقاليد التي يمثلها الاسم وبين تلك التي يعيشها الأفراد. في هذه الحالة، قد تكون الأسماء مجرد وسيلة للتكيف مع المحيط دون تأثير عميق على تشكيل الهوية الفردية.
كذلك، تلعب الديناميكيات الاجتماعية والسياسية دورا كبيرا في تحديد ما إذا كانت هذه الأسماء ستبقى ذات صلة، حيث تؤثر العلاقات بين الجاليات المختلفة والسياسات المحلية تجاه الهجرة والتكامل، والتغيرات الديموغرافية على كيفية استقبال هذه الأسماء واستمراريتها في المجتمع.