أعلنت "حركة أحرار الشام" في 25 كانون الثاني الجاري عن مقتل القيادي العامل في قطاعها الشرقي صدام الموسى (أبو عدي الباب)، إثر تعرضه لما سمته "استهدافاً غادراً من جهة مجهولة"، في قرية الحدث بريف مدينة الباب شرقي حلب.
ولم توجه "أحرار الشام" أصابع الاتهام لأي جهة بالوقوف وراء عملية الاغتيال، لكنها قالت إن "التضحيات الكبرى التي قدمها الشعب السوري من الشهداء والجرحى والمعتقلين والمهجرين، لا يمكن معها القبول بأي مصالحة مهما كان الثمن".
وتضاربت الأنباء عن الطريقة التي قُتل من خلالها الموسى، ففي حين أشارت بعض المصادر إلى اغتياله بواسطة عبوة ناسفة، أكد مقربون منه أن طائرة مسيرة استهدفته بصاروخ أدى لمقتله، وهذا ما قد يفجر اقتتالاً شمالي سوريا بين "حركة أحرار الشام" وحليفتها "هيئة تحرير الشام" من جهة، والطرف الذي تحوم حوله الشكوك من جهة أخرى.
توقيت الاغتيال
يرتبط القطاع الشرقي من أحرار الشام بعلاقة وثيقة مع "هيئة تحرير الشام"، بالرغم من أن القطاع يعدّ من مرتبات "الفيلق الثاني" في الجيش الوطني، وهو ما أدى لدخول القطاع في إشكاليات مع الجانب التركي، الذي يسعى لإعادة هيكلة الجيش من خلال المجلس العسكري الاستشاري، خاصة أن القطاع رفض تسليم "معبر الحمران" لوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، وطلب التفاوض مع "تحرير الشام" بشكل مباشر حول هذا الملف.
كان القطاع يعمل ضمن الفيلق الثالث في الجيش الوطني، تحت مسمى "الفرقة 32"، بقيادة "محمد رمي" (أبو حيدر)، فيما كان "صدام الموسى" قائداً لـ "اللواء 321" في الفيلق الثالث، إلا أن خلافات نشبت مع قيادة الفيلق، أدت إلى انشقاقهم عنه والعمل مجدداً تحت اسم أحرار الشام.
وفي 29 أيار من العام الماضي أعلن القطاع الشرقي عن عودته إلى حركة أحرار الشام، والعمل تحت قيادتها العامة، وقال إن القيادة هي "المعنية بتحرير أية قضايا حقوقية متعلقة بالقطاع"، مبرراً قراره بـ "حالة التجييش والتحريض الحاصل ضده" من قبل الفيلق الثالث.
وبهذا القرار بدأت مرحلة جديدة في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري، إذ بات القطاع يعمل خارج إطار فيالق الجيش، وينسق مع قيادة أحرار الشام، التي باتت بدورها من أبرز حلفاء "هيئة تحرير الشام".
وأسفرت الخلافات بين "أحرار الشام - القطاع الشرقي" والفيلق الثالث في نهاية المطاف، عن سيطرة القطاع على معبر الحمران الفاصل مع مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) شرقي حلب، ورفض تسليمه لوزارة الدفاع، ما أغضب الجانب التركي ودفعه لفرض عقوبات مالية على القطاع.
وتدار سياسة القطاع العسكرية والاقتصادية بشكل مباشر من قبل "هيئة تحرير الشام"، وفي ظل رفض أحرار الشام أن يكون للجيش الوطني أي دور في إدارة معبر "الحمران"، يعد اللجوء إلى القوة خياراً ممكناً لوزارة الدفاع وفيالق الجيش الوطني للسيطرة على المعبر بتوجيه ودعم من الجانب التركي.
وقبل اغتيال "أبو عدي" بأيام، نشرت صفحات محلية أنباء عن استدعاء المخابرات التركية لعدة قادة في أحرار الشام - القطاع الشرقي، على خلفية رفضهم تسليم معبر الحمران للشرطة العسكرية والجيش الوطني، وكان من بين الأسماء "أبو عدي" و10 آخرين.
كيف قُتل (صدام الموسى)؟
خَلت البيانات الرسمية لحركة أحرار الشام، التي صدرت عقب اغتيال (الموسى) من أي تفاصيل عن السلاح المستخدم في عملية القتل، أو الجهة المسؤولة عن التنفيذ، في حين بدأت حسابات مقربة من "هيئة تحرير الشام" بتوجيه التهم لقيادة "الفيلق الثاني" في الجيش الوطني ممثلة بـ (فهيم عيسى) بالوقوف وراء عملية الاغتيال، بالتعاون مع ضابط يعمل في جهاز المخابرات التركي يدعى (أبو عارف).
ونشرت المعرفات التابعة لـ "هيئة تحرير الشام" صوراً قالت إنها لبقايا الصاروخ الذي استهدف أبو عدي، مضيفة أنه من طراز "MAM-L"، بمدى 15 كم، من صناعة شركة روكتسان التركية، ويستخدم من قبل الطائرات المسيرة التركية، في حين لم يتسن لموقع تلفزيون سوريا التأكد من أن الصور تعود بالفعل للصاروخ المستخدم في العملية.
الدفاع المدني السوري أكد بدوره عبر حساباته الرسمية، في 25 من الشهر الجاري مقتل شخص (أبو عدي) ونفوق عدد من المواشي بقصف صاروخي من طائرة مسيرة مجهولة الهوية، أمام منزل في قرية الحدث بريف مدينة الباب شرقي حلب.
وحاول موقع تلفزيون سوريا الحصول على معلومات إضافية من الدفاع المدني السوري عن طبيعة الاستهداف، أو صور توثق مكان الاستهداف وبقايا السلاح المستخدم، فأكد الدفاع أن كل المعلومات المتوفرة لديه حول الحادثة، تم نشرها عبر المنصات الرسمية، وأنه لا يملك أي معلومات أو توثيقات إضافية عن الحادثة.
من جهته أكد شاهد عيان لموقع تلفزيون سوريا، أن الاستهداف تم بواسطة طائرة مسيرة بنسبة 100 بالمئة، وأنه رأى بقايا الصاروخ بنفسه، مضيفاً أن السكان القاطنين بالقرب من موقع الاستهداف يؤكدون أيضاً سماع صوت الصاروخ لحظة القصف.
من المتهم؟
وانتشر شريط مصور لوالدة (أبو عدي)، قالت فيه إن طائرة مسيرة قتلت ابنها، مطالبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بمحاسبة الضابط (أبو عارف)، متهمة إياه بـ "الوقوف وراء عملية القتل".
وأصدرت قبيلة "الجبور" بياناً جاء فيه أن "القصف الذي أصاب ابن القبيلة (أبو عدي الجبوري)، قد آلم كل حر وشريف"، مضيفةً أن "هذا النوع من الطيران لا تملكه إلا الولايات المتحدة الأميركية والدولة التركية"، وعليه فإنها حمّلت هاتين الدولتين المسؤولية، وطالبت بتوضيح سبب العملية.
أما الحسابات المقربة من "تحرير الشام" فقد نسجت رواية خاصة بها عن عملية الاغتيال، إذ قالت إن "أبو عارف التركي المسؤول عن تجارة المخدرات والتهريب يقف وراء اغتيال صدام الموسى أبو عدي، وقد هدده عدة مرات لأنه رفض أن يكون ذيلاً له"، بحسب وصفها.
وأضافت أن "أبو عارف يعمل مع جهاز المخابرات التركي، واتهم أبو عدي في وقت سابق أنه هو من أدخل المدعوة أحلام (منفذة تفجير تقسيم في إسطنبول) إلى المنطقة".
وزعمت أن "قائد الفيلق الثاني فهيم عيسى يعتبر الذراع التنفيذية لمسؤول الملف السوري (درع الفرات) أبو عارف" مدعية أن "(عيسى) دخل إلى القاعدة التركية في محيط مدينة الباب حيث توجد غرفة عمليات درع الفرات الخاصة بجهاز الاستخبارات قبل حادثة اغتيال أبو عدي بساعات، وخرج منها بعد تنفيذ العملية".
وللتحقق من صحة الرواية المذكورة، تواصل موقع تلفزيون سوريا مع قيادي في حركة أحرار الشام، أفاد بدوره أنه "لا يستطيع تأكيد المعلومات المتعلقة بـ (فهيم عيسى)، أو الضابط أبو عارف". معتبراً أنها "منتشرة بقوة حسب شهود عيان".
وأضاف القيادي أن "الاغتيال تم بطائرة مسيرة تركية، وأكدها الصاروخ المستخدم وشهود عيان". مرجعاً السبب إلى "معلومات مضللة تجاه أبو عدي رفعها بعض الموظفين إلى قيادتهم، حيث أوصلوا للقيادة أن أبو عدي يشكل خطراً"، ولذلك يتحمل المسؤولية من ضلل المعلومات وكذب بالتقارير". من دون ذكر تفاصيل إضافية.
أسئلة مثيرة للاهتمام بلا رد
من غير المعروف ما إذا كانت "حركة أحرار الشام" ستنشر نتائج تحقيقها في عملية الاغتيال على العلن، أو توجيه أصابع الاتهام لجهة ما، ويؤكد الباحث في معهد "الشرق الأوسط" تشارلز ليستر، أن الضربة تثير بعض الأسئلة المثيرة للاهتمام، حتى لو كانت بلا رد.
وبحسب ما نشر ليستر على تويتر، فإن "(أبو عدي) اشتهر بتسهيل تقدم هيئة تحرير الشام إلى ريف حلب الشمالي في شهر تشرين الأول من العام الماضي، وقام بتأمين السيطرة على معبر الحمران وتقاسم وارداته مع تحرير الشام".
والأمر الأكثر إثارة للفضول في مقتل أبو عدي، أنه لا يبدو ناتجاً عن استهداف بواسطة طائرة أميركية بدون طيار، ويقول ليستر إن "تركيا كان لديها دوافع واضحة لإزالة أبو عدي، لكن القيام بذلك بحد ذاته من شأنه أن يثير مخاطر جدية".
ويتخوف السكان في المنطقة من أن يؤدي اغتيال (أبو عدي) إلى اقتتال جديد بين الفصائل العسكرية، لا سيما هيئة تحرير الشام وأحرار الشام من جهة، وبعض فصائل الجيش الوطني خاصة الفيلق الثاني من جهة أخرى.
وكما أن "هيئة تحرير الشام" انتهزت فرصة القتال بين الفيلق الثالث وفرقة الحمزة أواخر العام الماضي للدخول إلى منطقة غصن الزيتون بريف حلب الشمالي، ومحاولة التوغل في كامل مناطق سيطرة الجيش الوطني، فإنها لن تتردد حالياً بالاستفادة من حادثة اغتيال (أبو عدي) لمهاجمة أو إضعاف خصومها، ومن غير المستبعد أن تكون فرقة "السلطان مراد" الهدف القادم لها، بالنظر إلى الهجوم الذي يشنه إعلام الهيئة على قائد الفرقة (فهيم عيسى).