نعت رئاسة مجلس الوزراء التابعة للنظام السوري، وزير الاقتصاد الأسبق "محمد العمادي"، الذي توفي عن عمر قارب التسعين عاماً، وتقلد حقيبة الاقتصاد لمدة تقارب 23 عاماً في عهد حافظ الأسد.
وقالت الرئاسة إن سوريا فقدت برحيل العمادي "إحدى القامات الوطنية الاقتصادية التي أدت دوراً مهما في مسيرة تطوير الاقتصاد الوطني وتعزيز دوره بمختلف المجالات".
وأضافت أن "ساحات العمل الحكومي تشهد له بأدائه المميز في تطوير قطاع الاقتصاد والتجارة الخارجية خلال عمله وزيراً للاقتصاد".
من هو محمد العمادي؟
محمد العمادي من مواليد مدينة دمشق عام 1933، حائز على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة نيويورك، وبكالوريوس في الحقوق، وتولى العديد من المهام في المجالات الاقتصادية والمالية في سوريا والوطن العربي، وعمل أستاذاً جامعياً في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق.
شغل منصب وزير الاقتصاد في عام 1972 حتى 1979 ثم عاد مرة أخرى بعد أن استدعاه حافظ الأسد بعد الأزمة الاقتصادية عام 1985 وبقي حتى عام 2001.
"المنقذ" محمد العمادي
وخلال مسيرة العمادي في حكومة الأسد أطلقت وسائل الإعلام المقربة من النظام السوري عليه عدة ألقاب كـ"فارس الاقتصاد السوري"، و"أبو الاقتصاد السوري"، و"المنقذ"، في إشارة إلى ما فعله أيام الأزمة الاقتصادية ثمانينيات القرن الماضي، عقب الخلافات الكبيرة بين حافظ الأسد وشقيقه رفعت الذي حصل على مبلغ ضخم من خزائن المصرف المركزي السوري لقاء قبوله مغادرة البلاد، حيث اُتهم رفعت بالقيام بمحاولة انقلاب على حافظ بعد أزمة مرضية أصابت الأخير.
وكان رفعت الأسد غادر سوريا إلى روسيا ومن ثم إلى فرنسا عام 1984، لقاء حصوله على مئات ملايين الدولارات، ويشير اقتصاديون سوريون إلى تلك الحادثة (إفراغ البنك المركزي لصالح رفعت)، على أنها نقطة فارقة في مسيرة الاقتصاد السوري والليرة نحو الأسوأ إلى يومنا هذا.
وتنسب وسائل الإعلام التابعة للنظام السوري الفضل في إنقاذ سوريا من الأزمة الاقتصادية التي تسبب بها رفعت الأسد إلى العمادي، الذي استدعاه حافظ الأسد، من الكويت، لتسلم وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، ويؤكد "موقع اقتصاد مال وأعمال السوريين" المهتم في مراقبة الاقتصاد السوري، أن العمادي فوجئ في حينها بعدم وجود احتياطي نقدي من العملات الأجنبية في "مصرف سوريا المركزي".
العمادي متهم بـ"مجاعة الثمانينات"
لعب العمادي دوراً هاماً في اعتماد سياسة حصر الاستيراد بالسلع الأساسية والضرورية جداً، بصورة أسهمت في تكوين احتياطي نقدي من العملات الأجنبية في خزينة المركزي خلال السنوات التالية للعام 1985، لكنه فرض ظروفاً معيشية صعبة على السوريين، وبات المواطنون عاجزين عن تأمين أبسط احتياجاتهم اليومية، ووصل الكثير من السوريين في حينها إلى حد المجاعة.
وفي تلك المرحلة كانت خطته تقوم على تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية من القمح والخضراوات والفواكه، ما تبقى هو مواد كمالية لا ضرورة لاستيرادها، بما فيها بعض المواد الأساسية كالسكر والشاي والقهوة والزيت، وغيرها من المواد الغذائية، لتوفير ما يكفي من العملة الصعبة في خزينة الأسد.
ونجحت سياسة العمادي في توفير أول رصيد في البنك المركزي من العملات الأجنبية والذي بلغ في العام 1986 نحو 30 مليون دولار فقط، وفقاً لموقع "أيقونة" المهتم في توثيق مسيرة الشخصيات الناجحة والمؤثرة.
يرى بعض المراقبين أن سياسات العمادي الاقتصادية لا تزال حتى يومنا هذا تسهم فيما تبقى من أسس الاقتصاد السوري.
العمادي في عهد بشار الأسد
وبعد تسلم بشار الأسد الحكم عام 2000 خلفاً لأبيه حافظ الأسد، رغب بشار في استمرار محمد العمادي في منصب وزير الاقتصاد، إلا أن الأخير أعرب عن عدم رغبته بالأمر، وطلب إعفاءه من منصبه في عام 2001، وفقاً "اقتصاد مال وأعمال السوريين".
إلا أن بشار الأسد أعاد استخراج مشاريع العمادي التي قدمها لحافظ الأسد في الثمانينيات، وطلب منه الإشراف على تنفيذها، ومنها مشروع إنشاء سوق للأوراق المالية، وإطلاق المصارف الخاصة، بالإضافة إلى تعديل قانون الاستثمار بحيث يصبح أكثر جذباً للمستثمرين.
فوافق العمادي على المهام الجديدة التي تم تكليفه بها، وهو ما استطاع إنجازه لاحقاً، بدءاً من العام 2008 وما بعدها.
العمادي ظل يبكي حافظ الأسد
وكان العمادي لا يستطيع، أن يمسك نفسه من البكاء، كلما جاء ذكر حافظ الأسد أمامه، وفق ما نقل موقع "اقتصاد مال وأعمال السوريين"، وقد كان لافتاً خلال جلسة "مجلس الشعب" التي أُعلن فيها عن موته في العام 2000، أن العمادي كان أول المنهارين بالبكاء، ثم فيما بعد استمرت معه هذه الحالة في كل مرة يضطر فيها للحديث عن حافظ الأسد.
بكاء العمادي على حافظ الأسد في كل مرة، لم يستطع أحد أن يجد له تفسيراً مقنعاً، بل إن البعض ذهب إلى أن العمادي يشابه الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، الذي كان يرى بحافظ الأسد أشياءً لم يستطع الشعب السوري على مدى 30 عاماً من حكمه، أن يكتشفها.
ويصر العمادي في ذكرياته التي دونها عبر بعض اللقاءات الصحفية بعد موت حافظ الأسد، على أن هذا الأخير كان يحبه كثيراً، لدرجة أن جميع الوشايات التي كانت تصل إليه من قبل المسؤولين الآخرين، كان يرد عليها باطمئنان، "أنا أثق بمحمد".