شهدت الأيام الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في أسعار المواد الغذائية في محال البقالة السورية في مدينة إسطنبول بالتوازي مع انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأميركي قبل أن تعود الليرة لتحقق مكاسب أمام الدولار، وهو ما أثار استياء بين السوريين القاطنين في المدينة.
البقاليات السورية.. ارتفاع كبير في الأسعار
ارتفعت أسعار المواد الغذائية في إسطنبول بشكل كبير سواء في محال البقالة الصغيرة التركية أو العلامات التجارية الكبرى مثل (Bim- 101)، الأمر نفسه ينطبق على محال البقالة السورية المنتشرة في المناطق التي تشهد كثافة سورية كبيرة فيها، كمناطق الفاتح وباشاك شهير وأسنيورت، وهو أمر مفهوم نظراً للانخفاض المتتالي لليرة التركية أمام الدولار الأميركي خلال الأسبوعين الأخيرين، إلا أن استياء الجالية السورية في المدينة يأتي بسبب الارتفاع "المبالغ فيه" بحسب وجهة نظرهم في المحال السورية، والتي يعتمد عليها السوريون للحصول على المنتجات السورية التي لا توجد في المحال التركية.
وقال أبو محمد (60 عاماً) وهو من سكان منطقة الفاتح لموقع تلفزيون سوريا إنه لا يعلم مدى قدرته وعائلته على الصمود خلال الأيام المقبلة، خاصةً أن إيجار منزله مرتفع نسبياً، بالإضافة إلى فواتير الخدمات العامة (الماء والكهرباء والغاز) والآن أسعار المواد الغذائية الأساسية كالأرز والسكر والزيت "ارتفعت بشكل جنوني" بحسب وصفه.
وأضاف أبو محمد أنه من أصحاب الدخل المحدود، لذا لا حل لديه سوى "وضع موازنة لشد الأحزمة على البطون مقابل تأمين أجرة المنزل والفواتير .لكي يتسنى لنا الاستمرار"، مشيراً إلى أن تأثر مصروفه كمحدود دخل كان بمنزلة ضربة اقتصادية لا سيما أنه لا يتلقى أي مساعدات من أي جهة كانت.
لكن أبو محمد أشار في المقابل إلى أن الارتفاع لم يكن في البقاليات السورية فقط، وأن الارتفاع في هذه الأخيرة لا تأتي بسبب صاحب البقالية والذي لديه بحسب أبو محمد دفع إيجار محله والضرائب، عدا عن أن مصدر المواد (شركات المواد الغذائية) رفعت أسعارها وهو ما ينعكس على صاحب البقالية وعلى الزبائن أيضاً.
رأي أبو محمد يتفق مع مصطفى الأحمد، صاحب بقالية، والذي أرجع في إجابته على أسئلة موقع تلفزيون سوريا أن ارتفاع الأسعار لديه ولدى محال أخرى يرتبط بعدة أمور، أولها هي رفع شركات السلع الغذائية للأسعار تماشياً مع انخفاض قيمة الليرة التركية.
وشهدت الليرة انخفاضاً حاداً أمام الدولار الأميركي ووصل سعر صرف الدولار إلى أكثر من 18.36 ليرة وفقاً لموقع "Doviz" المختص بأسعار صرف العملات، قبل أن تعاود الارتفاع محققة مكاسب أمام الدولار.
وأضاف مصطفى أنه لا يملك محله، ويدفع أجرة شهرية وهي ليست بالمبلغ القليل، عدا عن مصاريف عائلته، متسائلاً "كيف أوفق بين هذه المصاريف كلها والتي يضاف إليها الفواتير من غاز وكهرباء وماء وبين ارتفاع أسعار الموردين؟".
من جهته وصف عماد (50 عاماً) ارتفاع الأسعار بالأمر الذي لا يصدق، إذ إنه شاهد يومياً ارتفاع الأسعار في البقاليات السورية. وقال عماد لموقع تلفزيون سوريا "وجدت أسعاراً مختلفة كل يوم عن اليوم السابق، لم أعد أعرف بأي سعر اشترى صاحب البقالية المواد حتى يضيف كل يوم ليرات جديدة على أسعار المنتجات".
وأضاف "تأثرت بشكل سلبي وكبير جداً لدرجة استبدلت بمواد غذائية أخرى، واستغنيت عن مواد أخرى بشكل كامل لعدم وجود الإمكانية لشرائها، كل المواد الأساسية الغذائية ارتفعت أسعارها بشكل جنوني، يمكن الاستغناء عن الكماليات ولكن المشكلة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية كالرز والسكر والزيت والخبز والتي هي قوت يومي للناس، بالإضافة إلى الخضراوات طبعاً.
ويرى عماد أن "الارتفاع مبالغ فيه" لو أن هذه المواد مرتبطة بشكل مباشر بسعر الدولار لكان من الممكن تفهم الأمر، لكن وفق رأيه، فقدت الليرة في الأيام الأخيرة الكثير من قيمتها، في حين ارتفعت الأسعار بنسبة 100 في المئة، وبالتالي فإن الارتفاع يفوق نسبة ضعف القوة الشرائية للعملة، وهذا الأمر يمتد على جميع المتاجر حتى لو كانت تركية وليست سورية فقط".
في حين قال أبو عبد الله، صاحب بقالية إن أصحاب البقاليات السورية والموردين رفعوا الأسعار بشكل مبالغ فيه أصلاً، إذ ارتفعت أسعار المواد الأولية، وصاحبها ارتفاع أجور العمال عدا عن سعر النفط.
ويرجع أبو عبد الله الارتفاع إلى "غياب الرقابة" وأن كل صاحب بقالية يبيع بما يراه مناسباً دون أي ضوابط من الجهات الحكومية المسؤولة عن هذه الأمور.
رفع الأسعار يؤثر على منتجي السلع
واستيقظ الأتراك والمقيمون من عرب وأجانب في تركيا على خبر انخفاض كبير لقيمة الليرة أمام الدولار بعد اتخاذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قراراً بخفض سعر الفائدة، ما أدى لارتفاع فوري لأسعار السلع الغذائية الأساسية حتى في المحال التجارية الكبرى المخصصة للطبقة المتوسطة والفقيرة في تركيا، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على أكثر من 500 ألف سوري يعيشون في إسطنبول، والتي تعد المعيشة فيها أصلاً أغلى من ولايات تركية أخرى.
وتعد الطبقة المتوسطة والفقيرة من السوريين في تركيا عموماً وإسطنبول خصوصاً أكثر المتضررين من انخفاض قيمة الليرة التركية، إذ إن كثيرا من السوريين لا يعملون وفق قوانين العمل، أي لا يملكون حقوقاً بالمقارنة مع العمال الأتراك، وهذا يعني غياب أي إمكانية قانونية للحصول على الحد الأدنى من الأجور المحددة من قبل الحكومة التركية.
ويبلغ عدد السوريين المقيمين في تركيا، وفق أرقام مديرية الهجرة التركية، ثلاثة ملايين و645 ألفاً و140 سورياً.
لا يبدو أن الضرر من ارتفاع الأسعار يؤثر على المستهلكين فقط، إذ يرى المستشار الاقتصادي جلال بكار في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن الارتفاع سيؤثر على الموردين أيضاً.
وأضاف بكار أن المستهلكين يحتاجون استراتيجية يمكن من خلالها توفير أقل ما يمكن من المصاريف الاستهلاكية وخاصةً للمنتجات الأساسية وهذا ما يبحث عنه السوريون، وللمفارقة فإن المنتجات السورية خاصة بالسوريين والعرب وليست سوقا جاذبا للأتراك، وبالتالي سيخسر أصحاب المنتجات لابتعاد المستهلكين عن شراء هذه المنتجات.