لجأ سكان شمال غربي سوريا في حزيران 2020 للتعامل بالليرة التركية، بدلاً من نظيرتها السورية التي شهدت انهياراً كبيراً أمام الدولار الأميركي، وحينذاك كان سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار 6.8، لكنه تخطى أمس حاجز الـ 11 أمام الدولار، وهو ما أعاد ذات المشكلات للمشهد، المتمثلة بارتفاع الأسعار وتلاعب التجار وانخفاض قيمة الرواتب.
ترافق انخفاض قيمة الليرة التركية، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في شمال غربي سوريا بنسبة 400 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وأسعار المحروقات بنسبة 350 في المئة، والخبز بنسبة 300 في المئة، ووصول معدلات الفقر إلى 90 في المئة، وفقاً لفريق منسقو استجابة سوريا.
ارتفاع كبير بالأسعار شمال غربي سوريا
انخفاض قيمة الليرة التركية، يعني بالضرورة ارتفاع أسعار مختلف المواد في الشمال السوري بشكل تلقائي، لأن غالبية الباعة والتجار يبيعون موادهم بالدولار الأميركي، على أن يتم استلام المبلغ بالليرة التركية حسب سعر الصرف عند المبيع.
لن تؤثر هذه الطريقة في البيع على الأشخاص الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار، لكن الضرر الأكبر سيصيب من يتقاضى راتبه بالليرة التركية، وهم الأكثرية الساحقة في المنطقة، مثل موظفي المجالس المحلية، والمعلمين، والممرضين، وعناصر الجيش الوطني السوري، وأفراد الشرطة العسكرية والمدنية، وغيرهم.
زار موقع تلفزيون سوريا عدداً من المتاجر والأفران ومحال الخضار واللحوم، ومحطات الوقود في مدينة اعزاز شمالي حلب يوم الخميس، للاطلاع على أسعار أبرز المواد التي تحتاجها العائلة بشكل أساسي، وكانت على الشكل الآتي:
أسعار بعض المواد بالليرة التركية
النوع |
السعر بالليرة التركية |
بطاطا |
3 |
بندورة |
3 |
خيار |
5 |
سلق |
1 |
سبانخ |
1 |
زهرة |
2 |
ملفوف |
2 |
كوسا |
6 |
باذنجان |
5 |
ليمون |
3 |
بصل |
2 |
ثوم |
7 |
موز |
7 |
تفاح |
5 |
برتقال |
3 |
مانغا |
3 |
كيوي |
10 |
جزر |
3 |
الخبز (7 أرغفة) |
2.5 |
أسعار المواد الغذائية بالدولار
النوع |
السعر بالدولار |
أرز |
0.75 دولار |
سكر |
0.65 |
شاي |
6.35 |
سمن (كيلو) |
1.5 |
زيت (لتر) |
1.8 |
عدس |
1.2 |
برغل |
0.65 |
طحين |
0.6 |
فاصولياء |
1.7 |
بيض (صندوق) |
2.75 |
أسعار بعض الحاجيات الأخرى بالليرة التركية
النوع |
السعر بالليرة التركية |
كهرباء (114 كيلو وات / مدينة اعزاز) |
100 ليرة تركية |
ماء (صهريج) |
60 |
لحم دجاج (كيلو) |
17 |
لحم غنم (كيلو) |
70 |
أسطوانة غاز |
130 |
مازوت أوروبي |
8.65 |
مازوت أوروبي نوع ثانٍ (يسمى عراقياً) |
7.30 |
بنزين أوروبي |
9 |
مازوت كهرباء |
5 |
لماذا انخفضت قيمة الليرة التركية وارتفعت الأسعار؟
انخفضت قيمة الليرة التركية بشكل قياسي لتتجاوز الـ 11.3 أمام الدولار يوم الخميس الفائت، بعد ساعات من إعلان البنك المركزي التركي، خفض سعر الفائدة من 16 إلى 15 في المئة.
ولا يمكن ربط ارتفاع الأسعار، بانخفاض قيمة الليرة التركية فقط، إذ أكد باحثون اقتصاديون أن ارتفاع الأسعار عالمياً يلعب دوراً أيضاً، لكن التأثر يكون كبيراً في شمالي سوريا، بسبب عدم وجود قوانين تضبط الحد الأدنى لأجور العاملين، وصعوبة زيادة رواتب الموظفين، التي يُقدم معظمها من تركيا بالعملة المحلية.
وحول سعر الفائدة، يقول الخبير الاقتصادي يحيى السيد عمر، إن سعر الفائدة "من أهم أدوات السياسة النقدية على الإطلاق، فهو المتحكم الرئيس في كمية النقود في السوق وفي اتجاهها، فعندما يكون سعر الفائدة مرتفعاً سيقوم الغالبية بإيداع أموالهم في البنوك للحصول على عوائد مرتفعة، ما يعني انخفاض كمية العملة في السوق".
وأكد الباحث بالشأن الاقتصادي، خالد تركاوي، أن الأسعار تشهد ارتفاعاً في مختلف دول العالم، بسبب ارتفاع تكاليف الشحن وأسعار الوقود والغاز.
وأفاد "تركاوي" في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، بأن المؤثر على شمال غربي سوريا من هذه الناحية، هي تركيا، ومما يرفع الأسعار بالمنطقة بشكل أكبر، هو عدم وجود تنافسية كبيرة، واحتكار عدد معين من التجار للسلع الرئيسية.
أما الدكتور في العلاقات الاقتصادية الدولية، معروف الخلف، فقد قال إن ما يحدث في شمالي سوريا هو "تضخم مستورد"، ويعني ذلك أن المنطقة ليس لديها قطاع إنتاجي، وتعتمد بشكل رئيسي على السلع المستوردة من الجوار، سواء مواد أولية، أو الرواتب.
وأضاف "الخلف" أن ذلك سينعكس حتماً على المواطن ومعيشته، خاصة أن اقتصاد المنطقة يعتمد على الآخر، ومرتبط بالاقتصاد التركي.
قيمة الرواتب شمالي سوريا
يتقاضى معظم العاملين في القطاع الحكومي بريف حلب رواتبهم من الحكومة التركية، وتتراوح قيمتها بين 400 ليرة تركية، حتى 2500.
وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري، أكد لموقع تلفزيون سوريا، أن رواتب المعلمين تبلغ 750 ليرة تركية، وأفراد الشرطة العسكرية 800 ليرة، والجيش الوطني 400 ليرة، وموظفي المعابر الحدودية مع تركيا، تتراوح رواتبهم بين 1000 حتى 1500 ليرة.
وأما رواتب موظفي الحكومة المؤقتة، فقد ذكر "المصري" أن أقل راتب في الحكومة يبلغ 240 دولاراً، فيما تبلغ قيمة الرواتب بشكل وسطي بين 350 حتى 400 دولار.
وذكر أن المجالس المحلية والشرطة وغيرها تمنح الرواتب لأفرادها بالليرة التركية، وكذلك الحكومة المؤقتة، لكن الحكومة تثبت الراتب لموظفيها بالدولار، وتمنحه بالليرة التركية حسب سعر الصرف الآني.
دور الحكومة المؤقتة وحكومة "الإنقاذ"
قال وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة، إن الليرة التركية غير مستقرة، ومن الطبيعي أن يستغل البعض هذا الأمر، في ظل عدم قدرة جهة معينة على تحديد الأسعار، كون المنافسة حرة والاستيراد حراً.
وأفاد بأن الحكومة المؤقتة ثبتت سعر طن الطحين المدعوم بـ 240 دولاراً، بينما يباع بالأسواق بـ 400 دولار، كما ثبتت سعر ربطة الخبز وزن 600 غرام، بليرة تركية، بينما تباع الربطة في الأفران الخاصة (450 غراماً) بـ 2.5 ليرة.
وأشار إلى أن الحكومة تحاول تخفيض الرسوم الجمركية على المواد الأساسية، وخاصة الغذاء والمنظفات والألبسة، مضيفاً أن تلاعب التجار يمكن حله عبر دوائر التموين، الموجودة في كل مجلس محلي بريف حلب.
بدوره قال المدير العام للتجارة والتموين في حكومة "الإنقاذ"، خالد الخضر لموقع تلفزيون سوريا: "يتم التركيز في هذه الفترة على منع الاحتكار ومساءلة كل من يحجب سلعة أساسية عن التداول، وخاصة الخبز والمحروقات".
ولفت إلى أن حكومة الإنقاذ لجأت إلى تثبيت رواتب الموظفين بالدولار، ولغاية الآن يعتمد أساس صرف الرواتب بالدولار ويستلم الموظف راتبه حسب سعر الصرف بالليرة التركية، مضيفاً أنه يمكن حل جزء من المشكلة باعتماد قانون يحدد الحد الأدنى للأجور لدى القطاع الخاص.
وأكد أن "الأمر معالج من قبل حكومة الإنقاذ، وذلك بإلزام التجار بالإعلان عن سعر مبيع السلع الضرورية وعدم تجاوز الأسعار المحددة، بالتزامن مع عمل الحكومة على زيادة أعداد المراقبين التموينيين بالأسواق".
هل من حلول لتقليل الخسائر؟
يرى الدكتور، معروف الخلف، أن من بين الحلول المعقولة، جعل كل الرواتب بالدولار، كونه أكثر استقراراً وثباتاً مقارنة بالعملات الأخرى، واتخاذ إجراءات رقابية وعقابية في آن واحد لمنع التلاعب بالأسعار.
بينما يعتقد الباحث خالد تركاوي، أن الحل يكمن بالإنتاج، وتوفير فرص عمل، عبر إنشاء مشاريع استثمارية، مشيراً إلى أن تحويل رواتب الموظفين للدولار صعب في الوقت الحالي.
وفيما يتعلق بالحلول لوقف تدهور الليرة التركية، أشار الباحث يحيى السيد عمر، إلى أن الحكومة التركية أمام حلين، الأول معالجة التضخم من خلال رفع سعر الفائدة، ما يؤدي لتقليل كمية الليرة في السوق وتركزها في البنوك، وهنا بالفعل قد ينخفض التضخم وتتحسن قيمة الليرة.
لكن هذا الحل يعد مؤقتاً وله عدة سلبيات، فهو يضر بالإنتاج نتيجة ارتفاع تكاليف التمويل، حيث يزيد الاستيراد ويقل التصدير، وبحسب "السيد عمر" فإن الحل هذا يمكن تشبيهه بالمُسكِّن الذي يعطَى للمريض، فهو "يعطيه بعض الراحة ولكن حالما تنتهي فاعليته يعود المريض للألم".
والحل الثاني، ينص على تخفيض سعر الفائدة، وهو ما تتبعه الحكومة التركية حالياً، ويقول الباحث إن هذا الحل يعالج جذور المشكلة، كونه يحفّز الإنتاج نتيجة انخفاض كلفة التمويل، ويحفز التصدير ويضغط على الاستيراد.
ويعد هذا الحل متوسط الأمد، بمعنى أن نتائجه تحتاج لعدة شهور لا تقل عن 6 لتبدأ بالظهور، وهو يسبب في المرحلة الأولى تدهوراً في العملة وزيادة في التضخم، وهنا يمكن تشبيهه، بعلاج المريض، فالدواء قد يكون مراً وغير مستساغ، وله أعراض جانبية مزعجة، لكنه في النهاية يقود لشفاء المريض، حسب وصف الباحث.