شكّلت مجموعة من الأكاديميين والصحفيين الغربيين المدافعين عن نظام الأسد وروسيا، ظاهرة غريبة بسبب أسلوب هؤلاء في الالتزام الكامل بالدعاية الروسية بغض النظر عن الكذب الواضح فيها وسذاجتها.
دفاع هؤلاء المستميت عن روسيا ونظام الأسد تعدّى مجرد الدعاية وترويج الأخبار المضللة إلى ملاحقة المنظمات الحقوقية والصحفيين ومحاولة ضرب مصداقيتهم بل واستهدافهم بشكل دائم على وسائل التواصل الاجتماعي وعبر وسائل إعلام مملوكة لروسيا، وتعدّ منظومة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالإضافة لـ"لجنة العدالة والمساءلة" مِن الأهداف الدائمة لنشاط هذه المجموعة.
تسريب أسماء الناشطين وشهود العيان
لا شك أنّ أخطر ما كشفته مراسلات ماك كيج، بالإضافة لمعرفة مكان احتفاظ لجنة العدالة بالوثائق، هو كشفه عن خطة مجموعته لجمع التفاصيل الشخصية عن نشطاء سوريين والشهود العيان على هجوم دوما الكيماوي، وشرح ماك كيج لـ"إيفان" كيف تم تقديمه ومجموعته لمنصة Ruptly، وهي منصة على يوتيوب مقرّها ألمانيا وتمولها الحكومة الروسية، ويظهر مِن "الإيميلات" أن تواصل مجموعة ماك كيج مع المنصة بدأ في كانون الثاني 2020.
ويمضي ماك كيج في شرح اتصالاته مع كبير محرري Ruptly الصحفي مانجان، الذي كان يعمل سابقاً مع وكالة رويترز، وكيف أخبره "مانجان" أن منصته تمتلك قاعدة بيانات تتضمن المعلومات الشخصية لأهم النشطاء المعارضين للنظام في سوريا والمصورين المستقلين بالإضافة لشهود على جرائم الحرب، تم جمعها من خلال عمل المنصة والمقابلات التي أجرتها، بالإضافة لنشاط مراسلي المنصة المحليين في سوريا، وقال ماك كيج إنّ "مانجان" أرسل إليه لقطة شاشة (سكرين شوت) مِن الكمبيوتر تُظهر جزءاً من قاعدة البيانات هذه بما تحويه من أسماء ومعلومات شخصية عن الناشطين والشهود.
وطلب ماك كيج من "مانجان" شهوداً ناجين من هجوم دوما الكيماوي، وواضح أنه كان يسعى إلى شاهد يدعم ادعاءاته بنكران الهجوم الكيماوي، فطلب صورة للشاهد مع ضحايا الهجوم اذا كان ذلك متوفراً، فأرسل له "مانجان" صورتين، بما في ذلك لقطة لهاتف خليوي لرجل قُتلت زوجته وأطفاله الأربعة بهجوم دوما، حيث كان الرجل يعرض لأحد مراسلي مانجان صورة لأطفاله، فما كان من المراسل إلا أن سجل صورة الموبايل على كاميرته.
المقطع لم يعجب ماك كيج لأنه يُظهر ضحايا حقيقيين للهجوم الكيماوي، وبدأ "كيج" بالشك بدوافع "مانجان"، لأنه لم يقدم له ما يدعم نظريته بنكران هجوم دوما وأنه كان مفتعلاً، حتى إنه طلب من "إيفان" الإبلاغ عن "مانجان" فهو، برأي ماك كيج، ليس مخلصاً للأهداف الروسية واتهمه بالعمالة للغرب.
والجدير بالذكر أن ماك كيج، الذي يعتقد أن "إيفان" هو عميل مخابراتي روسي، طلب من "إيفان" ملاحقة عدة صحفيين وأكاديميين غربيين بسبب مواقفهم المناهضة لنظام الأسد وروسيا وفضح المعلومات المضللة التي ينشرها ماك كيج ومجموعته، وأرسل "كيج" في أحد "إيميلاته" ملف "وورد" بأسماء 10 أشخاص يطلب تعقبهم ومعاقبتهم، منهم محرر في موقع "نيو لاينز" هو الصحفي محمد إدريس أحمد والصحفي أوليفر كام، الكاتب البارز في صحيفة "تايمز أوف لندن".
*تغريدة للصحفي أوليفر كام يقول فيها إنّ البروفيسور "مكيج" طلب مِن مصدره إيفان - الذي يعتقد أنّه عميل للمخابرات الروسية - اختراق حساب بريده الإلكتروني الشخصي".
— Oliver Kamm (@OliverKamm) April 20, 2021
مجموعة برلين 21
لا شك أن نشاط ماك كيج ومجموعته استفزت كثيرا من الصحفيين والمنظمات الحقوقية والإنسانية التي استهدفتها المجموعة بالمعلومات المضللة وإطلاق الشائعات والاتهامات الكاذبة، ويقول "كيج" لـ"إيفان" إنّ المجموعة قرّرت تغيير اسمها ومركزها بسبب الحملات الإعلامية التي تتعرض لها.
وفي أوائل شهر آذار الماضي، أصدرت مجموعة العمل بيانًا باسم "مجموعة برلين 21" مركزها في ألمانيا، ويهاجم البيان منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بشأن تحقيقاتها حول الهجوم الكيماوي على دوما، وأضاف "كيج" لـ"إيفان" أنه وأعضاء مجموعته سيعملون حالياً بالخفاء تحت اسم مجموعة برلين 21، مدعياً أن سمعتهم تم تشويهها إعلامياً.
*تغريدة فيها صورة لـ3 مِن "الإيميلات" المسرّبة.
— Nick Waters (@N_Waters89) April 20, 2021
والجدير بالذكر أن ألمانيا شهدت في الفترة الأخيرة رفع عدة قضايا ضد مسؤولين في نظام الأسد، قضية بحق ضابط المخابرات السوري إياد الغريب والدكتور علاء موسى الذي كان يعمل في مستشفى حكومي بحمص، ولعل هذا السبب وراء نقل مركز مجموعة ماك كيج إلى برلين، وتم في القضايا السابقة استخدام أدلة من أرشيف منظمة "لجنة العدالة والمساءلة".
واجهة للدعاية الروسية
مراسلات ماك كيج تظهر بوضوح أنه وزملاءه ليسوا مجرد مهووسين بنظرية المؤامرة والعداء لأميركا، كما اعتقد كثيرون، بل إنهم قاموا وبكل حماس بالتواصل والعمل تحت إشراف وتوجيهات المسؤولين الروس والمخابرات الروسية.
وتقول مديرة العلاقات الخارجية لـ"لجنة العدالة والمساءلة" نيرما يلاتشيتش لـ"نيولاينز": إنّ مشاركة الدبلوماسيين الروس ووسائل الإعلام التي تديرها الدولة في عمليات مجموعة العمل كانت سبباً مهماً في تحقيق هذه المجموعة الهامشية من الأكاديميين لبعض الانتصارات التكتيكية، حيث إن حملات التضليل الروسية بشأن سوريا أقل فاعلية بكثير إذا كان عليها الاعتماد فقط على تصريحات من الخارجية الروسية ووسائل الإعلام الروسية، ولكن الاعتماد على ما يقوله الأكاديميون الغربيون سيمنح الدعاية الروسية المضللة حضوراً في العالم الغربي و حرجاً للحكومات.