icon
التغطية الحية

إيطاليا.. انتهاكات صناعة الأزياء الفاخرة بحق العمالة المهاجرة تحت المجهر

2024.07.10 | 18:28 دمشق

إحدى الورشات التي تصنع لصالح علامة أرماني الشهيرة في الشمال الإيطالي
إحدى الورشات التي تصنع لصالح علامة أرماني الشهيرة في الشمال الإيطالي
The Wall Street Journal - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

فضحت سلسلة مداهمات تمت في إيطاليا ذلك البون الشاسع بين عالم الأزياء البراق في ميلانو وحقيقة إنتاج السلع الفاخرة هناك.

إذ تبين من خلال تحقيق أجرته النيابة العامة في ميلانو حول ظروف العمل لدى المصانع هناك بأن الورشات التي تصنع حقائب اليد وغيرها من السلع الجلدية لصالح ديور وأرماني تستغل العمالة الأجنبية في إنتاج أرقى وأفخر المنتجات وذلك مقابل منح هؤلاء العمال نسبة ضئيلة من سعر القطعة التي تباع بثمن باهظ بالتجزئة.

بون شاسع

دفعت شركة ديور لإحدى الجهات الموردة مبلغاً قدره 53 يورو للقطعة، أي ما يعادل 57 دولاراً، وذلك مقابل تصنيع حقيبة يد تباع في متاجر ديور بمبلغ قدره 2600 يورو أي نحو 2780 دولاراً، وذلك بحسب الوثائق التي تم الاطلاع عليها في هذا التحقيق. أما حقائب أرماني التي بيعت لإحدى الجهات الموردة بمبلغ 93 يورو، لتباع من جديد لأرماني بمبلغ 250 يورو، فقد وصل سعرها النهائي إلى نحو 1800 يورو في المتاجر بحسب ما توصل إليه التحقيق. هذا ولا يشمل سعر الكلفة سعر الجلد أو غيره من المواد الخام، وذلك لأن الشركات تدفع تكاليف التصميم والتوزيع والتسويق كلاً على حدة.

ثم إن بعض الورشات التي تمت مداهمتها، وجميعها موجودة في إيطاليا، تصنع منتجات لصالح علامات تجارية معروفة في مجال الأزياء والموضة بحسب ما أوردته النيابة العامة.

وعلى ذلك علق فابيو رويا رئيس النظام القضائي في ميلانو والذي أشرف على التحقيق، فقال: "لماذا يكلف تصنيع القطعة مبلغاً زهيداً؟ يجب على العلامات التجارية أن تطرح على نفسها هذا السؤال".

انتقدت قرارات المحكمة التي ترتبت على هذا التحقيق الشركات التي تقدم منتجات فاخرة وذلك بسبب عدم إشرافها على سلاسل التوريد بشكل فعال، بيد أن الشركات لم تتعرض لأي اتهامات ذات صلة بالنتائج التي توصل إليها التحقيق. إلا أن بعض الجهات الموردة التي تمتلك تلك المنتجات بشكل مستقل يمكن أن توجه إليها اتهامات باستغلال العمال وتوظيفهم من دون وثائق.

رفضت شركة ديور التي تملكها مجموعة LVMH العملاقة التعليق على الموضوع، وقد تقدمت ديور منذ فترة قريبة بمذكرة حددت من خلالها الإجراءات اللازمة لحل المشكلات المتعلقة بسلسلة التوريد لديها، بحسب ما بينته وثائق المحكمة.

أما شركة أرماني فقد أعلنت بأن لديها: "إجراءات ضبط ورقابة ومنع سارية المفعول وذلك للحد من الانتهاكات ضمن سلسلة التوريد"، وذكرت بأنها: "تتعاون بأعلى شفافية" مع السلطات.

تغير في مزاج المستهلك

غير أن التحقيق الذي فتحته إيطاليا سلط الضوء على مشكلة معاصرة فريدة في مجال صناعة المنتجات الفاخرة، إذ في الوقت الذي نقلت قطاعات أخرى عملية التصنيع إلى الصين وغيرها من الدول ذات العمالة الرخيصة، بقيت معظم العلامات التجارية الراقية تصنع منتجاتها في مناطق قريبة من إيطاليا، اعتقاداً منها بأن ذلك الجانب مهم حتى تبقى منتجاتها جذابة بنظر الزبائن، ولكن على الرغم من وجود عبارة: "صنع في إيطاليا" على المنتجات، يرى المدعون في النيابة العامة بأن بعض المنتجات الفارهة صنعت بأيدي عمال أجانب، معظمهم صينيون، وفي ظل ظروف بعيدة عن الشروط والمعايير القانونية للتصنيع.

ويأتي هذا التحقيق في ظل تراجع إنفاق معظم الناس الذين يتسوقون تلك البضائع والذين حققوا لها النجاح والازدهار خلال السنين الماضية، على شراء السلع الغالية بسبب صعوبة الوضع الاقتصادي وارتفاع الأسعار.

تفرض السلع الفاخرة أسعاراً مرتفعة على المستهلكين، ويعود أحد أسباب ذلك إلى توقع الناس بأنها صنعت على أيدي عمال مهرة في ورشات تعتمد العمل اليدوي، أما في الواقع، فإنه في الوقت الذي تحافظ فيه العلامات التجارية على تصميم منتجاتها وتطويرها داخل مقارها، فإنها تستعين في معظم الأحيان لتصنيعها بموردين من الخارج.

ومعظم تلك الأمور تحدث في إيطاليا، التي تعتبر موطناً للآلاف من الجهات المصنعة والمنتجة الصغيرة لنحو 50-55% من الألبسة الفاخرة والسلع الجلدية بحسب ما أوردته إحدى الشركات الاستشارية.

وخلال السنوات القليلة الماضية، عملت معظم العلامات التجارية الفارهة على تحسين رقابتها على سلسلة التوريد للتخفيف من الضرر الذي قد يلحق بسمعتها، ولضبط جودة المنتجات والالتزام بالمعايير الأوروبية الجديدة الساعية للحد من أثر صناعة الألبسة على البيئة. بيد أن أحد التحديات تمثل في تعاقد الموردين في معظم الأحيان مع طرف ثالث وهذا الطرف الثالث يتعاقد مع طرف رابع أحياناً.

ونتيجة للتحقيق الذين فتح في إيطاليا، وضع القضاة في حزيران الماضي الجهات المصنعة لديور والتي تعرف باسم SRL تحت ما يسمى بالإدارة القضائية بعد صدور حكم يقضي بأن سلسلة التوريد لديها تشتمل على شركات تملكها الصين في إيطاليا وتلك الشركات تمارس انتهاكات بحق عمال مهاجرين، وقد اتخذ الإجراء نفسه بحق شركة أرماني في نيسان الماضي، وكذلك بحق شركة أليفيرو مارتيني المعروفة بحقائبها التي تطبع عليها صور خرائط إلى جانب غيرها من المنتجات والسلع، والتي اتخذ القرار نفسه بحقها في شهر كانون الثاني الفائت.

أما الإدارة القضائية فهي إجراء قانوني يسعى لضبط ومراقبة الشركات التي تعرضت لاختراق من عصابات الجريمة المنظمة، وبموجب هذا الإجراء، يعين مفوضان للإشراف على العمليات ورفع كل تطور جديد يطرأ على تطور الشركة في حل المشكلة إلى المحكمة.

وعلى ذلك علقت شركة أليفيرو مارتيني بأنها: "فوجئت وتكدرت" عندما علمت بنتائج التحقيق، وبأن هنالك موردين من بين أربعين مورداً استعانوا بعمال من الخارج بشكل مخالف للقانون لإنجاز مراحل من عملية الإنتاج من دون علم الشركة.

كما ذكرت الشركة بأن سلسلة الإنتاج لديها واسعة ومقسمة، وهذا معروف ضمن مجالها، مما يصعب عملية التحكم والرقابة المباشرة.

مخالفات جلية

ركز قرار المحكمة الصادر بحق شركة ديور على أربع شركات موجودة في ميلانو تعمل ضمن سلسلة التوريد التابعة لديور، وقد قامت شركتان منها بتوريد منتجات لتلك العلامة التجارية بصورة مباشرة، أما الورشات التي تنتج السلع فقد وظفت العشرات من العمال بينهم مهاجران غير شرعيين على الأقل، وسبعة أشخاص تم توظيفهم من دون تقييد أسمائهم في السجلات بحسب ما ذكرت النيابة.

كشفت عمليات التفتيش التي نفذتها الشرطة الإيطالية في آذار ونيسان الماضيين عن تعرض العمال "لظروف صحية وشروط نظافة تقل عن الحد الأدنى الذي يحدده أي نهج أخلاقي"، بحسب ما كتب القضاة في الأمر القضائي المؤلف من 34 صفحة.

ثم إن العمال يقومون بتشغيل آلات نزعت منها أجهزة السلامة بهدف زيادة الإنتاجية عبر التخلي عن عنصر السلامة بحسب ما ذكرته النيابة، وهنالك عمال يعيشون ويأكلون وينامون في الورشة نفسها، إذ كشفت معلومات استهلاك الكهرباء بأن الموظفين كانوا يعملون من الفجر حتى ما بعد الساعة التاسعة ليلاً، حتى في أيام العطل الرسمية والأسبوعية.

وعند وصول المحققين إلى أحد المعامل، حاول ثلاثة عمال غير مسجلين الهرب عبر الصعود فوق السور بحسب ما ذكرت النيابة، ولكن سرعان ما ألقي القبض عليهم، وفي تلك الورشة وغيرها من الورشات، تفحص المحققون الوثائق التي أظهرت السعر الذي تدفعه العلامات التجارية للموردين مقابل كل قطعة يتم إنتاجها.

كما أوضح حكم المحكمة الصادر بحق شركة أرماني كيف قامت إحدى الشركات التابعة لأرماني والتي تعرف باسم GA Operations بالاستعانة بمتعهدين من الباطن، وهذان المتعهدان وظفا عدداً من المتعهدين الصينيين الموجودين في إيطاليا، كما جرى التحقيق مع العمال الذين ذكروا بأنهم يحصلون على أجر زهيد يعادل 2-3 يورو بالساعة على الرغم من أنهم يعملون لساعات طويلة، ويعتبر هذا الأجر أدنى بكثير من المستوى المحدد في اتفاقية المفاوضة الجماعية التي تشمل هذا القطاع بحسب ما ورد في حكم المحكمة.

يخبرنا فابيو بيتشيري وهو موظف تنفيذي في مجال التسويق عمل في السابق لدى شركة غوتشي والشركة المالكة لها التي تعرف باسم كيرينغ لمدة قاربت عشرين سنة، بأن المستهلكين باتوا على علم أكبر بما يجري، وبأن الاستعانة بممارسات لا أخلاقية في التعامل مع العمال بهدف تصنيع سلع راقية لا بد أن يتحول إلى منعطف بالنسبة لهم، وأضاف: "إن توقعات الزبون عالية فعلاً، لا سيما عندما ترفع السعر بكل ضراوة".

أما رويا وهو مدير المنظومة القضائية في ميلانو، فقد ذكر بأنه يعمل على برنامج مقترح بالنسبة للعلامات التجارية في مجال الألبسة والموضة وذلك لزيادة القيود المفروضة على الجهات التي تورد السلع لها، وقال: "يجب أن تكون تلك الشركات مسؤولة عن كامل السلسلة، لأن ذلك هو السبيل الوحيد الذي يمكننا من خلاله وقف هذه المنظومة التي تتسبب باستغلال العمال".

المصدر: The Wall Street Journal