icon
التغطية الحية

إيران حامية بشار الأسد ونقطة ضعفه.. وكذلك حزب الله

2024.10.17 | 19:54 دمشق

صثضق
CSIS- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في الوقت الذي تخوض حكومة نتنياهو حروباً في الشرق الأوسط مع إيران والفصائل الحليفة لها، ترد أخبار عن مسؤولين في إدارة بايدن بأنهم يصفون تلك العمليات العسكرية باللحظة الفاصلة في التاريخ، ولكن هل هي لحظة فاصلة في التاريخ بالشكل الذي يتمناه مسؤولو البيت الأبيض؟ من المرجح ألا تكون تلك اللحظة لحظة فاصلة في التاريخ من دون حل سياسي يناسب ملايين الطامحين إلى السلام والعدل في الشرق الأوسط، ويشمل ذلك الشعب الفلسطيني واللبناني والسوري، ما يعني أن الانتصارات التكتيكية التي تحققها إسرائيل والخسائر التي تتكبدها إيران ما هي إلا أمور عابرة.

الصمود في اللعب

وبصرف النظر عن طريقة إسرائيل في ضرب خصومها وأعدائها في الشرق الأوسط، أمام كل من إيران وحزب الله مئات الأميال من الأراضي الممتدة ما بين البحر المتوسط وإيران، وكلها تنتظر التعافي من تلك الضربات، كما يلعب حزب الله وإيران لعبة طويلة الأمد عندما تبدي أطراف أخرى، مثل الولايات المتحدة، نفاد صبرها إلى حد كبير. والمثابرة في لعب هذه اللعبة عزز سيطرة حزب الله وإيران في سوريا والعراق واليمن وبالطبع في لبنان. وعلى الرغم من أن إيران وحزب الله يتعرضان لهزيمة منكرة حالياً، أثبت كل منهما صموده في وجه الخسائر التكتيكية وذلك عبر قدرتهما على المناورة في الدول المتضررة بسبب النزاعات أو الدول الهشة بالأصل، أي في الدول نفسها التي استسلمت فيها أطراف أخرى ورفعت الراية البيضاء.

وتعتبر سوريا خير مثال على ذلك، فلقد تدخل حزب الله وإيران في سوريا منذ بداية الحرب فيها، وكان لتدخلهما مزايا في بعض الأحيان ومساوئ في أحيان أخرى، إذ على سبيل المثال، تظهر الأخبار التي رشحت مؤخراً بأن تدخلهما في سوريا عرضهما لخطر جمع المعلومات الاستخباراتية والاستهداف من طرف الولايات المتحدة وإسرائيل، ولكن هذه ليست المرة الأولى التي يعاني فيها حزب الله وإيران بسبب الدور الذي لعباه في الحرب، لكنهما واصلا مثابرتهما على مسارهما لتحقيق صمود استراتيجي على المدى الأبعد.

انكسار الصورة

في عام 2010، بدا محور المقاومة الذي تدعمه إيران والذي يحتل حزب الله قلبه ومحوره صاحب نفوذ وحق، فقد حظي حزب الله بمودة أبداها له العالم العربي بوصفه جماعة مسلحة لا تمثل دولة لكنها أجبرت إسرائيل المتجبرة على سحب قواتها من لبنان بعد احتلال دام 18 عاماً. لكن الحرب في سوريا غيّرت صورة الحزب، وذلك عندما تحولت المظاهرات السلمية المطالبة بإصلاحات في عام 2011 إلى نزاع دموي، وأصبح هذا النزاع ملعباً للقوى الإقليمية والدولية الفاعلة حتى يومنا هذا. ومن بين هذه القوى الفاعلة كانت روسيا وإيران ووكيل إيران حزب الله.

عبر العمل على دعم وترسيخ نظام بشار الأسد بواسطة القوة الوحشية، أظهر حزب الله وإيران بأن مقاومة الظلم في المنطقة مهمة ثانوية بالنسبة لهما، لأن هدفهما الرئيسي هو تحقيق القوة والنفوذ. ولذلك حشد حزب الله آلافاً من المقاتلين ليحاصر ويدك مناطق سورية ذات كثافة سكانية عالية، بيد أن فعلته تلك شوهت صورته ولطخت سمعته، لأن مقاتلي حزب الله هذه المرة لم يدخلوا في مواجهة مع هدفهم المعلن أي الكيان الصهيوني كما يسمونه، بل أخذوا يقتلون إخوتهم المسلمين الذين طالبوا بالحرية وحاولوا انتزاعها من يد نظام مستبد غاشم.

وعلى الرغم من هذه الخسائر الأيديولوجية، استمر حزب الله والحرس الثوري على هذا النهج، وقد كان تدخلهما مهماً بالنسبة لبقاء الأسد لدرجة دفعت السوريين إلى التساؤل إن كان النظام قد وعد مقابل ذلك حزب الله بالسيطرة على مناطق في غربي سوريا مثل مدينة مضايا حيث شاركت قوات حزب الله بفرض حصار على المدنيين وتجويعهم. وبشكل غير رسمي، أخذت إيران توسع هي الأخرى من سيطرتها على المناطق الواقعة شرقي دمشق وما حولها.

اليأس مصدر الشرور

وبما أن سوريا بقيت بعيدة كل البعد عن مصالح المجتمع الدولي خلال السنوات الماضية، لذا صار بوسع حزب الله وإيران فعل ما يحلو لهما. وبذلك أصبح النظام السوري الضعيف خانعاً أمام المصالح الإيرانية، فسمح للجمهورية الإسلامية بمد نفوذها بشكل أكبر، على الرغم من الغارات الإسرائيلية التي استهدفت المواقع الإيرانية بين الفينة والفينة. بل إن حتى من حاربوا النظام ومؤيديه المدعومين إيرانياً مثل حزب الله، اضطروا للرضوخ إثر ذلك. ففي مناطق مثل درعا التي سيطرت عليها جماعات الثوار قبل أن تستعيد القوات الموالية للنظام السيطرة على المحافظة في عام 2018، تمكن حزب الله من تجنيد المقاتلين من تلك المجتمعات اليائسة.

الحصن المنيع.. ينهار!

بيد أن اليأس في خضم النزاع يولد السخط والفساد، ومع توسع نفوذ حزب الله وإيران، زادت الأخطار، بدأ حزب الله بالتعاون مع مزيد من الأشخاص ومشاركة المعلومات الاستخباراتية معهم، وقد زاد عدد هؤلاء الأشخاص عما كان عليه في السابق، وبالتالي عرض الحزب لعمليات جمع المعلومات الاستخباراتية على يد الإسرائيليين والأميركيين، وقد يكون ذلك أحد الأسباب التي أدت لتكبد الحزب خسائر فادحة خلال الأسابيع القليلة الماضية. إذ في غضون شهر، فقد حزب الله زعيمه الروحي والسياسي والعسكري حسن نصر الله، مع عدد من نوابه، والآلاف من ضباطه وجنوده. والأهم من ذلك أنه خسر سريته بوصفه حصناً منيعاً أمام إسرائيل. كما أذلت الهجمات الإسرائيلية إيران في قلب مقر تابع للحرس الثوري، ناهيك عن اغتيال عدد من قادته، والهجمات التي استهدفت الدبلوماسيين الإيرانيين. وفي الثامن من أيلول الماضي، خسر كلا الطرفين الفاعلين مصنعاً سرياً للأسلحة أقيم تحت الأرض في سوريا وذلك في غارة نفذتها قوات المغاوير الإسرائيلية.

يرى البيت الأبيض بأن هذه الأحداث بوسعها تمهيد الطريق لمستقبل أفضل من أجل لبنان، أو "لنظام جديد" كما أطلقت إسرائيل على عملية اغتيال حسن نصر الله، ولكن في حال لم يكن لدى الولايات المتحدة خطة حقيقية لنظام جديد تعالج وبشكل شامل كل الجروح المتقيحة للمنطقة، فإن سوريا وغيرها من النزاعات طويلة الأمد ستصب مرة أخرى في مصلحة إيران وحزب الله، أي أنهما سيتعافيان ويعيدان تأكيد شخصيتهما في الوقت المناسب، وعندئذ لن يتعين عليهما مواجهة التفوق العسكري لإسرائيل أو للولايات المتحدة وفقاً لشروطهما الخاصة.

إن اليأس من حل النزاعات التي امتدت لأمد طويل في المنطقة لن يخلف سوى السخط والفساد الذي سيقف ضد الولايات المتحدة في المرة القادمة، ففي لبنان وحتى إيران، أقام المقاتلون مخابئ لا تحصى ولا تعد، إلى جانب مئات الأميال من الأنفاق تحت الأرض، وذلك حتى ينقلوا العدة والعتاد من خلالها. ومع شن إسرائيل لعملياتها الوحشية على غزة والضفة الغربية، والآن لبنان، سيغدو عدد المجندين مستقبلاً من أبناء هذه المنطقة وغيرها غير محدود.

محور مقاومة أشرس.. بعد حين

وبدلاً من مواجهة هذا الواقع السياسي، أصبح ما سيحدث لاحقاً بالنسبة لسوريا وغزة، والآن لبنان، فكرة مستغربة ترى بأن النزاعات تنتهي عبر إعادة الإعمار أو الحلول التكنوقراطية، لكن الأمور ليست كذلك عملياً، لأن التاريخ الحديث للمنطقة يكشف لنا بأنه من دون التوافق على صيغة سياسية مقبولة بالنسبة لما سيحدث بعد ذلك، فلن يكون أمامنا سوى صعود وهبوط للعنف إلى أبد الآبدين. وسيخلف ذلك عواقب وخيمة على إسرائيل في المستقبل المنظور، ولهذا من غير المحتمل لأي قدر من القصف الذي يشهده لبنان وما سواه أن يغير في الأمر شيئاً. بل إن عواقب الحملات العسكرية الإسرائيلية ستخلق فرصاً جديدة أمام إيران وحزب الله في مواضع مثل سوريا بعد مدة طويلة من إبداء الولايات المتحدة لرغبتها في الخروج منها، تماماً كما حدث قبل السابع من تشرين الأول الماضي.

ولذلك يجب على أي إدارة أميركية قد تصل إلى الحكم مستقبلاً أن تكون صادقة حيال رغبتها أو اهتمامها بالحرب الدائرة في الشرق الأوسط، إذ في الوقت الذي قد تبدي إسرائيل شراستها، لا يجوز للولايات المتحدة أن تبدي ذلك لسبب وجيه، لأن الحرب عندما ستضع أوزارها، فإنه من المحتمل لنتنياهو أن يبقى في منصبه، إلا أن مصداقية الولايات المتحدة وأمنها سيتحطمان من دون تحقيق مكاسب ملموسة على المدى البعيد، ومن دون وجود خطة للتعامل مع محور مقاومة بات أشرس بعد خروجه من تحت الرماد. وفي حال لم تكن إسرائيل مستعدة للسلام، عندئذ سيتعين على الولايات المتحدة الاستعانة بنفوذها لفرض هدنة. وفي هذه الحرب، قد تخدم هذه الاستراتيجية نقاط القوة لدى الولايات المتحدة ومصالحها، بيد أن الشيء الذي لا يخدم كل ذلك هو التعامل مع نزاعات طويلة الأمد في منطقة لم تعد أولوية بالنسبة للولايات المتحدة.

  

المصدر: CSIS