كثّفت ميليشيا "الحشد الشعبي" العراقي أنشطتها في حلب، والتي تزعم أنها تستهدف الأهالي المتضرّرين من الزلزال، وتشمل قطاعات الإغاثة والطبابة وعمليات الهدم وترحيل الأنقاض.
واستقدمت الميليشيا التي تدعمها إيران، أعداداً إضافية من عناصرها القادمين من العراق إلى حلب لتدعم نقاطها التي توسّعت بشكل لافت في أحياء حلب الشرقية وفي الضواحي والأرياف القريبة كبلدتي (نبل والزهراء) شمالاً، وأرسلت الميليشيات ما يزيد على 1000 عنصر متطوع إلى مراكز تجمعها الرئيسية وسط المدينة، أهمها في "جامع النقطة" وفي ملعب الحمدانية.
"الحشد الطائفي"
ترافق تصاعد الأنشطة الميدانية لـ"ميليشيا الحشد الشعبي" مع زيادة كبيرة في النشاط الدعائي الذي يروّج لأعماله ومساعداته المتنوعة، وتوسّع نقاط تمركزه في مدينة حلب والريف، وبدا انخراطه المتزايد، حتى وإن كان على المستوى الدعائي، بمثابة حملة مضادة يحاول من خلالها امتصاص غضب الحلبيين الذين يتهمون "الحشد" بتوزيع المساعدات على أساس طائفي، والاهتمام أكثر بالمناطق التي تقطنها أكثرية شيعية، واتهامه بالمشاركة في عمليات الهدم إلى جانب شركات مقاولات محلية وبالتعاون مع مجلس المدينة.
وأكثر ما أثار سخط الأهالي في حلب، التسجيل المصوّر الذي تم تداوله بكثافة وفيه يظهر رئيس هيئة أركان "الحشد الشعبي" عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك) برفقة ضابط في قوات النظام وعدد من العناصر في منطقة "جسر الحج" التي شهدت انهيار عدة مبان بسبب الزلزال.
ووفقاً للمقطع فقد طلب "المحمداوي" بطريقة ساخرة، تأمين امرأة له من ضحايا الزلزال قائلاً: "أي وحدة متأخرة ولو فايتها القطار عطينا ياها تمشي عنا".
— قتيبة ياسين (@k7ybnd99) February 11, 2023
التسجيل أثار موجة من الجدل في الشارع الحلبي الذي راح يحلّل ويتداول الشائعات حول عناصر "الحشد الشعبي"، بعضها صحيح وبعضها الآخر مبالغ فيه، ومثالها استغلال النساء المحتاجات من قبل عناصر الحشد والتحرّش بهن، وبحث فريق من العناصر عن سيدات يرغبن بزواج المتعة، وأحاديث عن بقاء طويل الأمد للميليشيا ذات الأعداد الكبيرة المدعومة من إيران، شائعات وأخبار متداولة أثارت الذعر في الأوساط الحلبية دفعت الكثير من العائلات إلى ترك مراكز الإيواء ونقاط توزع المساعدات التابعة للحشد، وعائلات امتنعت عن تلقي مساعداته، وفضّلت السكن في المقابر أو العودة إلى منازلها المتضرّرة، خوفاً من الاستغلال.
مساعدات دعائية
تركّز نشاط "الحشد الشعبي" في ملعب الحمدانية الذي كان، خلال عامي 2012 و2016، قاعدة عسكرية لقوات النظام والميليشيات الإيرانية، ومربضاً لراجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة التي كانت تقصف الأحياء الشرقية التي كان يسيطر عليها الجيش السوري الحر.
وفي الملعب الذي خُصّص قسم منه لإيواء أعداد من العائلات المتضرّرة من الزلزال، يخزّن "الحشد" المواد الغذائية والطبية التي بدأت تصل تباعاً من العراق عبر الطرق البرية، ويتجمع في الملعب العدد الأكبر من آليات وعناصر الحشد، ومنه تنطلق يومياً الحمولات على النقاط والمطابخ المؤقتة في الأحياء وعلى مراكز الإيواء. ويمكن تلخيص النشاط الإغاثي وعمليات توزيع المساعدات من قبل "الحشد" في عدة بنود:
- أولاً: عمِل على توزيع 4 مطابخ في مدينة حلب، المطبخ المركزي قرب "جامع النقطة"، وثلاثة مطابخ متنقلة في المناطق التي تضم العدد الأكبر من مراكز الإيواء، كما عمِل على توزيع المساعدات عبر الشاحنات التي تدخل الأحياء المتضرّرة، بحيث تقف الشاحنات المحمّلة بالمواد التموينية ولوازم الأطفال (طحين وسكر وشاي وأرز وفوط وحليب أطفال) في ساحة الحي ويأمر عناصر "الحشد" المرافقين للشاحنة باصطفاف الناس في طوابير طويلة.
وغالباً تُوزّع كميات قليلة وتغادر الشاحنات بمجرد انتهاء المجموعات الإعلامية المرافقة من عمليات التصوير والتوثيق، وكثيراً ما حصلت صدامات بين الأهالي ومجموعات الحشد التي تقوم بعمليات التوزيع بطريقة مهينة، كما حصل في حي الصالحين أحد أكثر الأحياء المتضررة بالزلزال الذي كان سبباً في تصنيف مئات المباني السكنية المتضررة أصلاً بالقصف السابق لقوات النظام، كمبان خطرة بعدما زاد تصدعها.
- ثانياً: يتهم الأهالي في حلب مجموعات "الحشد" بتوزيع الكميات الأكبر من المساعدات على الأحياء ومراكز الإيواء التي تقطنها عائلات شيعية متضررة من الزلزال، ومثالها الأحياء التي تسكنها عائلات نازحة من بلدتي (كفريا والفوعة) في باب النيرب والأحياء المجاورة، وبلدتي (نبل والزهراء) اللتين حظيتا باهتمام خاص من "الحشد"، الذي وجّه كميات ضخمة من المساعدات والمواد الطبية إلى هناك على الرغم من أن البلدتين لم تتضررا كثيراً بالزلزال، ولم يقع فيهما ضحايا ولا انهيارات كلّية للمباني.
ويتهم الأهالي "الحشد الشعبي" بتوجيه قسم كبير من المساعدات إلى مناطق نفوذ "لواء الإمام الباقر" في حي البلورة والأحياء المجاورة التي يسيطر عليها، واستقبال زعيم اللواء خالد المرعي قوافل أخرى من المساعدات التي أرسلتها عشائر قبيلة البكارة في البصرة وجنوب العراق (عشائر لديها تشكيلات مسلحة ضمن صفوف الحشد)، واستقبال اللواء ما تسمّى الحمولة، وهي شاحنات جمعتها عائلات شيعية من الجنوب أهمها: (حمولة آل حيدر، حمولة آل عيسى، حمولة آل سلطان، حمولة آل محسن، حمولة آل المخازيم).
كذلك استضاف اللواء عدة شخصيات عشائرية وقادة في تشكيلات "الحشد الشعبي" قِدموا برفقة الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية، ومصادر محلية تتحدث عن شحنات أسلحة وصلت إلى "لواء الباقر" في حلب، وكانت من ضمن قوافل المساعدات.
ويبدو أن "الحشد الشعبي" يخطّط لوجود طويل الأمد في حلب، التي نالت الحصة الأكبر من أرتاله ومجموعاته وآلياته، وهي رغبة إيرانية كما يبدو، فآليات "الحشد" تعّهدت بمواصلة العمل على هدم المباني المتضرّرة بالشراكة مع آليات مجلس المدينة وشركات مقاولات محلية بينها "شركه المدينة المنورة للتعهدات"، التي يملكها أحمد حزيني.
وتركّزت عمليات الهدم في أحياء العامرية وتل الزرازير والسكري والمشهد، ويتخوّف الأهالي من تزايد عمليات الهدم وتمددها نحو المزيد من الأحياء التي تكثر فيها الأبنية المتصدعة بالقصف السابق، ومعظم مالكيها مهجرون عن المدينة.
وينتظر "الحشد الشعبي" مجلس مدينة حلب لإعطائه مساحة من الأرض ليبني عليها وحدات سكنية يزعم أنها لإيواء متضرّري الزلزال في حلب، حيث أعلن بشكل متكرر عن تجهيز نموذج للبيوت مسبقة الصنع، وأشار إلى أن العمل على مخطّط الشقق استغرق أربع ساعات لاعتماد المواصفات الفنية في شروط السلامة والسكن الاجتماعي الطارئ، وعددها 400 شقة سكنية لتعويض 400 عائلة متضررة من الزلزال.
وكيل "السيستاني" في ريف إدلب
ويبدو أن إيران تحاول الاستفادة من الانتشار الواسع لـ"الحشد" في حلب كي تتمدد أكثر في المحيط الحيوي لحلب، وتصل إلى ريف محافظة إدلب الخاضع لسيطرة نظام الأسد، وتريد لـ"الحشد" بقاءً طويلاً ومستداماً، فقد زار حليم البهبهاني - وكيل علي السيستاني - ووفد من المرجعية الدينية لـ"الحشد الشعبي" مقر مجلس محافظة إدلب المؤقّت في مدينة خان شيخون جنوبي إدلب، في 28 شباط الفائت.
وفي 1 آذار الجاري، توجّه "البهبهاني" برفقة المحافظ ثائر سلهب إلى مركز الإيواء في خان شيخون، وقدّم مبالغ مالية لعدد من العائلات، بالإضافة إلى سلال إغاثية، ودعا إلى إنعاش المنطقة وتسهيل عودة الأهالي.
زيارة ممثل "السيستاني" سبقها إعلان المحافظة عن فتح باب العودة للأهالي المهجّرين إلى 5 بلدات في ريف منطقة معرة النعمان جنوبي إدلب، هي معر شورين ومعر شمارين ومعر شمشة وتل منس وكفر سجنة.